ثقافه عامه

أدخلها الملك فيصل الأول وتميز بها البغداديون.. ماذا تعرف عن السدارة العراقية؟

26/1/2022

تميّز العراقيون وتحديدا البغداديين بارتداء ما تسمى قبعة “السيدارة- السدارة” أو السدارة الفيصلية منذ منتصف عشرينيات القرن الماضي، وهي القلنسوة بلا أصداغ ولباس للرأس في العهد الملكي بالعراق، وبدأت بالاحتضار مع صعود الجمهوريين إلى الحكم بانقلابهم على الملكية عام 1958، وكانت تلبس في المناسبات الوطنية والرسمية.

وتتميز السدارة بشكلها النصفي المقوس، والمدبب تقريبا من الوسط، وتكون مطوية إلى طيتين للداخل ويغلب عليها الأسود وهو اللون الرسمي، إلى جانب ألوان أخرى.

أبرز من ارتداها

وتُشير المصادر التأريخية إلى أن أصل كلمة “السدارة” آرامي، فهي معربة من الألفاظ الفارسية المعربة حيث كانت عند ملوك الفرس القدماء تعنى غطاء الرأس، ورددت بنفس المعنى في معجم المنجد للغة الآباء الكاثوليك.

وبرز ارتداء “السدارة” مع تولى فيصل الأول عرش العراق كأول ملك للمملكة العراقية الحديثة في 23 أغسطس/آب 1921، والذي أدخل عددا من التقاليد والنظم السياسية والاجتماعية الحديثة للبلاد لتميزها عن العهد العثماني الذي كان يسيطر على العراق لمئات السنين.

ومن جملة هذه التغيرات إيجاد لباس وطني للرأس بدلاً من الطربوش أو الفينة ليكون زيا رسميا لموظفي الدولة، أو الأفندية كما كانوا يعرفون، فأوجدت السدارة، ووزعت أول مرة للوزراء من قبل رستم حيدر أحد مستشاري الملك حينها.

وكان الملك فيصل الأول هو أول من ارتدى السدارة في خطوةٍ منه لتشجيع الناس على ارتدائها، ومنها سميت باسمه “فيصلية” وفقاً لمصادر تاريخية.

وتوجد عدة أنواع للسيدارة، ففي بداية ظهورها كانت تصنع من الچبن (الصوف المضغوط) وتسمى سدارة الجبن وعرفت بحجمها الكبير، وتميزت بارتدائها من الشخصيات المهمة بالمجتمع من أمثال ياسين الهاشمي رئيس الوزراء في العهد الملكي، والشاعر البغدادي الشعبي الملا عبود الكرخي، والشاعر جميل صدقي الزهاوي.

وأما النوع الثاني هو السكوجية وكانت تصنع من القماش، وتفصل من نفس قماش الملابس، حيث بعد تفصيل البدلة الرجالية تأخذ قطعة من ذات القماش لغرض تفصيل سدارة، وكان حجمها أصغر من سدارة الچبن، وأغلب من كان يرتدي هذا النوع أفراد الشرطة والجيش بالعهد الملكي وكذلك الجمهوري حتى عقد سبعينات القرن الماضي. وبعدها استبدلت بالبيرية لأغلب صنوف الجيش والشرطة.

وفي سلسلته بغداديات، ذكر الباحث عزيز الحجية أن السداير الأجنبية (الايطالية والإنجليزية) بدأت تغزو العراق في الثلاثينيات، وكانت تصنع من مادة الجوخ اللماع، ولكن ظلت السدارة الأولى المصنوعة من الچبن محل اعتزاز الكثيرين من أهل بغداد وأطلق عليها السدارة الوطنية، وكان الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي قد ذكر السدارة الوطنية في شعره، حيث أنشد قائلاً:

مني كل أجنبي ويفهم

بالسدارة (الكرخي) مغرم

حيث للمواطن شعاره

شعار أوطاني وهيه

الليبسوها الوطنية

عربية عراقية

صايرة ابراسي اشــارة

محاولة إلغاء السيدارة

مفيد عباس (الجزيرة )

لماذا في بغداد؟

وبعد انقلاب بكر صدقي في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، ظهرت محاولات لإلغاء السدارة، حيث أصدرت حكومة الانقلاب، التي ترأسها حكمت سليمان، قانوناً يقضي بإبدال السدارة (الوطنية) بالقبعة الأوروبية لكون الأخيرة من مظاهر التطور والاتصال بالعالم الخارجي.

وعن أسباب تركز السدارة في بغداد دون المحافظات الأخرى، يعزو الكاتب ومقدم البرامج مُفيد عباس ذلك إلى أن العاصمة مركز المدنيّة في العراق، وفيها مراكز الحكم والدولة، لهذا تركزت في بغداد أكثر من باقي المحافظات.

استمر ارتداء السدارة، وأصبحت تمثل الأفندية والمثقفين والطبقة المدنية حتى قيام انقلاب 1958 الذي أنهى الحكم الملكي إلى الجمهوري، وانتهت معه كل رمزيات الملكية بما فيها السدارة، كما يقول عباس للجزيرة نت.

وأضاف أن طبقة محدودة بقيت ترتدي السدارة، كان يطلق عليها صفة “الرجعيين” لأنهم يحنون للحكم الملكي وقيمه، واندثرت بعد ذلك شيئا فشيئا حتى أصبحت شيئا من الماضي.

وفي تعليق منه حول أسباب عدم بقاء “السدارة” كزي رسمي للعراق والعراقيين كما كان ب العهد الملكي، يقول الكاتب أن تطور الحياة، بالإضافة إلى ضعف الهوية الوطنية بسبب تفوق الهويات الثانوية عليها، أدى إلى عدم الالتزام بزي رسمي موحد للعراق.

الدكتور أحمد جارالله ياسين (الجزيرة 1)

بعد غياب

وانتعشت خلال الآونة الأخيرة ظاهرة ارتداء “السدارة” بالأوساط الثقافية والفنية، يقول الأستاذ بجامعة الموصل الدكتور أحمد جار الله ياسين إنها تمثل شكلا من أشكال الحنين للماضي لاسيما السياسي الذي كانت فيه الدولة قائمة فعليا بقوانين ومؤسسات وسيادة، وذلك ما يفتقده العراقيون حاليا.

هذا الانتعاش بعد فترة طويلة من الغياب يصفه جار الله للجزيرة نت بأنه عودة رمزية روحية تعويضية، فضلا عن كونها عودة ثقافية لأن السدارة رمز الطبقة المثقفة التي كانت تعرف بالأفندية، وهي زينة مظهرية لوعاء العقل (الرأس) تزيده بروزاً وأناقة.

وعن احتمالية أن تكون الموديلات الحديثة للأزياء ساهمت بشكل كبير في اندثار الأزياء التراثية والقديمة لدى العراقيين مثل “السدارة” يؤكد الأكاديمي العراقي أن الملابس ترتبط بالمجتمعات وتراثها وتقاليدها، وعندما ظهرت السدارة أول مرة على رأس الملك فيصل كانت لمنح رأس السلطة هويته العراقية الخاصة المميزة بدءاً بالزي، وهي هوية لم يرتد مثلها أحد من قبل.

ويتناسب ذلك -كما يرى جار الله- مع ولادة الدولة العراقية نظاماً ودستورا، فكانت السدارة معلما خالصا للمواطن العراقي بداية العشرينيات وجزءا من تقاليد الزي الجديد لديه.

طفلان يرتديان قبعة السيدارة في معرض بأربيل (الجزيرة )

معرض سنوي

ويُنظم سنويا معرضا في أربيل بكردستان العراق لعرض “السدارة” بأنواعها المختلفة، تعبيرا عن التمسك بهذا التراث التقليدي الخاص بالأزياء القديمة، كما يقول شيرزاد رسول مسؤول قسم الصور والوثائق بمتحف تربية المدينة.

ويُشير رسول للجزيرة نت إلى أن المعرض الدوري يشارك فيه الكثير من الشخصيات المعروفة على مستوى المدينة لعرض “السدارة” بالأسلوب القديم، مؤكدا أن هذا المعرض يأتي للتأكيد على التمسك بهذا الزي مهما تقدم الزمن.