عالمية

حجاب أميني يحرّر الإيرانيات: “طنجرة الضغط انفجرت”

25-09-2022 | 06:00 المصدر: النهار العربي

غوى خيرالله

متظاهرة تحمل صورة مهسا أميني احتجاجا على وفاتها في شارع الاستقلال في اسطنبول (أ ف ب)

متظاهرة تحمل صورة مهسا أميني احتجاجا على وفاتها في شارع الاستقلال في اسطنبول (أ ف ب)

لم تكن مهسا أميني، الشابة الايرانية البالغة من العمر 22 عاماً، تعلم أنّ رحلتها الى طهران آتية من إقليم كردستان لتستمتع بالخريف المعتدل، سيكون بلا رجعة. فما أن وصلت إلى العاصمة في 13 أيلول (سبتمبر) حتى ألقت “شرطة الاخلاق” القبض عليها في منتصف الشارع لتتوفى بعد أيام نتيجة التعذيب. وبالتأكيد، لم يخطر ببال تلك الشابة أيضاً أن “حجابها غير المناسب” بمقاييس شرطة الأخلاق، سيحوّلها أيقونة وسيشكل شرارة انتفاضة تعم البلاد.  عموماً، تتمثل مهمة هذه الشرطة في تعقب النساء الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب “الذي لا يلتزم المعايير” أو المعاطف القصيرة. وفي بداية كل ربيع، عندما ترتفع درجات الحرارة وتخفف النساء ملابسهن، تنشط دوريات هذه الشرطة في المدن الرئيسية في البلاد لتذكير الإيرانيات بأحد ركائز الجمهورية الإسلامية، قبل أن ينحسر نشاطها عادة في أواخر الخريف. hxأصبح ارتداء الحجاب إلزامياً في إيران منذ ثورة 1979، بينما لم يكن هذا هو الحال  في عهد الشاه. ومذذاك صار مفروضاً على كل امرأة تغطية شعرها بالحجاب وإخفاء ذراعيها ورجليها تحت معطف فضفاض. ومع ذلك، أصبحت النساء يرتدين الحجاب بطريقة تظهر خصل الشعر، أو حتى وصل الأمر ببعض الايرانيات إلى وضعه على أكتافهن.  وظهرت في السنوات الأخيرة حركة متنامية مناهضة لقوانين الحجاب الإلزامي، حيث أظهرت النساء والفتيات شجاعتهن في أنشطة أعربن فيها عن تحديهن لهذه القوانين. وانتشرت صور لايرانيات يقفن في أماكن عامة ويلوّحن بأغطية رؤوسهن التي يرفعنها على رؤوس العصي بصمت، أو ينشرن أشرطة فيديو يظهرن فيها وهن يمشين في الشارع ويظهرن شعرهن. وانضم إلى هذه الحركة رجال أيضاً. كما انضمت إليها نساء يرتدين الحجاب بمحض إرادتهن- نظراً لأن الحركة تعنى في الأساس الحق في الاختيار، أي حق المرأة في أن تختار ما ترتدي دون مضايقات أو عنف أو تهديدات أو سجن.  


ولكن هذه الحركة وزخمها أخافت السلطات الإيرانية كثيراً، التي لجأت إلى شن حملة قمعية شرسة للرد عليها. فمنذ كانون الثاني (يناير)  2018، ألقت القبض على ما لا يقل عن 48 من المدافعين عن حقوق المرأة، بمن فيهم أربعة رجال، بحسب منظمة العفو الدولية. وتعرض بعض هؤلاء للتعذيب وحكم عليهم بالسجن أو بالجلد، عقب محاكمات جائرة.

ومع وفاة أميني تحت التعذيب، عاد موضوع قانون الزامية الحجاب الى الواجهة بقوة، حتى أنه بات يؤذن بانتفاضة واسعة في البلاد.النار في الهشيمبعيد اعتقال “شرطة الاخلاق” أميني، عرض صحافيون في 15 أيلول (سبتمبر) على تويتر لقطة لها مع أنبوب تنفس على سرير المستشفى، موضحين أنها في غيبوبة بعد تعرضها للضرب خلال احتجازها.
وانتشرت صورتها تلك كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار غضب العديد من الإيرانيين الذين انتقدوا العنف اليومي لشرطة الأخلاق والسلطات الإيرانية بشكل عام. وقال هادي غيمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيرا لصحيفة “لو بوان” الفرنسية: “مهسا أميني هي واحدة من ضحايا لا تحصى لحرب الجمهورية الإسلامية على النساء”. وأضاف: “الحكومة مسؤولة عن وفاتها وعن تعرض النساء على مدى عقود للمضايقة والاعتقال والإيذاء تحت ستار هذا القانون التمييزي واللاإنساني”. 

 وفي الأشهر القليلة الماضية، ظهرت عدة مقاطع فيديو على الإنترنت لحوادث تشهد على تصاعد المضايقات من هذه الوحدة ضد النساء في إيران. وسارعت شرطة طهران إلى الادعاء بأن  مهسا أميني “عانت فجأة من مشكلة في القلب” أثناء احتجازها لدى الشرطة، قبل “نقلها على الفور إلى المستشفى”. ولكن شيئاً لم ينفع. وبدوره، بث التلفزيون الحكومي مقطع فيديو قصير من كاميرا مراقبة يظهر امرأة عُرّف عنها على أنها مهسا أميني تنهار في مركز الشرطة بعدما تحدثت معها شرطية. إلا أن أمجد أميني والد مهسا علق بأن “الفيديو مجتزأ”، مشيراً إلى أن ابنته “نُقلت بصورة متأخرة إلى المستشفى”. وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي السبت إن “مهسا كان لديها على ما يبدو مشكلات (صحية) سابقة”، و”أجريت لها عملية جراحية في الدماغ حين كانت في الخامسة من العمر”. لكنّ والد الضحية نفى هذه المعلومات، مؤكدا أن ابنته كانت “بصحة ممتازة”.
  ولكن هذه الذرائع لم تنطل على أحد. وأحدث إعلان وفاتها  في 16 أيلول صدمة في أنحاء البلاد، ترددت أصداؤها في الأوساط  السياسية والدينية، وبين مثقفين  ومخرجون ورياضيين.  وكتب العديد من لاعبي المنتخب الوطني على إنستغرام: “شعر فتياتنا مغطى بكفن”. وعلق سردار آزمون نجم  منتخب بلاده في كرة القدم: “إذا كان هؤلاء مسلمون، فليجعلني الله كافرا”. 

محافظات مناهضات للقانونالواضح أن ما حصل لمهسا ترك أثراً عميقاً في المجتمع. وحتى أن نساء محافظات في ايران يعارضن الزامية الحجاب، بحسب صحيفة “الفايننشال تايمز“.  ففاطمة (53 عاما)، وهي من أشد المؤيدين للجمهورية الإسلامية، ترتدي الشادور الأسود. واستشهد شقيقها خلال الحرب مع العراق وهي متزوجة من أحد أفراد النخبة في الحرس الثوري. ومع ذلك، هي تعتقد أنه لا ينبغي إجبار النساء على ارتداء الحجاب: “يجب أن تؤدي وفاة أميني إلى تعديل قانون الحجاب. ويجب على المتدينين مثلي أن يثقوا بالله فقط ويأملون أن تختار النساء الحجاب بأنفسهن”. وبعد أحداث هذا الأسبوع، أوضحت فاطمة أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تروج للإسلام فقط من خلال الأنشطة الثقافية: “الإسلام دين الرحمة ولن يجيز أبداً العنف ضد المرأة. النهج الحالي يمكن أن يضع الناس ضد بعضهم البعض”. 

 وقد لا يرغب بعض المسلمين المتدينين في إلغاء حظر الحجاب بالكامل، لكنهم يقولون إن على النساء ألا يواجهن العنف لرفضهن ارتداءه. ويرى آخرون أن ظروف وفاة أميني تضر بالإسلام. وقال السياسي الإصلاحي محمد صادق جوادي حصار: “مع الوفاة المأسوية لأميني، سيتم تهميش قانون الحجاب تمامًا من الناحية العملية. أولئك الذين لم يؤمنوا بالحجاب يتجرؤون الآن على محاربته، والذين آمنوا به يعتقدون أن فرضه يضر بالإسلام ويجعل حياة المرأة المحجبة أكثر صعوبة”. وتنقل الصحيفة “البريطانية” عن غزال (45 عامًا)، وهي متدينة وزوجها من عائلة مقربة من النظام الايراني، إنه “بمكن على المرء المساعدة في تعزيز الفضيلة وقولها للناس مرة واحدة فقط”، وتضيف: “إذا لم تستمع النساء  اتركوهن وشأنه. هل يرضيكم قول هذه الأمور السيئة عن ديننا؟ السياسة تضر بالإسلام حقًا”. ومعصومة (58 عاما)، ربة منزل ترتدي الشادور منذ أن كانت مراهقة، فترى أنّ “كل شيء ينهار… اقتصادنا  ومجتمعنا”. وتعتقد أيضًا أن فرض ارتداء الحجاب لم يعد ساريًا، مضيفة أن ابنتها البالغة من العمر 20 عامًا تعارض ذلك. كذلك، أعرب بعض رجال الدين عن عدم رضاهم. وقال مرتضى جوادي أمولي، رجل دين من عائلة دينية ذات نفوذ في مدينة قم المقدسة، هذا الأسبوع إن التعامل مع القضايا الدينية والثقافية من خلال الإجراءات الأمنية والشرطية كان خطأً استراتيجياً. المغتربات الايرانياتوفي الاغتراب، عززت التظاهرات الحاشدة التي تعم البلاد آمال الايرانيات بحصول انتفاضة على القيود الاجتماعية والدينية في بلادهن، بحسب “فويس اوف اميركا“.  وقالت سارة  (48 عاما)، وهي معلمة تعيش في فرنسا: “ذهبت مهسا إلى طهران لزيارة عائلتها. أخبرت والدتي أنه كان من الممكن أن تكون أنا، أو أختي، أو احدى بنات عمي”. ولفتت إلى أن “مهسا لم تكن حتى ناشطة معارضة، بل كانت مجرد فتاة عادية مثلي. هذا هو الشيء المختلف في هذه المرة، وهذا ما صدم الناس”. وتتذكر سارة بعصبية كيف تم القبض عليها هي نفسها من قبل شرطة الآداب في رحلة إلى إيران عندما كانت في الثلاثين من عمرها، وحينها احتُجزت في نفس مركز الاحتجاز الإيراني حيث كانت أميني، وشعرت بالخوف حينها.   وقالت: ” كان هناك تصعيد للقمع منذ 43 عاما أي منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.  الأمر شبيه بطنجرة الضغط التي انفجرت الآن. آمل أن تستمر الاحتجاجات”. وهي تعتقد أن النساء اللواتي ينضمن إلى مظاهرات اليوم هن في الغالب “شابات، في العشرينات، بلا خوف وبالكثير من الأمل”. 

 وأكدت سعيدة ميرزائي (38 عاما) طالبة دكتوراه في جامعة مانيتوبا في كندا: “نحن ننتظر هذه الأيام في إيران منذ فترة طويلة”، لافتة الى أنّ مشاعرها منقسمة بين “الغضب” و “الفرح”. أما أخصائية الرعاية الصحية فريشته (44 عامًا)، التي تسكن في نيويورك، فتدعم “الإيرانيين داخل إيران الذين يقاتلون من أجل حقوقهم ويخاطرون بحياتهم”.

وأضافت أن النساء في إيران “يحرقن النقاب أمام الشرطة، ما يعني الكثير عندما تتعامل مع القتلة. يخاطرن بحياتهن ما يدل على أنهن قد سئمن من هذا النظام الموجود في السلطة”. في جنيف، شددت آزاده (63 عامًا): “نشعر بغضب لا يمكننا السيطرة عليه، لا يجب أن يكون الحجاب إلزامياً بعد الآن. يجب أن نكون أحراراً!”. أبرز حزب إصلاحيوانضم حزب “اتحاد شعب إيران الإسلامي” الذي شكله مقربون من الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي (1997-2005)، وهو أبرز الأحزاب الاصلاحية في البلاد الى النداءات المطالبة بإلغاء قانون الحجاب الإجباري، وفق ما جاء في بيان أصدره السبت.

كذلك، طالب بأن تعلن الجمهورية الإسلامية “انتهاء عمل شرطة الإرشاد رسميا” و”السماح بالتظاهرات السلمية”.

admin