مقالات

مشروع قانون وزارة الكهرباء في العراق: ما الصواب وما الخطأ فيه؟

لؤي الخطيب

عانى قطاع الكهرباء في العراق أزمة منذ العام 2003، ولا يزال المواطنون يعانون انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة رغم الإنفاق الحكومي الضخم على الكهرباء على مدى السنوات العشر الماضية. وقد سجل هذا القطاع أداءً سيئاً فلم يوفر الخدمات الأساسية وفرض أعباء مالية ضخمة على الميزانية الاتحادية. وتميز النقص في طاقة التوليد بهدر غير مسبوق وخسائر مفرطة أثناء النقل والتوزيع، وعجز مالي هائل. يُعتبر توفير خدمات الكهرباء ضرورة مطلقة لمستقبل الإقتصاد العراقي ولتحسين رفاهية المواطنين. ومع ذلك، ترافق الطلب المتزايد على الكهرباء، الذي استفاد في أجزاء ليست بصغيرة من الدعم الحكومي الكبير، مع عجز في الميزانية وصل إلى مليارات الدولارات، مما زاد الوضع سوءاً.

أزمة

ألحقت أزمة الكهرباء التي شهدها العراق على مدى عقدٍ من الزمن الضرر الشديد بالقدرة التنافسية لقطاع الصناعة والزراعة العراقي، وفرضت عبئاً اجتماعياً واقتصادياً كبيراً على العراقيين العاديين. واضطر المواطنون الذين أظهروا حاجة ماسة إلى الكهرباء إلى تسديد فواتير هائلة للحصول على الطاقة من المولدات الخاصة باهظة الثمن، لترزح الأسر الأكثر فقراً التي تفتقر إلى الأموال اللازمة لتغطية تكاليف المولدات تحت الظلام لساعات طويلة.

من الواضح أن إعادة هيكلة وزارة الكهرباء وطاقم عملها المؤلف من أكثر من 100 ألف موظف تأخرت كثيراً في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى تحسين الخدمات وتلبية الطلب المستقبلي. وشمل جدول أعمال البرلمان منذ العام 2010 مشروع قانون لإصلاح القطاع ولكن لم يُعتمد حتى الآن. ويعود ذلك جزئياً إلى تعقيدات المسألة وينتح كذلك عن المخاوف من فشل سياسي ذريع آخر لا سيما في ظلّ إمكانية نشوب خلافات بين الكتل البرلمانية المختلفة. ونتيجة لذلك، أصبح مشروع القانون طي النسيان، ومن غير المرجح أن يمرر قبل الإنتخابات البرلمانية المقرر عقدها الشهر المقبل.

قد يطلب مشروع القانون، الذي تمت صياغته بعد عشر سنوات من تأسيس وزارة الطاقة في العام 2004، من الحكومات في المستقبل المضي قدماً لتحرير هذا القطاع. وإذا حدث ذلك، فستكون هذه الخصخصة الأولى لقطاع الكهرباء منذ قرار الحكومة العراقية الأولي بتأميم شركة التنوير والقوة الكهربائية المحدودة لمدينة بغداد في العام 1955. ويحدد المشروع الأدوار الرئيسة الجديدة لوزارة الطاقة، ويركز كذلك على السياسات التنظيمية وغيرها من القضايا مثل الترخيص. ووفقاً للمشروع، سيتم إعادة هيكلة 27 مديرية تابعة للوزارة وتحويلها إلى مؤسسات وخصخصتها في نهاية المطاف. ومع ذلك يجيز المشروع إنشاء كيان تنظيمي مستقل للإشراف على القطاع وضمان تنافسية سوق الكهرباء وفعاليته وشفافيته. يُعد هذا المشروع تنازلاً كبيراً يدل على أن الحكومة قبلت أخيراً منح القطاع الخاص دوراً في إصلاح قطاع الطاقة على الصعيد الإقتصادي كخطوة أساسية نحو معالجة مشاكل القطاع.

أبرز وزير الكهرباء كريم عفتان الجميلي هذا الدور خلال مؤتمر دبي الذي عُقد مؤخراَ لمناقشة الطاقة العراقية. وقد أوجز عدد من المشاريع الاستثمارية التي من شأنها تعزيز قدرة توليد الكهرباء في العراق من 12 ألف ميغاواط حالياً إلى 20 ألف ميغاواط بحلول العام 2015. ووفقاً لعرضه، سيتطلب الأمر استثمارات قد تتخطى 75 مليار دولار. وتتوقع الحكومة أن يرد جزء من هذه الاستثمارات من مستثمري القطاع الخاص. إن تمويل وزارة الطاقة يفرض عبئاً مالياً ثقيلاً على مالية الحكومة: فدعم الوزارة يحتاج إلى مبلغ يقدر بتسعة مليار دولار (6.5 في المئة من الميزانية العامة) سنوياً، مما يعيق الإنفاق على القطاعات الحيوية الأخرى، بما في ذلك الضمان الاجتماعي والسكن والصحة والتعليم.

في حين أن اقتراحات مشروع القانون لإشراك القطاع الخاص تبدو مجدية اقتصادياً، تحتاج الخصخصة الفعالة هيئة كهرباء تنظيمية مستقلة بهدف ضمان سوق عادل وفعال وشفاف. بالإضافة إلى ذلك، ثمة حاجة كذلك إلى استراتيجبة لتأطير عملية التحرير من القيود التي تجمع التدابير العملية القصيرة الأجل لمكافحة النقص والسياسات الطويلة الأمد التي تخطط لضمان حصول المواطنين العراقيين على طاقة كهربائية ثابتة وموثوقة.

يحدد مشروع القانون أن الكيانات التي تملكها الحكومة يجب أن تكون قادرة على تمويل عملياتها في المستقبل. ومع ذلك لا يقدم أي تفاصيل عن الأسلوب الذي سيُعتمد لتنفيذ ذلك. رغم ذلك، سيعتمد نجاح تنفيذ عملية الإصلاح على تلك التفاصيل. قد يتطلب التنفيذ خطوات غير شعبية من الناحية السياسية – ومنها إلغاء الإعانات بشكلٍ تدريجي، وإعادة هيكلة الدوائر الحكومية والإكثار من المُلكية الخاصة. وعلى الأرجح ستحاول الجماعات التي تستفيد من الوضع الراهن عرقلة هذا الإصلاح. يحتاج إصلاح الكهرباء الناجح إلى الارتباط ارتباطاً وثيقاً بالاستراتيجية الوطنية للطاقة المتكاملة في العراق، والتي تتضمن مبادئ التنويع والاستدامة والتنمية الإجتماعية والإقتصادية. وينبغي أن يستند إصلاح مماثل على أدلة قوية وتقييم دقيق لطبيعة طاقة البلاد في المستقبل. من الناحية النظرية، ستجد الكتل البرلمانية السياسية العراقية المختلفة وأصحاب المصلحة الآخرين بسهولة إجماعاً لدعم هذه الإصلاحات التقنية المتفق عليها بصورة متبادلة. في الواقع، ورغم ذلك، قوّضت أطراف متنوعة التوافق لتحقيق مكاسب سياسية من خلال إضعاف دور المؤسسات المستقلة.

اتسع الاستقطاب الشديد الذي شهدته الحياة السياسية العراقية ليتخطى المسائل الأمنية، مما أثر على المناقشات الأساسية التي تتناول التنمية الإقتصادية والإجتماعية. ولمّا كانت الولاءات الطائفية لنواب البرلمان العراقي قد أصبحت أقسى منذ نهاية الاضطرابات المدنية في العام 2008، فمن غير المحتمل أن يحظى أي جهد إصلاحي بإجماع الأغلبية بين مختلف الكتل السياسية. قد تخضع أي جهود من هذا القبيل لمفاوضات شديدة اللهجة بين المشرعين.

علاوة على ذلك، فإن تسييس أزمة الكهرباء على مدى السنوات العديدة الماضية يهدد إشعال أي مناقشة في ما يتعلق بالخصخصة في القطاع العام. فضّل صنّاع السياسات في العراق تحقيق مكاسب قصيرة الأجل لضمان البقاء السياسي على الرؤى طويلة الأمد. خلال السنوات الأربع الماضية، حاول مجلس الوزارء مراراً وتكراراً اتخاذ تدابير اقتصادية، مثل قانون البنى التحتية وقانون النفط والغاز، فقط لكسب المزيد من الوقت في البرلمان بسبب عدم الإستقرار السياسي، والإفتقار إلى توافق في الآراء، وتعقيدات صناعة الصفقات. تظهر القضايا المحيطة بالصراع السياسي المستمر أحياناً على الملأ أمام العامة، كما حصل في يونيو 2010، عندما قدم وزير الكهرباء السابق كريم وحيد استقالته بعد تزايد الغضب الشعبي. وكان خلفه، رعد شلال العاني، قد أقيل في وقتٍ لاحق من منصبه على خلفية صفقات غير نظامية واتهامات بالفساد.

حتى لو ضَمِن مجلس الوزراء والبرلمان الاتفاق على اعتماد التشريع الجديد المقترح، أعاقت الصعوبات البيروقراطية في الماضي التنفيذ بسبب المقاومة التي أظهرتها هياكل الإدارات الحكومية الهرمية بقوة وطبيعة التشريعات العراقية. عادةً تتطلب الأطر القانونية، كمشروع قانون الكهرباء على سبيل المثال، المزيد من التشريعات التنفيذية من أجل إجراء تغييرات عملية على أرض الواقع، وتوفير فرصة أخرى للمناقشات السياسية بين الوزارة ومجلس الوزراء والبرلمان. لذلك يتعين على أي إصلاح حقيقي أن يدير تحدي المصالح السياسية والإقتصادية المتنافسة.

التخطيط الطويل الأجل

لا بدّ من رسم الخطوط العريضة لخطةٍ مماثلة في إطارٍ تشريعي وتنظيمي شاملٍ مع إعداد مؤسسي كافي. يحتاج المشرعون إلى تحديد أهداف السياسة المتوسطة إلى طويلة الأجل بالإضافة إلى وسائل التنفيذ، مع الأخذ بعين الاعتبار الإحتياجات المستقبلية في مختلف قطاعات الإقتصاد. وينبغي وضع هذه الإستراتيجية من خلال عملية التشاور مع مختلف المساهمين الرئيسين، بما في ذلك مجلس الوزراء واللجان البرلمانية ومجالس المحافظات والخبراء، مع مُهلٍ زمنيةٍ واضحة لمناقشتها وتنفيذها.

تؤكد تجارب الدول النامية الرئيسة في إصلاح قطاع الكهرباء أن الحكومات ذات المؤسسات الضعيفة تميل إلى امتلاك سجلات تنفيذ سيئة، رغم جداول العمل الطموحة الرامية إلى الإصلاح. في العراق، لا يُعتبر تحديد المتطلبات التقنية لإصلاح الكهرباء بداية الحل – إلا أن مشروع القانون لم يأتي حتى على ذكر هذه الخيارات التقنية المختلفة لإصلاح الكهرباء في شكلٍ واضح. تتطلب عملية ترجمة الخطط الفنية إلى تدابير مقبولة سياسياً اتفاقاً حول الأهداف الإستراتيجية العامة للإصلاح.

يحتاج حلٌ واقعي طويل الأجل لمشكلة الكهرباء في العراق إلى دمج المخاوف السياسية وتوقعات الأطراف المعنية المختلفة. رغم هذه الصعوبات الواضحة، ثمة علامات مشجعة لدعم جهود الإصلاح.

أولاً، تبدي نسبة عالية نسبياً من السكان استعدادها لتسديد ثمن أعلى لقاء الحصول على الكهرباء – على أن تتحسن نوعية الخدمة مع هذا الارتفاع. رغم أن مشروع القانون يبدو مُبهماً في ما يتعلق بامتداد الفواتير لتشمل الأسر ذات الدخل المنخفض، التي تمثل 20 – 25 في المئة من السكان، يحمل هذا الأمر في طياته علامة مشجعة للتخلص التدريجي من الدعم الثقيل الراهن.

ثانياً، يُعتبر توقيت مراحل إصلاح الكهرباء أمراً بالغ الأهمية، وخصوصاً عندما يُصار إلى مناقشة قضايا الخصخصة وزيادة الأسعار. يمتد الإطار الزمني لإصلاح القطاع الشامل عادة على فترات طويلة تترواح ما بين خمسة وعشرة أعوام، ويستغرق عادة فترةً أطول في الشرق الأوسط. تتجسد أهم الأولويات السياسية في قطاع الكهرباء في إعادة التوازن إلى هيكلية الرسوم المالية، وإعادة تنظيم الأسعار مع التكاليف الأساسية على مدى الفترة المقبلة الممتدة على مدى 10 إلى 15 سنة. سيساهم ذلك جزئياً في استعادة كفاءة الإيرادات وسيولد أموال داخلية للاستثمار الرأسمالي، بينما يعمل على القضاء على الإعانات الموجهة توجيهاً سيئاً وغير المنصفة.

ثانياً، يُعتبر توقيت مراحل إصلاح الكهرباء أمراً بالغ الأهمية، وخصوصاً عندما يُصار إلى مناقشة قضايا الخصخصة وزيادة الأسعار. يمتد الإطار الزمني لإصلاح القطاع الشامل عادة على فترات طويلة تترواح ما بين خمسة وعشرة أعوام، ويستغرق عادة فترةً أطول في الشرق الأوسط. تتجسد أهم الأولويات السياسية في قطاع الكهرباء في إعادة التوازن إلى هيكلية الرسوم المالية، وإعادة تنظيم الأسعار مع التكاليف الأساسية على مدى الفترة المقبلة الممتدة على مدى 10 إلى 15 سنة. سيساهم ذلك جزئياً في استعادة كفاءة الإيرادات وسيولد أموال داخلية للاستثمار الرأسمالي، بينما يعمل على القضاء على الإعانات الموجهة توجيهاً سيئاً وغير المنصفة.

يدعو مشروع القانون ضمنياً إلى إجراء إصلاحات تدريجية، مماثلة لتلك التي تم تنفيذها بنجاحٍ في الدول ذات النظم الكهربائية الناضجة بدعمٍ كامل من بالدعم الكامل من أنظمة مؤسسية فعّالة. ومع ذلك، قد لا يكون اتباع نهجٍ تدريجي لإصلاح الكهرباء الحلّ الصحيح لبلد يعاني أصلاً من نقصٍ شديدٍ في الطاقة، ويرزح تحت تأثير ضعف كفاءة التشغيل فضلاً عن سوء الإدارة والمعاناة من الخسائر التقنية وغير التقنية العالية. في مواجهة مشاكل الأداء الشديدة المماثلة وسوء الإدارة الخطير في القطاع، قد تشكل إصلاحات بعيدة المدى تقوم على الخيارات الهيكلية الراديكالية استجابة حساسة وحتى مُحافِظة لأزمة الكهرباء في العراق.