مقالات

محمد بن سلمان لـ «نيويورك تايمز»: المرشد الإيراني هتلر جديد في الشرق الأوسط

الرياض

في الوقت الذي يتردد فيه أسم ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان في الدوائر السياسية الدولية والأوساط الاقتصادية على نطاق واسع واصل حضوره اللافت أمس عبر لقاء أجراه معه الكاتب توماس فريدمان من صحيفة “نيويورك تايمز”، والذي وصف فيه ما يقوم به الأمير محمد بن سلمان بأنه “ربيع عربي مختلف عما يحدث في البلدان الأخرى”.
وأشار فريدمان إلى أنه لم يخطر بباله أنه سيعيش بما فيه الكفاية إلى اليوم الذي يتسنى لي فيه كتابة الجملة التالية: “تشهد السعودية اليوم عملية الإصلاح الأكثرُ أهميةً مقارنةً بأي بُقعةٍ من بقاع الشرق الأوسط. نعم، فأنتم تقرئون ما كتبتهُ بشكلٍ صحيح. وبالرغم من أني جئت للسعودية أثناء بداية فصل الشتاء فيها، إلا أني قد وجدت البلاد تمُرَ بربيعها العربي، على النمط السعودي”. وجاء نص ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “الربيع العربي في السعودية أخيراً “على النحو التالي:
وعلى خلاف أي ربيعٍ عربي في مختلف البلدان الأخرى – التي ظهرت جميعُها من الطبقة الأدنى إلى الأعلى وفشلت بشكلٍ فادح، ما عدا ذلك الذي حدث في تونس – يقود ولي العهد البلاد الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عاماً حركة الربيع العربي هذه بدءًا بعلية القوم ونزولًا إلى من دونهم من الأعلى إلى الأدنى، وفي حال أتت ثمارها، فإنها لن تقلب موازين السعودية فحسب بل إنها ستغير أيضًا معنى ومفهوم الإسلام في جميع أرجاء العالم – و الأحمق فقط هو من لا يقف في صف هذه الحركة.
ولكي أتمكن من فهم المسألة بشكلٍ أفضل، توجهت مسافراً إلى الرياض لمُقابلة ولي العهد، الذي يعرف عادةً بــ” إم بي إس ” والذي لم يتطرق أبدًا للأحداث الاستثنائية التي حصلت هُنا في مطلع شهر نوفمبر، حينما قامت حكومته بإلقاء القبض على عشرات الأمراء ورجال الاعمال السعوديين بتُهمٍ تتعلق بالفساد، ومن ثم وضعهم في سجنٍ فاخرٍ موقت – فندق الريتز كارلتون – إلى حين أن يوافقوا على تسليم مكاسبهم غير المشروعة. وإنهُ لمن النادر جدًا أن نشهد مثل هذا الحدث.
والتقينا مساءًا في قصر عائلته ذي جُدران الطوب في حي العوجا شمال الرياض. وقد كان “إم بي إس” يتحدث باللغة الإنكليزية، في حين تشارك أخاه الأمير خالد – سفير السعودية الجديد لدى الولايات المتحدة – وعدداً من كبار الوزراء أطباقًا مُختلفة من لحم الضأن وأضافوا للحديث رونقاً خاصا.
وبعد أن قضينا أربع ساعاتٍ سوية، استسلمتُ عند الساعة 1:15 صباحاً لعنفوان شباب الأمير محمد بن سلمان – ويذكر بأن عُمري ضعف عُمره. ومع ذلك، مر وقتٌ طويلٌ جداً منذ أن تكلم معي أي زعيمٍ عربي بسيلٍ عارمٍ من الأفكار الكبيرة التي ترمي إلى إحداث نقلةٍ في بلاده.
وبدأنا بتوجيه السؤال الواضح، ألا وهو: ما الذي يحدثُ في فندق الريتز؟ وهل كانت هذه هي لعبة السُلطة الخاصة به والتي يهدف من خلالها إلى إزالة مُنافسيه من أعضاء عائلته ومن القطاعات الخاصة قبل أن يُمركز والده الملك سلمان، مقاليد السُلطة في المملكة بين يدي الأمير محمد؟
قال: “إنهُ لأمرٌ مُضحك”، أن تقول بأن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلةً لانتزاع السُلطة. وأشار إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين في الريتز قد أعلنوا مُسبقًا بيعتهم له ودعمهم لإصلاحاته، وأن “الغالبية العُظمى من أفراد العائلة الحاكمة” تقفُ في صفه. وأضاف: “هذا ما حدث، فلطالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا. وتقول تقديرات خُبراءنا بأن ما يُقارب 10 في المئة من الإنفاق الحكومي كان تعرض للاختلاس أو الهدر منذ بداية الثمانينات بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين: العُليا والكادحة. وعلى مر السنين، كانت الحكومة شنت أكثر من “حربٍ على الفساد” ولكنها فشلت جميعاً. لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودًا إلى غيرها من الطبقات المرموقة. ولذلك، فإنهُ عندما أعتلى والده – الذي لم يسبق وأن أُشتبه به بتهم تتعلق بالفساد على مر الخمسة عقود التي كان فيها أميراً لمدينة الرياض – سُدة العرش في العام 2015م (في الوقت الذي كانت أسعار النفط فيه مُنخفضة)، قام بقطع عهد على نفسه بوضع حدٍ لهذا كُله.
وقال الأمير محمد: “رأى والدي أنهُ ليس من المُمكن أن نبقى ضمن “مجموعة العشرين” في حين تنموُ بلادنا بهذا المُستوى من الفساد. ففي وقتٍ سابق من العام 2015م كانت أول الأوامر التي أعطاها والدي لفريقه هي جمع كل البيانات المُتعلقة بالفساد لدى عند الطبقة العُليا. ولقد ظل الفريق يعمل لمدة عامين كاملين حتى توصلوا لجمع هذه المعلومات الأكثر دقةً، ومن ثم جاءوا بحوالي 200 اسم”. وعندما كانت جميع البيانات جاهزة، اتخذ النائب العام، سعود المعجب، الإجراءات الازمة، وقال محمد بن سلمان، موضحاً أن كل من اُشتبه به سواءً كان من أصحاب البلايين أو أميراً تم القبض عليه ووضعه أمام خيارين: “أريناهم جميع الملفات التي بحوزتنا وبمُجرد أن أطلعوا عليها، وافق ما نسبته 95 في المئة منهم على التسويات”، الأمر الذي يعني أن عليهم دفع مبالغ مادية أو وضع أسهم من شركاتهم في وزارة المالية السعودية. وأضاف: “استطاع ما نسبته 1 في المئة من المُشتبه بهم اثبات براءتهم وتم اسقاط التهم الموجهة لهم في حينها. وقرابة 4 في المئة قالوا بأنهم لم يشاركوا في أعمال فساد ويُطالب مُحاميهم باللجوء إلى المحكمة. ويُعتبر النائب العام، بموجب القانون السعودي، مُستقلًا. فلا يمكننا التدخل في عمله – ولا أحد سوى الملك يستطيع إقصاءه، ولكنه هو من يقود العملية الآن… ولدينا خُبراءٍ من شأنهم ضمان عدم إفلاس أي شركة من جراء هذه العملية” – وذلك لتجنب إحداث أي عطالة.
وجهتُ سؤالًا قُلت فيه: “كم من المال سيُعيدون إليكم؟” قال الأمير محمد بن سلمان إن النائب العالم يقول بأنهُ من الممكن في نهاية المطاف “أن يكون المبلغ حوالي 100 بليون دولار من مردود التسويات”. وأضاف، ليس هُنالك من طريقةٍ يمكن من خلالها القضاء على الفساد في جميع الطبقات، “لذلك فإنهُ عليك أن تُرسل إشارة، والإشارةُ التي سيأخذها الجميع بجدية هي “أنك لن تنجوا بفعلتك”. وشهدنا تأثيرها بالفعل وما زلنا نشهده”، وضرب بمثالًا ما قاله أحدهم في مواقع التواصل الاجتماعي “أتصلتُ بوسيطي لإنهاء معاملاتي المعلقة بالحكومة ولكنه لا يجيب على اتصالاتي”. ولم تتم مُقاضاة رجال الأعمال السعوديين الذين يدفعون الرشاوي لإنجاز مصالحهم الشرعية من قبل البيروقراطيين الذين قاموا بابتزازهم، وأوضح قائلًا: “أولئك (الذين تم القبض عليهم) هم من اجتثوا أموال الحكومة” – من خلال رفعهم للأسعار وحصولهم على الرشاوي. والمخاطر التي تواجه الأمير محمد بن سلمان في حملة مكافحة الفساد هذه عاليةٌ جدًا. فإذا ما أحس الشعب بأنهُ بالفعل يقوم بمكافحة الفساد الذي لطالما عطل النظام وأنهُ يقوم بذلك وفقًا لطريقةٍ تتسم بالشفافية من شأنها أن توضح للمستثمرين السعوديين والأجانب في المستقبل أن النظام سيسود على الكُل، فإن الشعب سيضع الكثير من الثقة الجديدة في الحكومة. ولكن في حال انتهت العملية بشمل متعسف وباتت تهدف إلى جمع المزيد من القوى من أجل الاستحواذ على السُلطة ولم تخضع لأيةِ سيادةٍ قانونية، فإنهُ سينتهي بها الأمر إلى زراعة المخاوف التي من شأنها أن تُثير قلق المُستثمرين السعوديين والأجانب بالطريقة التي لا يمكن للبلاد تحملها.
ولكن الشيء الوحيد الذي أنا متيقن منه هو أن: كل من تحدثت إليه من السعوديين دون استثناء على الأيام الثلاث التي قضيتها هُنا أعرب عن دعمه المُطلق لحملة مكافحة الفساد هذه. ومن الواضح أن الغالبية السعودية الصامتة سأمت من جور العديد من الأُمراء وأصحاب البلايين الذين سرقوا أموال دولتهم. وحين كان الأجانب، مثلي، يستفسرون عن الإطار القانوني لهذه العملية، كانت مشاعر السعوديين الذين تحدثتُ إليهم تُشيرُ إلى: “قلب جميع هؤلاء المُفسدين رأسًا على عقب، وخضهم حتى تتساقط الأموال من جيوبهم ولا تتوقفوا عن ذلك حتى تنفذ جميع الأموال!” ولكن خمنوا ماذا؟ إن حملة مكافحة الفساد هذه ليست سوى ثاني أكثر المُبادرات غير الاعتيادية والمُهمة التي شنها الأمير محمد بن سلمان. إذ كانت المُبادرة الأولى ترمي إلى إعادة الإسلام السعودي إلى أصوله الأكثر انفتاحاً واعتدالاً – والذي تم تحريفهُ في عام 1979. وهذا هو، ما وصفه الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر العالمي للاستثمار والذي عُقد أخيراً هُنا في الرياض على أنهُ “إسلام معتدل ومتوازن، ينفتح بدوره للعالم وللديانات الأُخرى ولجميع التقاليد والشُعوب”. أعرف ذلك العام جيداً. إذ بدأت مسيرتي بالعمل كمُراسلٍ في الشرق الأوسط في مدينة بيروت في العام 1979م، وكانت معظم المنطقة التي غطيتُها منذ ذلك الوقت تشكلت على يد الأحداث الكُبرى الثلاث التي وقعت في ذلك العام: استيلاء المُتطرفين ذوي الأفكار المُتزمتة على المسجد الحرام في مكة المكرمة – الذين اتهموا العائلة الحاكمة في السعودية على أنها فاسدة، وأنهم كفرةً مُنصاعين للقيم الغربية، والثورة الإسلامية الإيرانية، وأخيراً الغزو السوفيتي لأفغانستان. وأصابت هذه الأحداث الثلاث جميعاً العائلة الحاكمة في السعودية بالقلق الشديد في ذلك الحين، ودفعتها إلى غض النظر عن مجموعة من رجال الدين المتطرفين الذين دفعوا لفرض إسلامٍ متزمت على المجتمع السعودي، ومن خلال شن مُنافسةٍ عالمية ضد آيات الله الإيرانيين الذين يمكن لهم أن يُصدروا المزيد من الأصول الإسلامية. ولم يُساعد قيام الولايات المتحدة بمحاولة استغلال هذا الاتجاه من خلال استخدام مصطلح المُقاتلين الإسلاميين ضد روسيا في أفغانستان. وباختصار، أدت إلى تطرف الإسلام عالمياً وساعدت في وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر).
إن محمد بن سلمان في مهمةٍ لإعادة الإسلام السعودي إلى الاعتدال، إذ أنه لم يكتف بكبح تجاوزات سلطة الشرطة الدينية السعودية فحسب – التي كانت تبث الرعب في النفوس سابقًا – وعرفت بتمكنها وقدرتها على توبيخ النساء، بل إنه سمح للنساء بالقيادة. وعلى النقيض من أي زعيمٍ سعودي سبقه، فإن الأمير محمد واجه المتشددين أيديولوجياً. إذ أخبرتني امرأة سعودية تبلغ من العمر 28 عاماً تلقت تعليمها في الولايات المتحدة: محمد بن سلمان “يستخدم لغة مختلفة، إذ إنه يقول “سوف ندمر التطرف”. ولا يستخدم عبارات لطيفة. ويبعث هذا الأمر الطمأنينة في صدري بأن التغيير حقيقي”. إن هذا حقًا لصحيح، إذ طلب مني محمد بن سلمان قائلاً: “لا نقول أننا نعمل على إعادة تفسي’ الإسلام – بل نحن نعمل على إعادة الإسلام لأصوله، وأن سنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) هي أهم أدواتنا، فضلا عن الحياة اليومية في السعودية قبل عام 1979م”.

وذكر الأمير بن سلمان أنه في زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، كان هناك الرجال والنساء يتواجدون سوياً وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية. كما أوضح قائلاً: “كان قاضي التجارة في سوق المدينة المنورة امرأة!”. وتساءل الأمير قائلًا: إذا كان خليفة النبي (عمر) رحب بكل ذلك، “فهل يقصدون أنه لم يكن مسلماً!”.
وبعد ذلك، قام أحد وزراءه بإخراج هاتفه النقال، فأطلعني على صورٍ ومشاهد فيديو للسعودية في الخمسينيات الميلادية من موقع يوتيوب – فيها صور لنساء أجانب بلباسهن المعتاد ويرتدين الفساتين الضافية ويمشين مع الرجال في الأماكن العامة، فضلا عن الحفلات الغنائية ودور السينما. لقد كانت مكاناً تقليدياً ومعتدلاً، و لم تكن مكاناً يُمنع فيه الترفيه، غير أن هذا تغير بعد عام 1979م.
وإذا ما تمكنت السعودية من معالجة فايروس التطرف الإسلامي الذي يُعادي تعدد الآراء ويكن الكره للنساء – والذي تفشى بعد عام 1979م – فإنها ستتمكن من نشر الاعتدال في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومن المؤكد أن ذلك سيكون موضع ترحيب في السعودية والتي يُشكل الشباب فيها تحت سن 30 عاماً ما نسبته 65 في المئة من السكان.
بدوره، قال لي مصرفيٌ سعودي في المنتصف من عمره: “أُحتجز جيلي رهينةً لعام 1979م. إلا أنني أعلم الآن أن أطفالي لن يكونوا رهائن”. في حين أضافت رائدة أعمال اجتماعية سعودية تبلغ من العمر 28 عامًا قائلةً: “قبل عشرة سنوات، عندما نتحدث عن الموسيقي في الرياض، فإن ذلك يعني شراء الأقراص المضغوطة (سي دي) – أما الآن فذلك يعني الحفلة الموسيقية التي ستُعقد الشهرالمقبل، ونوع التذكرة التي ستشتريها، ومن من صديقاتك سُترافقك (للحفل)”.
السعودية لن تكون لها معايير تُشبه المعايير الغربية لحرية التعبير وحقوق المرأة. ولكن بصفتي رجلا يزور السعودية بشكل متكرر لأكثر من 30 عاماً، فإنني دُهِشتُ عندما سمعت بأنه يُمكن للمرء الآن حضور حفلات موسيقية غربية كلاسيكية هنا في الرياض، وأن المغني الشعبي توبي كيث أحيا حفلًا هنا للرجال فقط في شهر سبتمبر الماضي، إذ شهد هذا الحفل تعاونه مع فنان سعودي. ودُهشت أيضا عندما سمعتُ بأن مغنية السوبرانو، اللبنانية هبة طوخي، ستكون من بين أولى المغنيات لإحياء حفلٍ هنا للنساء فقط في السادس من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل. كما أخبرني محمد بن سلمان أنه تقُرِرَ أخيراً السماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية وحضور مباريات كرة القدم. واستسلم المتطرفين السعوديين تماماً لذلك.
من جانبه، أوضح وزير التعليم السعودي أنه يعمل على مجموعة واسعة من الإصلاحات التعليمية، والتي تشمل تغيير وتحويل جميع الكتب المدرسية إلى كتب رقمية، وإرسال 1700 معلم سعودي سنوياً إلى المدراس العالمية في أماكن مثل فنلندا بغية تطوير مهاراتهم، والإعلان عن أن الفتيات السعوديات سوف يحظين بحصصِ التربية البدنية للمرة الأولى في المدراس الحكومية، وإدخال ساعة إضافية في اليوم الدراسي في المدراس السعودية للأطفال بغية تمكينهم من اكتشاف شغفهم في العلوم والقضايا الاجتماعية من خلال عملهم على مشاريعهم الخاصة، والتي ستكون تحت إشراف المعلمين. جاءت كثير من هذه الإصلاحات متأخرة جدًا لدرجة مثيرة للسخرية. ومع ذلك، أن تأتي متأخرةً خيرٌ من ألا تأتي ابداً.
أما ما يخص جانب السياسة الخارجية، ففضل محمد بن سلمان عدم مناقشة الغرائب الحاصلة مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بمجيئه إلى السعودية وإعلانه عن استقالته – على ما يبدو أنها جاءت بسبب ضغوط سعودية – وعودته الآن إلى بيروت وتراجعه عن استقالته. إذ أصر ببساطة على أن خلاصة القضية تتمحور حول أن الحريري، وهو مسلمٌ سني، لن يستمر في توفير غطاء سياسي للحكومة اللبنانية التي تخضع بشكل رئيس لسيطرة مليشيا “حزب الله” الشيعية اللبنانية، والتي بدورها تخضع بشكل رئيس لسيطرة طهران.
كما شدد على أن الحرب المدعومة سعودياً في اليمن، والتي تُعد كابوساً إنسانياً، تميل كفتها لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية هناك، والتي قال إنها تُسيطر الآن على 85 في المئة من البلاد، إلا أن قيام المتمردين الحوثيين الموالين لإيران – الذين يُسيطرون على بقية أراضي البلاد – بإطلاق صاروخاً على مطار الرياض يعني أنه، إذ لم يتم السيطرة على كامل البلاد، فإن ذلك سيُمثل مشكلةً.
بدا لي أن وجهة نظره العامة تنص على أنه بدعم من إدارة ترامب – أشاد بالرئيس ترامب، إذ وصفه بــ “الرجل المناسب في الوقت المناسب” – فإن السعوديين وحلفائهم العرب يعملون ببطء على بناء تحالفٍ للتصدي لإيران. إلا أنني لدي شكوكي، إذ أن حالتي الاضطراب والتنافس الواقعتان في العالم العربي السني حالتا دون تشكيل جبهة موحدة حتى الآن، ولهذا السبب تسيطر إيران اليوم بشكل غير مباشر على أربع عواصم عربية – وهي دمشق وصنعاء وبغداد وبيروت. وهناك من يرى أن محمد بن سلمان يبالغ في معاداته وانتقاداته اللاذعة للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. قال لي محمد بن سلمان: “إن المرشد الأعلى (الإيراني) هو هتلرٌ جديد في منطقة الشرق الأوسط”. وأضاف قائلاً: “غير أننا تعلمنا من أوروبا أن الاسترضاء في مثل هذه الحالة لن ينجح. ولا نريد أن يُكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا في الشرق الأوسط”. و شدد على كل شيء تفعله السعودية محلياً يهدف لبناء قوتها واقتصادها.
ولكن هل يتمكن محمد بن سلمان وفريقه من استكمال ذلك؟ أكرر مرة أخرى، أنا لا أقوم بأي تنبؤات. إذ أخبرتني المصادر المطلعة أن الأمير لديه عيوبه، والتي يجب عليه أن يضبطها، ولكن أتعلمون؟ أن الكمال ليس خيارا مطروحا هنا، فالأمر يتحتم أن يقوم شخص ما بتنفيذ هذه المهمة – وهي نقل السعودية إلى القرن الحادي والعشرين – فتقدم الأمير محمد وأخذ على عاتقه هذه المهمة. وعن نفسي، فإنني أشجعه بقوة لكي ينجح في جهوده الإصلاحية. كما يُشجعه أيضا الكثير من الشباب السعودي. علق في ذهني ما قلته رائدة الأعمال الاجتماعية السعودية البالغة من العمر 30 عاماً “إننا محظوظون بأن نكون الجيل الذي شهد المرحلة السابقة والمقبلة”. إذ أوضحت أن الجيل السابق من النساء لم يكن ليتخيل ابداً أن النساء سيتمكنَّ يوماً من القيادة، بينما لن يكون الجيل المقبل قادر على أن يتخيل يومًا لا يُمكن فيه للنساء القيادة. كما أخبرتني قائلةً: “إلا أنني سوف أتذكر دوماً عدم استطاعتي القيادة”. وإن حقيقة انتهاء ذلك للأبد في شهر يونيو “يمنحني الكثير من الأمل، إذ أنه يثبت لي أن كل شيء ممكن – وأن هذا عصر الفرص. لقد شاهدنا الأحوال تتغير ونحن شباب بما فيه الكفاية لإنجاح هذا التحول”.
ومنح هذا الجهد الإصلاحي للشباب هنا مصدر فخر جديد بلادهم، إذ أنه منحهم هوية جديدة، وهو ما يستمتع به الكثير منهم بوضوح تام. وأعترف الشباب السعوديون أنهم كان يشعرون دوماً بنظرة الناس لهم كإرهابي محتمل أو شخص قادم من دولة عالقة في العصر الحجري عندما كانوا طلابا في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. أما الآن، فلديهم قائد شاب يقود إصلاحات دينية واقتصادية، ويتحدث لغة التكنولوجيا المتقدمة جداً، وقائدٌ لاذنب له الا في رغبته بالانطلاق بسرعة فائقة للمستقبل. ويذكر أن معظم الوزراء الآن في الأربعينيات من عمرهم – وليسوا في الستينيات من عمرهم. وفي ظل رفع اليد الخانقة للتطرف، فإن ذلك يمنحهم فرصة للتفكير بطريقة جديدة عن بلدهم وهويتهم باعتبارهم سعوديين.
أخبرتني صديقتي السعودية التي تعمل لدى منظمة غير حكومية قائلةً: “يجب علينا أن نُعيد ثقافتنا لما كانت عليه قبل تولي الثقافة المتطرفة لدينا 13 منطقة في هذه البلاد، . هل تعلم أن كل منطقة في السعودية تمتلك مطبخا خاصا بها. ولكن لا أحد في العالم يعرف أكلاتنا الشعبية. هل كنتَ تعرف ذلك؟ لم أشاهد قط طبق طعام سعودي يشتهر عالمياً. آن الأون لأن نتقبل هويتنا الآن وما كنا عليه”. وللأسف، تضم هوية السعودية أيضا مجموعة كبيرة من السعوديين الأكبر سناً يغلب عليهم الطابع القروي والتقليدي، مما يعني أن نقل السعودية للقرن الواحد والعشرين يُشكل تحدياً. وهذا الأمر يُعد السبب جزئياً وراء عمل كل بيروقراطي رفيع لساعات طويلة جداً. إذ إنهم يُدركون أن محمد بن سلمان قد يتصل بهم في أي وقتٍ من تلك الساعات لمعرفة ما إذ كان طلبه يتم العمل على إنجازه. أخبرته بأن عادات العمل الخاصة به تُذكرني بنص ورد في مسرحية “هاملتون”، عندما يتساءل الجوقة قائلاً: لماذا يعمل دومًا كأن “الوقت يُداهمه”. فأوضح محمد بن سلمان قائلاً: “لأنني أخشى أنه في يوم وفاتي، سأموت دون أن أحقق ما يدور في ذهني. إن الحياة قصيرة جداً، وقد تحدث الكثير من الأمور، كما أنني حريص جداً على مشاهدته بأم عيني – ولهذا السبب أنا في عجلة من أمري”.