مقالات

هل أنتم نادمون لأنكم صوتم لصالح بريكست؟

منح الوافدين حق الدخول على “أساس نظام النقاط الأسترالي للتأشيرات” لم يخفض حجم الهجرة إلى بريطانيا

شون أوغرايدي مساعد رئيس التحرير  الأحد 27 نوفمبر 2022 1:01

تجربة بريكست تسجل فشلاً حتى في أبسط وأهم جوانبها  (رويترز)

لا أسعى من خلال هذا المقال إلى أن أصيب المؤيدين لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) من البريطانيين بارتفاع ضغط الدم أو أي شيء من هذا القبيل، ولكن الأرقام التي يتم تداولها على نطاق واسع عن رقم قياسي بلغ أكثر من نصف مليون وافد جديد أضيفوا إلى عدد سكان بريطانيا خلال العام الماضي هو فقط نصف القصة (الحقيقة).

وأذكر هنا أن ذلك هو نصف الحقيقة لأن الأرقام المنشورة تتعلق بالعدد الصافي للوافدين. فمن الممكن أن يكون قد وفد إلى بريطانيا في نفس تلك الفترة ما مجموعه حوالى 1.1 مليون شخص، في العام المنتهي في شهر يونيو (حزيران) الماضي. أكثر من مليون شخص! هؤلاء هم من كان على البريطانيين المعارضين للهجرة أن يركزوا [على الحديث عنهم].

كل هذا العدد هم مهاجرون شرعيون، ومعظمهم، أي حوالى 704 آلاف منهم، وفدوا إلى المملكة المتحدة من خارج الاتحاد الأوروبي. فعدد الوافدين من المهاجرين “الشرعيين” يمثل 10 أضعاف أكثر من عدد المهاجرين الذين يعبرون القنال الإنجليزي في القوارب المطاطية الصغيرة، أو من يصلون عن طريق التهريب على متن شاحنات نقل البضائع، والتي كانت قد تسببت بالخلافات الحالية في البلاد. فبدلاً من مواصلة انتقاد هؤلاء المهاجرين (الوافدين بالقوارب من فرنسا)، لطالما قام مناصرو بريكست بتجاهل هذا الكم من المهاجرين بشكل شرعي. ولكن لن يكون ذلك بعد اليوم.

الأمر الوحيد الذي كان يجب علينا ربما توقعه كنتيجة لعملية بريكست، والذي لا شك أن كثيرين من البريطانيين قد صوتوا من أجله، لم يتحقق. على العكس تماماً. فبدلاً من أن يكون عدد المهاجرين الوافدين أن ينخفض إلى “عشرات الآلاف” سنوياً، كما وعد حزب المحافظين بعد وصولهم أول مرة إلى سدة الحكم في 2010، تظهر الأرقام أن حجم الهجرة حالياً يقدر بخمسة أضعاف ما كان عليه في ذلك الوقت. وكل ذلك لأن قطاع الأعمال البريطاني والجامعات البريطانية لا يمكنها أن تعمل بشكل سلس من دون المهاجرين.

ببساطة ليس لدينا عدد كاف من البشر لملء كل الوظائف الشاغرة التي لا يمكن استبدال البشر فيها بالآلات أو الذكاء الاصطناعي، ذلك إلا إذا نجحنا في تحقيق ارتفاع كبير في نسب المواليد، وهذا واقع اقتصادي في دورة الحياة. ولكن ليس علينا أن نغضب بشأن ذلك، لأن ذلك كان قد أسهم في ازدهارنا، تماماً مثلما أسهم في نهضة دول عظيمة كثيرة أخرى تم بناء نجاحها على سياسة الهجرة مثل الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا.

العام الماضي لم يكن عاماً عادياً، لكن عملية تدوير الأرقام على مدى الأعوام القليلة الماضية، من شأنه أن يظهر نسبة هجرة مشروعة تماماً ومنتظمة بلغت حوالى 200 ألف إلى 250 ألف مهاجر وافد في السنة. وهذا يشكل عدداً مرتفعاً بمقياس تاريخي بالنسبة إلى المملكة المتحدة، ومن شأنه أن يسهم أيضاً في ارتفاع نسبة الشريحة السكانية المولودة خارج المملكة المتحدة.

وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً عملية رحيل المواطنين الأوروبيين الذي عادوا إلى بلادهم [بسبب بريكست]، ولا بد من الاعتراف هنا بأن ذلك الاتجاه قد استنفد حالياً، لكن العدد الصافي لمن رحلوا عن المملكة المتحدة من شأنه أن ينخفض بحدة في سنة 2023 والأعوام التي ستليها. إذ تشير التقديرات إلى أن حوالى 560 ألف نسمة قد هاجروا من المملكة المتحدة في نفس تلك الفترة، وحوالى نصفهم أي 275 ألف نسمة منهم قد عادوا إلى بلادهم في دول الاتحاد الأوروبي. إذاً فإن صافي معدل أرقام الهجرة قد يظهر ارتفاعاً في المستقبل، ولكن ربما لن يصل إلى مستوى النصف مليون.

ولا بد أيضاً من احتساب الآثار المشوشة على أرقام الهجرة، والتي يمكن أن يكون سببها انتهاء جائحة كورونا، وأيضاً عملية استئناف وصول الطلبة الذي كان يفترض وصولهم في السابق مثلاً، وأيضاً وصول من يغطيهم برنامج توطين أهالي هونغ كونع، وأفغانستان وأوكرانيا، وهو أيضاً ما أدى إلى تضخيم أرقام [الوافدين]، فحوالى 200 ألف أوكراني هربوا من الحرب في بلادهم قد تم استقبالهم في المملكة المتحدة.

إن الواقع يشير إلى أنه في زمن ما بعد بريكست الذي يعتمد فيه على “نظام نقاط الهجرة الأسترالي”، فإن ذلك النظام لم ينجح في خفض أعداد المهاجرين الوافدين، كما كان متوقعاً، ولكنه كان قد قام بتغيير تركيبة الجنسيات الوافدة مستبدلاً العمال الأوروبيين بعمال وطلبة من خارج الاتحاد الأوروبي. ليس هناك من جانب جوهري في نظام الهجرة الذي يعتمد على النقاط من شأنه أن يحد من الهجرة فعلياً، كما كان يلمح الأشخاص المؤيدون لعملية بريكست من أمثال نايجل فاراج.

ولقد برهن ذلك من جديد على وعد كاذب آخر، لكن ذلك يأتي مع اعتبار خاطئ بأن صافي الهجرة إلى بريطانيا من شأنه أن يسد العجز في سوق العمل لتوفير عمال من أصحاب الحرف وآخرين من غير المحترفين. فبدلاً من أن تستورد بريطانيا عمالاً يسهمون في جمع محاصيل الفاكهة مثلاً من دولة رومانيا في شرق أوروبا، فقد تم استبدالهم عبر نقل عمال من إندونيسيا جواً، وهنا أعطي هذا المثال المتطرف في سبيل الإيضاح [لحجم المشكل]. فهل هذا هو ما كان قد صوت من أجله الشعب البريطاني في عام 2016؟ أو أنهم يفضلون حالياً أن نترك الفاكهة لتفسد في الحقول؟

أما المفارقة الأخرى فهي حول النقلة النوعية التي كان قد تم إطلاق الوعود بأن من شأن عملية بريكست إفرازها، وهي أن الشيء الوحيد الذي كان سينجح في تحفيز النمو إلى مستويات أعلى في السنوات المقبلة كانت المهاجرين الوافدين. وهو ما من شأنه، كما وعدنا، أن يحقق نمواً في العائدات الضريبية يقدر بستة مليارات من الجنيهات الاسترلينية. فمن دون المهاجرين بغض النظر عن مصدر وصولهم، أو أهدافهم من المجيء إلى بريطانيا، فإن المملكة المتحدة على موعد مع عملية ركود أسوأ مما كان متوقعاً، وهي على موعد مع سياسة تقشف واقتطاعات في الخدمات العامة أكبر خلال العقد المقبل من الزمن.

فلو كتب للمملكة المتحدة أن تتخلى عن واجباتها في قبول اللاجئين، وأن تعمل على الحد من إصدار التأشيرات وتقتصرها لنقل، على، حوالى مئة ألف شخص، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، لكان البلد سيكون أكثر فقراً بنتيجة ذلك. 

إن تجربة بريكست تسجل فشلاً، حتى في أبسط وأهم جوانبها. فبريكست يمكن أن تصبح عملية ناجحة فقط من خلال أن ينخر عجزها الاقتصاد بشكل أكبر. ولا شك أن هذا من شأنه أن يغضب المواطنين في بريطانيا أكثر من مسألة عدد المهاجرين الوافدين إلى بلادهم.