مقالات

هل يواجه الاردن مؤامرة حقيقية ؟

جهاد المومني
مجامل او ساذج من يتجاهل الأوضاع الصعبة والتحديات الجدية التي يواجهها الاردن سياسيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا بطبيعة الحال،ما خفي من هذه التحديات وما ظهر ،وفي الحالتين هي تحديات حقيقية لا يمكن تجاهلها ،بعضها اصبح معروفا وملموسا وبعضها الآخر لا زال غامضا لم يعاني منه الاردنيون حتى الآن،اما ما يتعامل معه الاردنيون منها في هذه المرحلة فيراوح مستوى الأخطار التي تحتاج الى اجراءات حازمة وفورية لمواجهتها او التعامل معها او حتى مجرد السماح بعبورها بأقل قدر من الخسائر .
في الماضي كان الاردن يواجه التحديات مجزأة لا دفعة واحدة ،حتى في زمن حصار العراق وحصارنا بعد حرب 1991 واجه الاردن حربا اقتصادية لكنها تزامنت مع قبول شعبي لنتائج الحصار الذي فرض على الاردن كجزء من هذه الحرب وقد فرض علينا عقابا على قرارات سياسية شعبية -والاهم من ذلك انها قرارات صائبة – اتخذتها الدولة الاردنية رغم معرفتها بكلفتها الكبيرة،ومع ذلك جازفت باتخاذها في سبيل حشد الداخل بوجه المخطط التالي الذي حدد مسار القضية الفلسطينية بعد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط ،فالدولة التي حصدت شعبية جارفة جراء موقفها من حرب تدمير العراق احتفظت برصيد كاف من هذه الشعبية لحماية معاهدة السلام مع اسرائيل عام 1994 لعدة سنوات قادمة ،فدخلت الالفية الثالثة مدعمة ببقايا شعبية الموقف من حرب الخليج الاولى.
اليوم لا تبدو التحديات شبيهة بما كانت عليه في السابق ،فبينما المواقف السياسية شعبية وصائبة الى حد كبير خاصة ما تعلق منها بالموقف من القدس والقضية الفلسطينية وسوريا والعراق والحرب على الارهاب، الا ان تحويل هذه المواقف الى رصيد من الشعبية يشفع للحكومات لا تبدو مهمة سهلة او ممكنة بسبب غياب المكاشفة وعدم التحدث الى الناس ثم ضعف الروافع الاعلامية الداخلية المعنية باضاءة المشهد للاردنيين ووضعهم امام الحقائق لا خلفها كي يتسنى توجيه المشاعر داخليا نحو حشد جديد يشكل خط الدفاع الاول عن الكيان الوطني المهدد في بقائه لاول مرة منذ الاستقلال .
في السابق قيل الكثير عن مؤامرة (الوطن البديل) لحل القضية الفلسطينية في الاردن ،وعندما كان هذا المخطط يواجه بعناد شعبي كان الصداحون له يتراجعون حتى لو بدا الموقف الرسمي مائعا ومطواعا او هشا يكتفي برفض المشروع دون العمل لمواجهته في المستقبل ،وها هو المستقبل قد حل والاردن من داخله مأزوم بمشاعر شعبية مشحونة بغضا وتؤمن ان العدو الاول لها في هذه المرحلة هي الحكومات التي تسلطت على قوت الشعب بالضرائب والاقتطاعات وبالفساد والتهميش والاقصاء والظلم ..الخ ،حل المستقبل وليس بين ايدي الاردنيين من قوة لمواجهة المشروع الاخطر على مستقبلهم وهو (النظام البديل ) ،والاخطر من هذا كله ان المؤامرة على النظام فاجأت الاردنيين قبل أنه يدركوا حجم المخطط وابعاده واهدافه ،وكل ما يعرفونه ببساطة ان بعض العرب هذه المرة انظموا الى جوقة المطبلين للمشروعين معا ( الوطن البديل والنظام البديل ) او ايهما اسهل ..!
في العام 1991 كان الاردني، اي اردني ،يعرف بالضبط ماذا يحدث في العراق وفي منطقة الخليج العربي وما هي اهداف الحملة الغربية على المنطقة ،او انه كان يعرف بالحد الأدنى ان الحملة هدفت الى تدمير العراق كقوة عسكرية ثم رهن نفط العرب للغرب لمئة عام قادمة ،ثم اجبار عرب المواجهه على اتفاقيات سلام مع اسرائيل ،وقد تحققت الاهداف الثلاثة كاملة ، لكن ما الذي يعرفه الاردني الان عن المخطط الجديد الذي بدأ يلوح في الافق على شكل ضغوطات ومؤامرات صغيرة وتسريبات اعلامية وغيرها من المقدمات التي تسبق العاصفة عادة ؟
يعرف الاردني القليل بكل تأكيد ،لكنه مع ذلك يحشد لمعركة قادمة لا يعرف تفاصيلها ولا دوره فيها ،فمثلا هل عليه ان يجوع كي يتحقق النصر ام ان عليه ان يتوقف عن التذمر والشكوى ويؤجل الحديث عن الفساد وان يقبل بالامر الواقع كي ينجو ،ان هذه الحيرة تجعله غير مؤهل للانتصار في معركته وحسم نتيجتها لصالحه كما حدث بعد حصار 1991 ،خاصة وانه ما زال يعتقد ان المؤامرة التي يواجهها كمواطن مسؤول عن عائلته تتلخص في انه يتعرض للتجويع من قبل الحكومة الاردنية وليس من قوى خارجية كي يقبل بالمؤامرة مدفوعة الثمن ،اي انه في الواقع يرى الحكومات خصما لا شريكا له في معركته ،ولذلك فالفرق كبير بين ما حدث عام 1991 والموقف اليوم .
لا توجد حكومة في العالم لا تبرر للشعب اجراءات اساسية تمس حياته اليومية كفرض الضرائب ورفع الدعم عن السلع الاساسية اذا كانت تريد الشعب الى جانبها في مواجهة مؤامرة خارجية ،فالاساس ان يعرف الاردني لماذا عليه ان يقبل برفع الاسعار وفرض الضرائب كحل وحيد لمواجهة عجز الموازنة بينما تتجاهل الحكومات موارد اخرى كالتهرب الضريبي واموال الفساد وتصاريح العمل وغيرها من الايرادات المعدمة التي لا تكاد تذكر في وثائق الحكومة ومراسلاتها وقراراتها ، والاساس ان يعرف المواطن الاردني حقائق ما يدبر لبلده والا تكتفي الجهات المعنية والاشخاص المعنيون بخطابات وعناوين فضفاضة غير مفهومة عن المتغيرات في علاقات الاردن مع الدول التي عرفت دائما بانها حليفة او صديقة او داعمة ،فمثلا ،هل صحيح ان العلاقات الاردنية السعودية تمر بازمة صامتة محورها الاساسي منافسة محتدمة على الوصاية على المقدسات في مدينة القدس ،وهل صحيح ان ادارة الرئيس ترامب قد تتخلى عن دعم النظام الهاشمي في الاردن اذا ما تعرض لمؤامرة خارجية كما تقول بعض الصحافة الغربية ،وهل صحيح ايضا ان اسرائيل التي وقفت الى جانب النظام الهاشمي في السابق دخلت الىن منطقة التآمر على الاردن وبالتحديد على حكم جلالة الملك عبد الله الثاني لأن مواقفه تزعجها وتعيق مخططاتها ولا يقبل بمشروعها المشترك مع دول عربية برعاية الولايات المتحدة لحل القضية الفلسطينية مناصفة بين الاردن مصر (غزة لمصر وما تبقى من الضفة الغربية للأردن ) ؟ وسواء صدقت التكهنات التي جعلت من هذه الاسئلة مشروعة ومستعجلة ام كذبت ، فان الاردني مستعد لمواجهة نتائجها مهما بلغت ،لانه يقبل عن طيب خاطر بتحمل الاوضاع الصعبة واسوأ ظروفها اذا لحقت به وببلده كعقوبة على سلامة وصوابية موقف الدولة الاردنية ،والاردني اليوم يؤمن بصحة الموقف الاردني من قضية القدس ولا يقبل بأي حال من الاحوال بمشروع سياسي تسووي يستهدف القضية الفلسطينية لا يقبل به الفلسطينيون ،والاردني مستعد لقبول المتغيرات الطارئة على تحالفات الاردن والاتجاه شمالا وشرقا اذا كان الثمن درء مؤامرة تستهدف نظامه الهاشمي الذي هو محل اجماع الاردنيين ،وفوق هذا كله يقبل الاردني ان يغض النظر عن الفساد والظلم والتهميش والاقصاء مرحليا اذا كان عليه ان يتجه بمعارضته وجهوده نحو معركة أخرى يفرضها عليه خصوم الاردن واعداءه من الخارج .
المهم الآن ان يعرف الاردني حجم وماهية المؤامرة التي عليه الاستعداد لها ثم خوضها ،ومن المهم ان يعرف مصدرها والمتواطئين فيها عربا كانوا ام غيرهم ،وبعد ذلك يتوجب على الحكومات التي تكتفي حتى الآن بالاستعداد عن طريق التوفير ووضع الدينار في خزانة آمنه ،ان تشرع بحملة توضيح صريحة تحدد فيها اسباب جنوحها نحو اتخاذ أسوأ القرارات واقلها شعبية ، فلماذا فرض المزيد من الضرائب ،ولماذا رفع الدعم عن السلع الاساسية ،ولماذا ترتفع اسعار المحروقات في الاردن عندما تنخفض عالميا ،هل صحيح ان الاردن يواجه او ربما سيواجه انقطاع المساعدات المالية القادمة من دول الخليج العربي او انه عليه ان يرسل جيشا لمحاربة الحوثيين في اليمن ،ام انه يعاقب على عدم سماحه للتنظيمات الارهابية (داعش والنصرة ) بالانتصار في حرب الجنوب السوري تمهيدا لاقتحام دمشق ،من الذي لم يعجبه الموقف الاردني الذي انتهى الى اتفاق مع روسيا لانشاء مناطق خفض التوتر في جنوب سوريا تحديدا ،هل ازعج التقارب الاردني الروسي فيما يخص الملف السوري الحلفاء في واشنطن وبعض العواصم العربية ،ام ان واشنطن غاضبة اصلا لأن الملك عبد الله رفض صفقة القرن وفضح بنودها العلنية والسرية ما دامت اعدت لتكون على حسابه وحساب القضية الفلسطينية !؟
كل هذه مجرد اقاويل تتناقلها وسائل الاعلام العالمية ويتناولها المحللون في كتاباتهم وتحليلاتهم ،لكنها على ارض الواقع تترك ظلالا من القلق بالنظر الى معطيات جديدة من التحالفات او محاولات انشاء تحالفات كيدية ،فالاردن الرسمي اوعز للأردن الشعبي فتح منفذ مع الايرانيين عبر مجلس النواب ومن خلال بعض الكتاب والسياسيين المقبولين ايرانيا ،واتجه الاردن سياسيا الى لندن وباريس وبعض العواصم الاوروبية للبحث عن مشورة تساعد في تخطي الموقف الاميركي المتهور،اما بالنسبة لاسرائيل فقد بدأ الاردن يستنهض اصدقاء السلام هناك من ناشطين وحزبيين واعضاء كنيست وقادة عسكريين سابقين ووزراء معتدلين للتأثير على حكومة نتنياهو وقطع الطريق على مخطط سافر نصفه عربي ،ولم يتجاهل الاردن في حراكه هذا العامل الاميركي المؤثر في اسرائيل من خلال اللوبيات اليهودية واعضاء كونغرس وسياسيين سابقين وحاليين مؤثرين اصدقاء للأردن .