مقابلة الحريري زادت حالةَ اللغط والغموض التي أحاطت بظروف استقالته و”احتجازه”

1

بقلم : عبد الباري عطوان

لا نَعتقد أن تزامن مُقابلة الرئيس سعد الحريري مع طَلِب المملكة العربيّة السعوديّة عَقد اجتماعٍ طارِىء لوزراء الخارجيّة العَرب لبَحث التدخّلات الإيرانيّة في العَديد من دُول المِنطقة كان صُدفةً، وإنّما خُطوة مَحسوبة بعِناية، في إطارِ خُطّة تحشيد وتَصعيد لزعزعة الاستقرار في لبنان، وإشعال فَتيل الحرب ضِد “حزب الله”.
السيد الحريري كان مُرتبكًا في هذهِ المُقابلة، وقال كلامًا غير مُقتنع بمَضامينه وتداعيّاته، ولهذا لم يَكُن مُقنعًا للجُمهور اللبناني، والكَثير من العَرب الذين تابعوا هذا اللّقاء الذي جَرى إعداده بعنايةٍ فائقة.
لا نتّفق مع السيد الحريري في قَوله أن استقالته أحدثت صدمةً إيجابيّةً في لبنان، بل العَكس تمامًا، هَزّت استقراره، وخَلقت أزمةً وزاريّةً، وأعادت إحياء الانقسامات الطائفيّة.
“حزب الله” كان مُتواجدًا في اليمن، بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر، مِثلما كان يُقاتل في سورية عندما عَقد السيد الحريري صفقةً سياسيّةً مع زعيمه السيد حسن نصر الله، وحليفه، أي الحزب، العماد ميشال عون، عاد بمُقتضاها إلى رئاسة مجلس الوزراء، وشَكّل الحُكومة الحاليّة.
فإذا كان النأي بالنّفس، وهي العِبارة التي كرّرها أكثر من سبع مرّات في المُقابلة على الأقل، وتَعني وَقف تدخّلات “حزب الله” هي مَطلب أساسي لبَقائه في الحُكومة ولبنان أيضًا، فقد كان عليه أن يَنأى بنَفسه ولا يَدخل العمليّة السياسيّة اللبنانيّة عبر سُلّم “حزب الله” والتيّار الوطني الحُر، الذي يَتزعّمه الرئيس عون.
الرئيس الحريري قال أنّه يَستطيع مُغادرة السعوديّة في أيِّ وقتٍ يَشاء، وهذا كلامٌ جميل، فلماذا لم يُغادرها قبل يوم أو يومين، ويُجري هذهِ المُقابلة من باريس مثلاً، ليُؤكّد فِعلاً أنّه يَملُك حُريّته، حتى تُعطي هذهِ المُقابلة مَفعولها.
المُقابلة مُنذ بدايتها حتى نهايتها كانت مُخصّصة للهُجوم على “حزب الله” واتّهامه بالتدخّل في شؤون المِنطقة، وبالتّحديد المملكة العربيّة السعوديّة، وعَبر البوّابة اليمنيّة.
المُفترض من هذهِ المُقابلة أن تُبدّد حالة اللّغط التي أثارتها استقالة السيد الحريري التي قرأها على شاشة قناة “العربيّة” من الرياض، ولكن ما حَدث هو العَكس تمامًا، أي أنّها وَفّرت لها الذّخيرة لتَزداد اشتعالاً.
عَودة السيد الحريري إلى لبنان التي قال أنّها ستتم في غُضون يومين أو ثلاثة، هي التي ستَحسم الكَثير من الأُمور، وأهمها أنّه فِعلاً يَتمتّع بحُريّةِ الحَركة، أمّا حُريّة الكلام، فهذهِ مَسألةٌ ستَحتاج إلى الكَثير من التّمحيص لاحقًا.
عدم مُصاحبة فريق فَنّي من المُصوّرين والتّقنيين للسيدة بولا يعقوبيان التي أجرت هذهِ المُقابلة لصالح تلفزيون المستقبل الذي تَعمل فيه، أثار الكثير من الغُموض حول الظّروف التي أحاطت بها، وأكّدت للكَثيرين، ونَحن منهم، أن الرجل، أي السيد الحريري، يَتحدّث في سياقٍ قد يَكون أُملي عليه.
السيد الحريري سَيكون في مَوقفٍ صَعب في كُل الحالات، فإذا عادَ إلى لبنان وكَرّر ما قاله في المُقابلة، فإنّه سَيُوصف بأنّه يقود مشروع “فِتنة” في لبنان، وإذا قال عَكسه، ونَفّض يَديه من كُل كلمة، أو هُجوم على “حزب الله”، فإنّ هذا يَعني قَطع علاقته نهائيًّا مع الحَليف السّعودي والخَليجي، ودَفْعه إلى الانتقام بترحيلِ جميع اللبنانيين بطُرقٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة، واستخدام هؤلاء كوَرقةِ ضَغطٍ، وحياتِه ربّما تكون مُهدّدة أكثر من أيِّ وقتٍ مَضى، لأن للسعوديّة “بُدلاء” و”ميليشيات” في لبنان، قد يَنقلبون عليه كردٍّ على انقلابه عليهم.
الخيار الأسلم بالنّسبة إلينا، وكُل من يَتعاطون مع هذهِ الَمسألة، هو الانتظار طالما أنّه أكّد، أي السيد الحريري، لن يَطول أكثر من ثلاثة أيّام.
احتمالات بقاء السيد الحريري في الرّياض، أو الانتقال إلى باريس كحلٍّ وَسط، وهو الأكثر تَرجيحًا في نَظرنا، هذا يَعني أن الرجل يعيش مِحنة حقيقيّة، لا نعرف كيف سيَتجاوزها بالحَد الأدنى من الخَسائر.

التعليقات معطلة.