واشنطن وأذرع إيران في المنطقة
في طريقه إلى فنلندا للاجتماع بقيادات 12 دولة أوروبية والتداول في شأن غايات روسيا من تحركاتها في أوروبا الشرقية «سابقاً»، أدلى وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بتصريح لافت للصحافيين حيث قال: «أؤيد المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحروب الدائرة في سورية منذ ست سنوات بما فيها إنهاء تنظيم داعش». وتابع: «لقد عبّر وزير الخارجية تيلرسون للمبعوث الأممي عن الملف السوري، ستيفان دي ميستورا، وبقوة، عن الموقف الأميركي من محادثات السلام في آستانا التي تدعمها موسكو، وأوضح الوزير تيلرسون كيفية الانتقال من آستانا، والعودة إلى جنيف، حيث واشنطن تشارك الأمم المتحدة في عملية المفاوضات وتدعم الدفع بها قُدماً».
العارف بالتقاليد السياسية الأميركية يدرك أن وزير الدفاع الأميركي، المعيّن في البنتاغون مباشرةً من الرئيس الأميركي، عادة ما يكون مدنياً وليس عسكرياً. إلا أن الرئيس ترامب اختار لهذا المنصب جنرالاً مخضرماً في الحياة العسكرية، صرف نفسه لها حتى أُطلق عليه لقب «الراهب المحارب»، وهو الرجل الستيني الأعزب الذي اختار البيت العسكري عائلة له. فالمؤسسة الجمهورية التي تؤمن بالحسم العسكري عندما يستحيل العمل السياسي أو الديبلوماسي، في حل أزمة معقّدة ومتعدّدة الأوجه والذرائع كالحالة السورية، اختار رأسها هذه المرة أن يدعم الديبلوماسية الأممية لإيجاد مخارج سياسية للحرب السورية، لا سيما أن تنظيم «داعش» الإرهابي قد شارف على الاندحار والسقوط تماماً في العراق وسورية بعد أن انهارت عاصمتاه على التوالي، في الموصل ثم في الرقة، وقتل من قتل من أفراده وفرَّ من فرّ.
اختار ماتيس أن يدعم المسار السياسي في جنيف للمضي في محادثات السلام السورية التي من المفترض أن تستأنف في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري بعد توقف طال أشهراً ثلاثة، وكذلك إثر فشل محادثات آستانة في جولتها السابعة أمام تمسك المعارضة بشرط خروج الميليشيات الإيرانية من الأرض السورية بتشكيلاتها كافة: العراقية والإيرانية والأخرى العابرة للقارات، حيث استقدمت إيران ودربت أجانب ضمن مجموعات طائفية مقاتلة كفرقة «فاطميون» وفرقة «زينبيون». وقد سبق أن اعترفت طهران بأنها جنّدت الفرقة الأولى من السجناء الأفغان الذين أفرجت عنهم شرط القتال في سورية، بينما شكلت الثانية من باكستانيين شيعة يسكنون إيران.
وبينما يرتفع إمكان التصادم الميداني بين القوات الروسية والأميركية على الأرض السورية بعد تراجع «داعش»، حيث كل طرف يساند طرفاً معادياً، تتريث الولايات المتحدة التي تدعم المعارضة في التصعيد الميداني في مواجهة روسيا داعمة النظام، ولتتحوّل إلى المعركة السياسية في جنيف كما نقلتُ أعلاه على لسان وزير الدفاع الأميركي. كما ارتأت واشنطن أن تدعم مساعي المملكة العربية السعودية لإقامة حوار سوري وطني شامل يجمع فرق المعارضة بطيفها الواسع للتوجه إلى جولة جنيف 8 بوفد وطني مهني صاحب كفاءات عالية أُطلق عليه اجتهاداً «وفد كسر العظم»، حيث من المفترض أن يكون قادراً على الأداء التفاوضي بأعلى مراتبه الديبلوماسية والسياسية والإجرائية بهدف تحصيل حقوق الشعب السوري سياسياً فيما لم نحصّله ميدانياً للأسف بسبب الدخول الروسي الرسمي والإيراني الميليشياوي المباشر لإنقاذ منظومة حكم الاستبداد في سورية.
أما عن التغلغل الإيراني في سورية، وإذ ينفد صبر الولايات المتحدة بعد أن بلغ السيل الزبى لجهة تدخلات طهران في المنطقة، وانتشار أذرعها العصبوية الطائفية مهددة الأمن والاستقرار أينما وصلت مخالبها وقد عاثت فساداً بحشدها الشعبي في العراق، وبـ «حزب الله» ومشتقاته في لبنان وسورية، وبحوثييها في اليمن، بل غدت تهدد سلامة الملاحة الدولية في باب المندب، وتستهدف بصواريخها المدنيين في عاصمة كبرى مثل الرياض، فإن واشنطن تعدّ لها العدة على المستويات الرئاسية والتشريعية والحكومية دونما استثناء. فتغريدات الرئيس ترامب وموقفه من الاتفاق النووي المعزَّز بتهديدات عالية اللهجة لطهران إذا ما استمرت في تفريخ الميليشيات المتطرفة وغامرت في طموحها النووي العسكري الرامي إلى تهديد أمن جيرانها واستقرار المنطقة، وإدراج وزارة الخزانة الأميركية حديثاً الحرس الثوري الإيراني على قائمتها للعقوبات، وكذا إحالة الاتفاق النووي مع إيران إلى الكونغرس لبحث إمكان انسحاب الولايات المتحدة منه، وتصريح الناطق الرسمي باسم البنتاغون، الميجور آدريان رانكين غالوي، إثر إطلاق «البروكسي» الحوثي في اليمن صاروخاً باليستياً إيرانياً باتجاه مطار الرياض الدولي المدني، إذ أفاد بأن: «واشنطن ترتبط بعلاقات دفاعية قوية مع المملكة وهي تؤيد المواقف السعودية التي تكشف دور إيران الشرير في اليمن»، كل هذه الحيثيات مجتمعة ترتبط عضوياً بانفراج سياسي في سورية يتأسس في مؤتمر ترعاه الرياض في 22 و23 الشهر الجاري، وبحملة تطهير للشر الحوثي البديل في اليمن يقودها التحالف العربي، وبتوجّه أميركي لِلَجْم الحشد الطائفي ومفرزاته في صفوف الجيش العراقي، وذلك في ربط وحل متزامن بين الرياض وواشنطن لخيوط العقدة الإيرانية التي أينعت رؤوسها وحان قطافها.