مقالات

وليد خدوري

 
ازدياد نسبة الغاز المسال في الاستهلاك العالمي
 
اضطلعت صناعة الغاز المسال بدور ثانوي في قطاع الطاقة العالمي حتى مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، إذ كان استهلاك الغاز الطبيعي لا يزال ضئيلاً. وفي بادئ الأمر هيمنت شبكات التصدير في الأنابيب على تجارة الغاز، وتحديداً من حقول سيبيريا الغربية إلى الدول الأوروبية منذ عقد الثمانينات، وشبكة أنابيب الغاز في الولايات المتحدة. لكن صناعة الغاز المسال توسعت منذ نهاية القرن العشرين، من خلال العقود الفورية أو القصيرة المدى (سنتان أو ثلاث)، بدلاً من عقود طويلة تمتد إلى عقدين من الزمن أو أكثر، مع أسعار محددة طيلة الفترة المتفق عليها من دون إمكان تغييرها، وتقليص النفقات من خلال تشييد مصانع التسييل والناقلات المتخصصة الضخمة، والاستهلاك المتزايد للغاز خصوصاً في توليد الكهرباء، بحيث ساعدت كل هذه العوامل من الطلب والإمدادات في توسع صناعة تسييل الغاز.
 
وفي ضوء تزايد استهلاك الغاز عالمياً وصعوبة نقله في الأنابيب عبر دول متباعدة، لما يترتب على ذلك من اتفاقات ورسوم عبور وخلافات سياسية قد تعرقل التصدير، أخذ الاهتمام بصناعة التسييل يتزايد بسرعة. إذ نمت صناعة الغاز المسال في الدول العربية، نظراً إلى صعوبة التصدير في الأنابيب إلى الأسواق (شرق آسيا وأوروبا والولايات المتحدة)، وهي قائمة في قطر والإمارات وسلطنة عمان واليمن ومصر وليبيا والجزائر. واتجه الجزء الأكبر من الصادرات إلى الأسواق الآسيوية ومن ثم إلى أوروبا، والجزء القليل منها إلى الولايات المتحدة. لكن لم تنمُ تجارة الغاز بين الدول العربية في شكل وافٍ حتى الآن، لا عن طريق الأنابيب أو الغاز المسال، على رغم ازدياد أهمية الغاز في قطاع الطاقة العربي.
 
ويفيد تقرير «الغاز المسال لعام 2018» الصادر عن شركة «شل»، بأن تجارة الغاز المسال العالمية، ازدادت من 100 مليون طن سنوياً في بداية الألفية إلى نحو 300 مليون طن في 2017. كما ارتفع حجم تجارة الغاز المسال نحو 29 مليون طن في 2017. واستوردت الدول الآسيوية الصناعية الخمس (الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، فورموزا والهند) نحو 195 مليون طن في 2017.
 
وتتوقع «شل» في تقريرها السنوي، أن يزيد الطلب العالمي على الطاقة نحو 30 في المئة بين عامي 2015 و2035 ، وأن يشكل الغاز نحو 40 في المئة من هذه الزيادة الطاقوية. وهذا يعني ازدياد حصة الغاز في سلة الطاقة العالمية في العقود المقبلة، في مقابل انخفاض الزيادة في نسبة النفط. ولم تستبعد أن يشكل الغاز المسال في هذه الفترة المستقبلية «أعلى مصدر لإمدادات الغاز العالمية».
 
وتقلصت كثيراً الاستثمارات لتشييد مصانع تسييل الغاز خصوصاً عامي 2016 و2017، نظراً إلى تدهور أسعار النفط. إذ نُفّذت استثمارات خلال هذين العامين، لرفع الطاقة الإنتاجية بنحو 30 مليون طن سنوياً، أو ما يعادل انخفاضاً استثمارياً في مصانع جديدة بنسبة 80 في المئة بين عامي 2011- 2015. لقد أثار هذا التراجع الاستثماري في طاقة جديدة للغاز المسال أسئلة، حول ما إذا كان الطلب على الغاز سينخفض، وانعكاسات ذلك على سعره؟.
 
ربما يشكل هذا التدني جزءاً من الدورة الاقتصادية للصناعة، إذ تتقلّص الاستثمارات بعد ارتفاعها العالي والسريع. كما يمكن أن يعود السبب إلى الزيادة العالية في النفقات، مقارنة بتدهور أسعار الغاز. إذ ترتبط معدلات أسعار الغاز بمستويات أسعار النفط الخام. وتدهورت هذه الأخيرة بنسبة نحو 70 في المئة خلال عامي 2014- 2016، ما أفضى إلى انخفاض أسعار الغاز لمستويات دنيا، مقارنة بما كانت عليه مطلع هذا العقد. إذ هبطت أسعار الغاز في أوروبا مثلاً، من نحو 12 دولاراً لمليون وحدة حرارية بريطانية و14 دولاراً، قبل تدهور أسعار النفط في 2014 ، إلى ما بين 4 إلى 6 دولارات حالياً.
 
في المقابل، تتأثر صناعة الغاز المسال بعوامل أخرى، قد يؤدي بعضها إلى رفع الأسعار، وقد صعدت الأسعار فعلاً ولو في شكل طفيف خلال الأسابيع الماضية، نتيجة العواصف السيبيرية في أوروبا والبرد القارس في أميركا الشمالية، ما زاد الطلب على الغاز للحصول على التدفئة اللازمة، ومن ثم ارتفاع الأسعار في أوروبا والولايات المتحدة.
 
ويزداد الطلب أيضاً نظراً إلى انخفاض حجم ثاني أوكسيد الكربون في الغاز، مقارنة ببقية الوقود الأحفوري. كما أن هناك الاعتماد المتزايد على الغاز في توليد الكهرباء بدلاً من المنتجات البترولية. كل هذه العوامل تشجع على زيادة الطلب ومن ثم ارتفاع قيمة الاستثمارات.
 
تدور مفاوضات بين عدد من الأطراف المستوردين والمصدرين للغاز المسال، لاستعمال معادلات جديدة لتحديد سعره، بمعنى قطع الصلة المستمرة حتى الآن في ربط سعر الغاز بالنفط. إذ يدعو بعض المستوردين إلى اتباع المعادلة السعرية في الولايات المتحدة، حيث يُربط سعر الغاز بقيمة بدائل الغاز ذاته. الأمر الذي أوجد أقل أسعار الغاز عالمياً في الولايات المتحدة.
 
طبعاً، تحاول الدول المصدرة للغاز تعطيل هذه المحاولات أو تجميدها، في مفاوضاتها مع المستوردين. لكن ازدياد حجم الإمدادات العالمية، بدءاً من تصدير الغاز الصخري الأميركي ومن ثم توقع زيادة ضخمة من الغاز المسال الأسترالي، ومن الحقول البحرية المكتشفة حديثاً في شرق أفريقيا، بحيث أدى تزايد توسع الطاقات الإنتاجية للتصدير إلى دعم موقف المستوردين.
 
بات الغاز مصدر الوقود المفضل عند المستهلكين، نظراً إلى خصائص الغاز الطبيعي، الذي ينبثق عنه كميات أقل من ثاني أوكسيد الكربون عن بقية المصادر الهيدروكربونية، ومن ثم أكثر صداقة للبيئة من النفط والفحم. فقد أصبح هذا المصدر الطاقوي مفضلاً في الاستهلاك وتحديداً في توليد الكهرباء. ويُعتبر الغاز جسراً بين النفط وبدائل الطاقة المستدامة. بمعنى استعماله خلال المرحلة الانتقالية المعتمدة على النفط، إلى حين الانتقال تدريجاً إلى مصادر الطاقة المستدامة، التي لا تزال في مراحلها التجريبية.

admin