مقالات

المواجهة التركية مع روسيا والصين في وسط آسيا

كتب بواسطة:جيمس دورسي

إن المساعدة العسكرية التي قدمتها روسيا في وقت سابق من هذا الشهر للرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف ساهمت بطرق عديدة في استعادته السيطرة على البلاد وإحكام قبضته على السلطة بعد أيام من اندلاع احتجاجات واشتباكات عنيفة مع قوات الأمن.

لكن التدخل الروسي أعاد إلى السطح المنافسة حامية الوطيس على مناطق النفوذ في أوراسيا بين العالمين الروسي والتركي اللذين تحدد حدودهما بالحضارة أو اللغة أو كليهما بدلا من الحدود المادية المعترف بها دوليًا.

تؤثر هذه المنافسة أيضًا على الصين باعتبار أن مقاطعة شينجيانغ المثيرة للجدل التي يتحدث سكانها اللغة التركية تقع في الشمال الغربي للبلاد على حدود كازاخستان.

وعلى الرغم من عدم انضمام هذه المنطقة إلى منظمة الدول التركية التي تقودها تركيا، إلا أن الدول الأعضاء فيها التي تضم كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وأذربيجان أشارت مؤخرًا إلى تقاربها مع المسلمين الأتراك في الصين.

كانت حملة القمع الوحشية التي شنتها الصين على الأقلية الأويغور العرقية سببًا في إثارة حفيظة عامة الناس في كل من كازاخستان وتركيا وبذل الحكومتين جهدًا لإيجاد التوازن الذي لا يوتّر علاقاتها بالجمهورية الشعبية.

في مواجهة التصورات القائلة إن تدخّل روسيا في كازاخستان يخدم الأولويات الأمنية لموسكو في آسيا الوسطى ويضعف التطلعات التركية، اقترح الباحث الروسي المحترم ديمتري ترينينأن إنقاذ توكاييف كان أخف الضررين بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين.

تستفيد تركيا أيضًا من كونها لاعبا فاعلا نجح في تحدي روسيا في النزاعات الإقليمية مثل القوقاز، حيث دعمت أذربيجان في حربها ضد أرمينيا سنة 2020، وقبل ذلك في ليبيا وسوريا.

تعليقًا على هذا الخيار، يقول ترينين: “من أجل الحفاظ على علاقات مستقرة مع حليف وشريك وجار مهم، تغاضت روسيا عن مسألة صعود القومية العرقية الكازاخستانية وتجاهلت التقارير بشأن التمييز الذي يتعرض له الروس في البلاد. توكاييف ليس عميلا لموسكو بأي حال من الأحوال، ولكن موسكو ترى أن السماح له بالتنحي عن السلطة من شأنه تعزيز نفوذ القوى القومية المتطرفة في البلاد”.

يُنظر إلى العلاقة مع أنقرة باعتبارها عمل حماية محتمل بالنسبة لكازاخستان وغيرها من دول آسيا الوسطى، التي تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من موسكو وبكين في أعقاب تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة بعد الانسحاب من أفغانستان.

بقيادة زعماء سلطويين يخشون اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة في الداخل، كان لروسيا وتركيا مصلحة مشتركة في دحر التمرد الشعبي في كازاخستان. وهذا يعني أن اكتفاء تركيا بالمراقبة حين قررت روسيا التدخل ربما يخدم مصالح تركيا بشكل أفضل. فرغم العلاقات العسكرية الوثيقة مع كازاخستان، كان التدخل التركي ليؤدي إلى زعزعة العلاقات التركية الروسية الحساسة التي شابتها العديد من الخلافات بسبب تضارب المصالح ووجهات النظر.

وفي حين أن الدعم التركي لتوكاييف ربما لن يكون كافيًا للتعامل مع المحتجين الكازاخستانيين، فإنه من غير المرجح أن يؤثر على القوة الناعمة التركية في آسيا الوسطى القائمة على التقارب اللغوي والعرقي وشعبية الموسيقى التركية والإنتاج السينمائي والاستثمار في مراكز التسوق الجذابة.

تستفيد تركيا أيضًا من كونها لاعبا فاعلا نجح في تحدي روسيا في النزاعات الإقليمية مثل القوقاز، حيث دعمت أذربيجان في حربها ضد أرمينيا سنة 2020، وقبل ذلك في ليبيا وسوريا.

في التنافس على الهيمنة على البحر الأسود، تدعم تركيا أوكرانيا ويجمع بينهما تعاون دفاعي وثيق. وباعتبارها موطنا لشتات تتار القرم، دعمت تركيا علنًا المجتمع التركي في شبه الجزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا في سنة 2014.

كما أدانت تركيا أحيانا – وإن اقتصر ذلك على بعض المناسبات – الحملة الوحشية التي تشنها الصين الهوية الإسلامية التركية في شينجيانغ. وترى الصين في بروز هوية الأويغور العرقية والثقافية والدينية تهديدًا مميتًا.

في اقتصار العضوية في المنظمة على البلدان الناطقة باللغة التركية فحسب، تأمل المجموعة إبقاء روسيا والصين وإيران بعيدًا على الرغم من كونها موطنًا للأقليات الناطقة باللغة التركية.

يبدو أن التأكيدات التركية زادت من جرأة أعضاء منظمة الدول التركية في آسيا الوسطى، وهي نظير تصوّر بوتين لعالم روسي حدوده الجغرافية يمثلها الناطقون باللغة الروسية ومن تبنى الثقافة الروسية، وليس الحدود المعترف بها في القانون الدولي.

من خلال مشاركة دول آسيا الوسطى التابعة إلى هذه المنظمة – التي تعتبر من بنات أفكار رئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف – في القمة الأخيرة التي نظمتها تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر في إسطنبول، تم إرسال إشارات مختلطة إلى كل من روسيا والصين وإيران – الدول التي لديها أقليات ناطقة بالتركية.

وفي اقتصار العضوية في المنظمة على البلدان الناطقة باللغة التركية فحسب، تأمل المجموعة إبقاء روسيا والصين وإيران بعيدًا على الرغم من كونها موطنًا للأقليات الناطقة باللغة التركية.

ولم تتخذ دول آسيا الوسطى أي استثناء عندما نشر ديفليت بهليفي، الحليف القومي اليميني المتطرف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صورةً له على فيسبوك أثناء القمة وهو يهدي الزعيم التركي خريطة للعالم التركي تضمنت أجزاء من روسيا. وقد تناقلت الصورة وسائل الإعلام التركية القومية المقربة من أردوغان وأججت النقاش التحريضي حول الأراضي الروسية.

وعلى نحو مماثل، شارك قادة آسيا الوسطى في هذه القمة رغم افتتاحها في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، وهو تاريخ حرج سياسيًا بالنسبة للصين: فقد أعلن فيه الأويغور في شينجيانغ استقلالهم مرتين لفترة قصيرة في نفس هذا التاريخ، إحداهما كانت في سنة 1944.

ما هو على المحك ليس حقوق الإنسان التي يقع انهاكها والتخلي عنها من قبل هذه الأطراف، وإنما التهديد الحقيقي يتربص بالنظام الدولي بوجود دول ترسم حدودها حسب القومية ولا تعترف بالحدود الجغرافية

قبل ثلاثة أسابيع من القمة، انضمت تركيا إلى 42 دولة أخرى معظمها غربية في بيان للأمم المتحدة أدان القمع الصيني في شينجيانغ. فضلا عن ذلك، رفع 19 شخصا من أقلية الأويغور في المنفى شكوى جنائية إلى المدعي العام التركي ضد مسؤولين صينيين متهمين إياهم بارتكاب إبادة جماعية وتعذيب واغتصاب وجرائم ضد الإنسانية.

تعتبر تركيا موطن حوالي 50 ألف شخص من الأويغور، وهي أكبر جالية لهم خارج الصين. ولطالما كانت تركيا داعمة لتطلعات الأويغور الدينية والثقافية ولكنها كانت أيضا حريصة على عدم السماح لهذا الملف بالتأثير على علاقاتها مع بكين.

مع ذلك، لم تنسج تركيا على منوال المملكة العربية السعودية والكويت وعمان والبحرين وكذلك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي المكون من ست دول، التي أرسلت وزراء خارجيتها في زيارة إلى الصين هذا الأسبوع في دعم واضح للسياسة الصينية في شينجيانغ.

ردًا على تأكيدات نائب سفير الصين لدى الأمم المتحدة، غينغ شوانغ، في تشرين الأول/ أكتوبر، بأن تركيا قد غزت بشكل غير قانوني شمال شرق سوريا وحرمت الأكراد من المياه، قال الممثل التركي فريدون سينيرلي أوغلو إن بلاده لن تتلقى محاضرات من قبل “جهات تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان”.

إن الخلافات بين الصين وروسيا وتركيا لم تتجاوز الحرب الكلامية. وفي الواقع، ما هو على المحك ليس حقوق الإنسان التي يقع انهاكها والتخلي عنها من قبل هذه الأطراف، وإنما التهديد الحقيقي يتربص بالنظام الدولي بوجود دول ترسم حدودها حسب القومية ولا تعترف بالحدود الجغرافية. يسعى كل من بوتين وأردوغان إلى إعادة فرض قانون الغاب الذي يسمح لهما بتغيير حدود الدولة حسب المناورات الجيوسياسية.

المصدر: مودرن ديبلوماسي

admin