مقالات

مقارنة تاريخية بين أهم مؤتمرين

 
فارس بن حزام
 
 
في مطلع كانون الثاني (يناير) 1979، اجتمع قادة أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا في جزيرة غوادالوب الفرنسية، لبحث مستقبل النظام في إيران عندما اجتاحته الاحتجاجات وشلته الإضرابات. التقط الشاه إشارة الاجتماع، وعرف أن الغرب رفع الغطاء عنه، فركب طائرته وغادر البلاد.
 
 
العاصمة البولندية وارسو تحتضن غداً الأربعاء اجتماعاً يشابه اجتماع غوادالوب بكثير من التفاصيل، وسيختلف بالنتائج. وواشنطن بعثت رسالة إلى موسكو، سند طهران أممياً، باختيار وارسو، فقد كانت منصتها ضد الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، وفيها أنشئ «حلف وارسو» عام 1955 ضد «حلف الناتو» المشكل عام 1949. سقطت الشيوعية، فانتقلت بولندا عام 1999 من ضفة إلى أخرى؛ من موسكو إلى واشنطن، فصارت منصة غربية ضد الشيوعية السياسية.
 
الواقعيون يعرفون أن الاجتماع لن يدفع خامنئي لركوب طائرة الشاه، لاختلاف الظروف، فأهداف المجتمعين في 2019 دون مستوى أهداف 1979، والحال اليوم أقل خطراً على النظام من حالها أخر ليال الشاه.
 
اختار المجتمعون توقيتاً يذكر الملالي بالاجتماع السابق مع ذكرى أربعينية سيطرة الخميني، مع ملاحظة أولى الفوارق أن مظاهرات 1979 كانت أشد وطأة على النظام، وأكثر تنظيماً واتحاداً بين معارضي الحكم.
 
أما ثاني الفوارق، فكانت بوجود فريقين، مثلت الولايات المتحدة الأول، وبريطانيا وألمانيا وفرنسا الثاني، وحينها كان المزاج الأوروبي دافعاً كبيراً للرئيس الأميركي جيمي كارتر لإزاحة الشاه، وفي 2019 نجد أن هذا المزاج متحفظ جداً تجاه كل خطوات الرئيس الحالي ترامب لإحداث أي تغير في النظام.
 
وثالث الفوارق تمثل في طبيعة اجتماع وارسو عن اجتماع غوادالوب، فالحالي بعنوان: «مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط»، بحضور العشرات من وزراء الخارجية، ولإيران حصة الأسد، أما السابق فخصص لمستقبل طهران واقتصر على القادة الأربعة.
 
ورابع الفوارق، وهي الأهم، فعن المطلوب تجاه إيران. اجتماع بولندا ليس عن النظام الإيراني بل ميليشياته؛ في لبنان والعراق وسورية واليمن، أي ضبط سلوك إيران في المنطقة. بينما هدف اجتماع غوادالوب لترتيب إيران بعد الشاه. فالسابق عن إيران الداخل، والحالي عن إيران الخارج. ومن الواضح أن القوى الغربية لا تريد تكرار خطأ 1979. ففي ذلك اللقاء، غلبت الحيرة المجتمعين، وجدوا أمامهم طرفين منظمين؛ الحوزات والشيوعيون، وكان قلقهم الكبير من سيطرة الشيوعيين، وبالتالي تمدد الاتحاد السوفياتي وبلوغه المياه الدافئة، ونتيجة خطأهم الفادح لم تتأخر في الظهور، عندما ظنوا أنهم اختاروا السيء عوضاً عن الأسوأ. ولذا نجدهم اليوم يسعون إلى ضبط سلوك النظام وليس إطاحته، خوفاً من المجهول، الذي سيخيم على البلاد والمنطقة.

admin