مقالات

نعم الوقت مناسب للإقدام علی إعلان دولة كوردستان

د.سامان سوراني

في الدستور الألماني جملة عظیمة تختصر سبب إصرار الكوردستانیین علی إستقلالهم و سعیهم الحثیث لبناء دولتهم، تقول: “كرامة الإنسان لا یجوز المساس بها وبإحرامها وصونها تلتزم جمیع السلطات في الدولة”.

هذه الجملة نابعة من إیمان الشعب الألماني بأن للإنسان حقوقاً لایجوز إنتهاکها وهي قاعدة أساسیة لتعایش البشر في كل مجتمع وللسلام والعدالة في العالم.

ما نشهده الیوم من قبل السلطة التشریعیة والتنفیذیة في بغداد من تهدیدات مستمرة وممارسات و إجراءات غیر دستوریة وما نسمعه من ضغوطات شفهیة غیر منطقیة من قبل دول إقلیمیة ودولیة ليَنْكُص شعب كوردستان من حقوقه دلیل علی عدم إحترام تلك الجهات والدول لكرامة الإنسان وعدم إهتمامهم بصون السلام والعدالة.

الإرادة في العیش بالمعیة أو بمشاركة الغیر و المساهمة في تدبیر الحیاة بشکل طوعي هي الدعامة الأساسیة للدولة التي تتحقق فیها شروط المواطنة الحقة.

أین دولة العراق من كل هذا، أین هو ضمان الأمن الإنساني للمواطنین وفق مبدأ الحریة؟

الوجود بالمعیة یبقی ناقصاً ما لم تتحقق الحریة، لأن الحریة هي الخاصیة الجوهریة التي تجعل من وجود الإنسان مع الآخر متکافئاً و ندیاً.

أین القدرة والشجاعة علی دفع المواطن لإستخدام العقل للتخلص من العجز والخروج عن قصوره؟

ماالنفع من إرضاء حکومة بغداد، التي تلعب علی أوتار الطائفیة و معاقبة أكثر من خمسة ملایین إنسان؟

منذ اجتماع عُقد فى مدينة مونتيفديو فى الأوروجواى عام 1933 على ضرورة توافر ثلاثة شروط فى الدول التى تعلن استقلالها وتناشد المجتمع الدولي الاعتراف بها: أن يكون هناك شعب وأن يكون هناك إقليم وأن تكون هناك سلطة حكومية تمارس السيادة ولها صلاحيات فى إبرام اتفاقيات مع الدول الأخری، هذه الشروط الثلاثة متوفرة لدی كوردستان.

إذا انتقلنا إلى الموقف الحالي نجد أن القیادة الكوردستانیة يتم الضغط عليها بقوة للدخول فى مفاوضات مباشرة مع بغداد دون أى مرجعية تحفظ حقوقها، ولکن موقف القیادة الكوردستانیة واضح من هذا، فهي على أتم الاستعداد للتفاوض المباشر مع بغداد حول الحدود والأمن ومستقبل العلاقات بینهما بشرط أن تحترم بغداد نتائج الإستفتاء. من هذا المنطلق تؤكد القیادة الكوردستانیة علی أن الإستفتاء لیس لترسیم الحدود وفرض الأمر الواقع، بل للإستمرار في الحفاظ علی الإستقرار والأمن في المنطقة.

كوردستان تحتضن علی أرضها إرثاً حضارياً يعود الى آلاف السنين، تملك مجتمع متعدّد الأديان والثقافات، تدعم العلم والفنون والدیمقراطیة والحوار، شعبها یرید أن یشكّل تجربة انسانية كبيرة وناجحة في بناء الدولة لتکون النموذج الأكثر ضرورة الآن لشعوب منطقتنا، التي تشهد اليوم أبشع أشكال العنف والدمار، یرید أن تكون دولته جسراً ثقافياً بين الشعوب والحضارات، لذا ننتظر من جميع منظمات المجتمع المدني المحلي والعالمي إبداء موقف مناهض للضغوط الإقلیمیة والدولية، التي تمارس من أجل کسر إرادة الشعب الكوردستاني في حق تقرير المصیر.

إن إعلان استقلال دولة كوردستان سوف يكون بمثابة شبكة أمان Safety net لحماية الحق الكوردستاني من غلواء تسويفات بغداد وإضاعة الوقت والتوسع في الطائفیة، كما أن إعلان الدولة سوف يقضى على دعاوى المتكررة من قبل البعض في بغداد بأن الأراضي الكوردستانیة المحررة هي أراض متنازع عليها لا تنتمي إلى أية دولة كوردستان.

نعم نحن نری بأن الآن الوقت المناسب للإقدام على هذه الخطوة التاريخية وشخصیاً أری أنه إذا كان لابد من دخول القیادة الكوردستانیة فى مفاوضات مع بغداد فيجب أن يسبق ذلك إعلان قيام دولة كوردستان.

وختاماً: شعب كوردستان لا يعیش في كهوف التاریخ و سرادیب الماضي، بل یقیم في العالم بفضاءاته و أمكنته ومسارحه ومنصاته ومنابره، ومع الدخول في العصر الرقمي و ظهور الفاعل البشري الجدید لاشيء أسمه مستحیل.