مقالات

ما هي القوة الناعمة وماذا يعني أن تتدهور في أمريكا على يد ترامب؟

مترجم عنDonald Trump and the Decline of US Soft Powerللكاتب Joseph S. Nye

محمود سعيد موسى

في مقال له على موقع منظمة «بروجيكت سنديكيت» المتخصصة في نشر المقالات التحليلية لكبار الاقتصاديين والمفكرين السياسيين ورجال الأعمال والأكاديميين، حلل جوزيف ناي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد ومساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الأمنية الدولية الأسبق، سبب رؤيته لتدهور الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة ناعمة في عهد ترامب.

يجزم أستاذ العلاقات الدولية بأن القوة الناعمة لبلده تآكلت في عهد ترامب. فقد كان المشهد جليًا عندما أجرت مؤسسة «غالوب»، المتخصصة في تقديم الاستشارات الإدارية والموارد البشرية والبحوث الإحصائية، استطلاع رأي يفيد بأن صورة الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب انخفضت 20 نقطةً عن صورتها تحت إدارة أوباما، ما جعل 30% من إجمالي 143 دولة يحملون صورة إيجابية عن الولايات المتحدة في أذهانهم.

كما أشار مركز «بيو» للأبحاث، المتخصص في مجال أبحاث الشعوب، بأن مركز الصين بوصفها قوة ناعمة اقترب من مركز الولايات المتحدة. فحسب موقع القائمة البريطانية لأعلى 30 قوة ناعمة حول العالم، انخفض مركز الولايات المتحدة من صدارة القائمة في 2016 إلى المركز الثالث بعد عام واحد فقط.

القوة الناعمة ليست مهمة. وفقًا لناي، تلخص تلك العبارة فكرة أنصار ترامب. فقد صرح مدير الميزانية في البيت الأبيض، مايك مولفاني، بزيادة تمويل ميزانية القوى العسكرية مستقطعًا 30% من الأموال المخصصة لوزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويستنتج الكاتب أن من يهمهم أن تأتي «أمريكا أولًا»، فمن المؤكد أن يأتي باقي العالم في المرتبة الثانية.

يشرح الكاتب معنى القوة الناعمة التي تكمن في قوة الجذب بدلًا من الإجبار أو الإغراء بالأموال، بمعنى اختيار الفرد طوعًا لفعل أمر ما دون إكراه. ويضرب الكاتب هنا مثالًا بالآباء الذين لديهم حكمة استخدام قوة المثال في التمسك بالقيم والأخلاق حين يحتذي الأبناء بهم اقتداءً، بدلًا من الاعتماد فقط على العقاب والثواب.

وبالمنطق نفسه، يطبق الكاتب المثال على القادة السياسيين الذين فهموا معنى القوة النابع من القدرة على وضع الأجندة السياسية، وتحديد إطار المباحثات، بمعنى أن تجعل الآخرين يفعلون ما تريده أنت دون الحاجة إلى أن ترغمهم على فعله. وبالتالي فإذا كانت قيم الولايات المتحدة تعبر عما يريد أن يتبعه الشعوب الأخرى، فبإمكان تلك القيم توفير استراتيجية العصا والجزرة. وأكد أن إضافة القوة العسكرية، تتضاعف عن قوة القيم.

وعدّد الكاتب المصادر الثلاثة للقوة الناعمة للدولة، وهي:

1. الثقافة التي تجذب الشعوب الأخرى.

2. احترام القيم السياسية والمحافظة عليها مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

3. احترام السياسات التي ينص عليها القانون؛ لأنها مبنية على المساواة والوعي بمصالح الآخرين.

وبالتالي فإن سلوك الحكومة في بلدها -على سبيل المثال: الحفاظ على حرية الصحافة-، وعبر المؤسسات الدولية -استشارة الآخرين وتطبيق مفهوم التعددية-، وعلى مستوى السياسة الخارجية -تعزيز التنمية وحقوق الإنسان-، يمكنه التأثير في الآخرين بقوة المثال. وهو ما فعل عكسه ترامب لتتراجع قوة جذب السياسات الأمريكية على جميع المستويات.

ارتاحت أسارير الكاتب عندما أيقن أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر من ترامب أو الحكومة الحالية. فعلى العكس من الآلة الحربية التي تمتلكها بلده، فإن مصادر القوة الناعمة منفصلة عن أي حكومة، أي أن الحكومة تستعمل تلك القوة بشكل جزئي فقط لتحقيق أهدافها. في المجتمع الحر، لا تسيطر الحكومة على الثقافة. فغياب السياسات الثقافية الرسمية نفسه هو بالتأكيد أحد مصادر الجذب. تأثير الأفلام الهوليوودية مثل فيلم The Post، الذي يحكي عن امرأة نزيهة وصحافة حرة، يُعتبر عامل جذب للآخرين، بتأثير الأعمال الخيرية للمؤسسات الأمريكية نفسه، أو حتى ميزة حرية المساءلة في الجامعات الأمريكية.

يَعتبِر الكاتب أن الشركات والجامعات والمؤسسات ودور العبادة والمجتمعات المدنية تطور مفهوم القوة الناعمة التي قد تتناغم وتعزز أهداف السياسة الخارجية الرسمية، أو حتى تختلف معه. ففي عصر المعلومات، كل هذه المصادر الخاصة للقوة الناعمة تحتل أهمية متزايدة. ما يجعلها سببًا أدعى للحكومات أن تهتم بإنشاء السياسات المتناغمة مع إجراءاتها لتجنب هدر قوتها الناعمة وتقليلها.

يعتبر الكاتب أن السياسات الداخلية أو الخارجية التي توحي بالنفاق، أو الغرور، أو عدم الاكتراث لوجهة نظر الآخرين، أو مبنية على مفهوم ضيق الأفق، أو مصالح محلية، تدمر القوة الناعمة. على سبيل المثال: انهيار قوة جذب الولايات المتحدة الأمريكية في استطلاعات الرأي التي أجريت بعد غزو العراق عام 2003 كان رد فعل للسياسات التي اتخذتها إدارة بوش أكثر منه لبلده بشكل عام.

ويتابع الكاتب الحديث عما فعلته بعض السياسات التي قللت من شعبية بلده؛ لأنها لم تكن السياسات الحكومية الأولى من نوعها. ففي عام 1970، عارض الكثيرون حول العالم الحرب الأمريكية في فيتنام، وكان وقوف العالم ضد الولايات المتحدة الأمريكية تعكس انعدام شعبية تلك السياسات. وبتغيير السياسات وانحسار ذكريات الحرب، استعادت الدولة كثيرًا من القوة الناعمة التي فقدتها. وتكرر السيناريو بحذافيره بعد حرب العراق، لكنها استعادت قوتها الناعمة بشكل أقل في الشرق الأوسط بالنسبة لبقية أجزاء العالم.

يتفهم الكاتب الشكوك التي تدور حول فكرة عدم أهمية القوة الناعمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن تعاون الدول مع بعضها ينطلق من المصلحة الذاتية. لكن هذه الفرضية لم تأخذ في الاعتبار نقطة في غاية الأهمية، وهي أن التعاون له درجات تتأثر بالجذب أو النفور. وزيادة على ذلك، على سبيل المثال، فإن تأثير القوة الناعمة للدولة يمتد إلى فاعلين غير تابعيين للدولة أو المعروفين باسم non-state actors، عن طريق مساعدة أو عرقلة تجنيد الشبكات الإرهابية. ففي عصر المعلومات، كسب المعركة لا يعتمد فقط على الجيش المُنتصِر؛ بل أيضًا على الرواية المُنتصِرة.

ويؤكد الكاتب واحدة من أهم مصادر القوة الناعمة لبلده، وهي انفتاح عملياتها الديمقراطية، فبالرغم من انحسار جاذبية الدولة عند اتخاذ سياسات خاطئة، فإن قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الاستنكار وتصحيح الأخطاء، يجعلها جذابة للآخرين بمستوى أعمق. فعندما انتفض المتظاهرون حول العالم ضد حرب فيتنام، غنوا نشيد حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة «علينا أن نتخطى ذلك».

وختامًا، يراهن الكاتب بأن بلاده ستتخطى أيضًا كل ذلك. فبالنظر إلى الماضي، كل الأسباب تدعو للأمل في استعادة الولايات المتحدة قوتها الناعمة، بعد إدارة ترامب.