حسن صالح: زعيم حزب يكيتي الكردي في القامشلي، سوريا.
خلال فترة الثورة السورية السلمية، ثم تحولها إلى صراع طائفي ومذهبي مدمر، وبروز التنظيمات الإرهابية، لجأ مئات ألوف الكرد السوريين إلى إقليم كردستان العراق بحثا عن الأمان والعمل. وقد رحب كرد سوريا بالاستفتاء على الاستقلال وتضامنوا معه سواء في داخل الإقليم أو في سوريا أو في العالم الخارجي. وبالإضافة إلى ما ذكر، هناك مصالح مشتركة ومصير مشترك بين الشعبيين الكرديين تتطلب التخلص من خطر الحصار المفروض من قبل تركيا وإيران والعراق، والاستفادة من أراضي كردستان سوريا للوصول إلى البحر المتوسط، وهذا الاستفتاء يفيد كرد سوريا سياسيا واقتصاديا وامنيا، ويزيد الطرفين قوة.
يلاقى النموذج السياسي للحكم في إقليم كردستان العراق الفيدرالي قبول كبير من قبل كرد سوريا، كما يحتوي إقليم كردستان سوريا على النفط والغاز والحديد، والعديد من المنتجات التي وفرتها الخطط الزراعية في المناطق الخصبة. ويتمتع الكثير من الرجال والنساء الأكراد بتعليم جيد، وهم ممثلون تمثيلا جيدا في الأجهزة الإدارية، وهناك حركة سياسية نشطة ومنظمة منذ أواسط القرن الماضي تدعم الديمقراطية والسلام وتنبذ العنف والتطرف وتؤكد على العلمانية.
وكما احترم إقليم كردستان العراق حقوق وخصوصية مكوناته – بغض النظر عن الانتماء الاثني- فإن المجلس الوطني الكردي في روجافا قد اقر بحقوق المكونات الأخرى مثل السريان والآشوريين، والعرب وغيرهم.
وفى الوقت الحاضر، يشهد الداخل السوري تزايد في النفوذ الروسي في مناطق سيطرة النظام، وفي شمال غرب البلاد حيث توجد مناطق كردية مثل عفرين وجبل الأكراد الساحلي، بينما تقع المناطق الكردية الرئيسية الأخرى مثل كوباني وكري سبي (تل ابيض) والجزيرة، في شمال شرق سوريا، تحت النفوذ الأمريكي. والحركة السياسية الكردية غالبا ما تميل إلى التعامل مع أمريكا، لكونها تتمتع بتاريخ ذو مصداقية بين الأكراد. ومع ذلك، فان سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو الأكراد بات يشوبها الغموض وتتعارض مع المبادئ والقيم التي تنادي بها الولايات المتحدة. فقد لاحظنا مؤخرا في موقفها من استفتاء إقليم كردستان العراق حيث وقفت أمريكا على الحياد وكأنها تساوي بين الضحية والجلاد. ومن ثم، فإن الإدارة الأمريكية مطالبة بإثبات مصداقيتها ودعم حق الشعب الكردي في تقرير المصير بكل وضوح وشفافية.
أما روسيا فرغم طرحها “الحكم الذاتي للكرد”، فهي دولة ونظام حكم ليست ديمقراطية بالمعنى الحقيقي، وتتعامل مع سوريا بتسلط حيث مارست العنف والقتل والتدمير بحق الشعب السوري وساندت نظاما مجرما وقاتلا ومبيدا لشعبه.
في المرحلة الراهنة، وكون الإرهاب الداعشي على وشك الانهيار، بات لزاما على المجتمع الدولي وخاصة أمريكا وأوروبا، البحث الجاد عن الحل السياسي في سوريا، فالسوريون وشعبنا الكردي بشكل خاص، عانى كثيرا خلال الأزمة. ونظرا لممارسات سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي بحق الشعب الكردي، من فرض التجنيد بقوة السلاح، وملاحقة واختطاف الشباب، وفرض الإتاوات والعمل على ألغاء الحياة السياسية بالاعتقال والنفي وإحراق ثم إغلاق مكاتب الأحزاب السياسية، التابعة للمجلس الوطني الكردي. كل ذلك أدى إلى اضطرار عدد كبير من الكرد إلى الهروب من روجافا.
أما حزب الاتحاد الديمقراطي ومن يدورون في فلكه يتهربون من الحق القومي الكردي ويطرحون أفكارا وحلولا طوباوية من فلسفة اوجلان، لا تنسجم مع حق الشعوب في تقرير المصير وتتنافى مع طموحات شعبنا الكردي الذي فقد الثقة بالأفكار الإسلامية والاشتراكية.
ورغم انضمام الحركة المجلس الوطني إلى الائتلاف السوري المعارض، الذي اعترف في وثيقة رسمية بالحقوق القومية للشعب الكردي، ألا أن ذلك لم يترجم عمليا. كما أنه بعد ظهور الهيئة العليا للمفاوضات في مؤتمر الرياض، فإن الهيئة تجاهلت الوثيقة المتعلقة بحقوق الشعب الكردي، ولم تعترف سوى بحقوق المواطنة في وثيقة لندن، مما شكل خيبة أمل لدى الكرد وخلق عدم ثقة بالمعارضة. وبعد أن اقتربت نهاية القتال، يشعر الأكراد بقلق كبير نحو مستقبل شعبنا وحقوقه القومية في سوريا الجديدة.
من هنا فإننا نرى أن من مصلحة شعبنا أن يكون لديه منصّة سياسية خاصة به لا سيما وأن الكرد يشكلون كتلة كبيرة، بالمقارنة مع مكونات المعارضة الأخرى.
المنصة الكردية يجب أن تضم الأطراف الكردية التي تؤمن قولا وعملا بالحقوق القومية للشعب الكردي على أساس الفيدرالية لسوريا وإقليم فيدرالي لكردستان سوريا مع ضمان واحترام حقوق المكونات الأخرى. وسعيا لإنجاح الجهود الحالية الرامية إلى توحيد الأكراد، ولضمان حصانة ونجاح إقليم كردستان سوريا، ينبغي وجود قوة مسلحة كردية واحدة، فهناك الألاف من “بيشمركة روج” وهم من كرد سوريا، الموجودة حاليا في كردستان العراق ولها دور هام في محاربة الإرهاب. وهي قوة ذات سجل نظيف وتلتزم بمبادئ حقوق الإنسان وتصون حقوق المدنيين أثناء القتال، وقد ضحت بعشرات الشهداء في دفاعها عن شعب كردستان وتصديها للإرهاب وتأمين عودتهم لكردستان سوريا.
إن سوريا الجديدة لا يمكن ضمان الاستقرار والتنمية والسلام فيها، وضمان عدم عودة الإرهاب والتسلط إليها، ألا إذا أصبحت دولة اتحادية تعددية ديمقراطية علمانية، لأنها تضم مكونات عديدة قومية ودينية ومذهبية، ومن حق كل مكون أن يشغل إقليما فدراليا إذا توفر فيه العنصر البشري والأرض الجغرافية.