بعد أشهر على «إعلان هامبورغ» الأميركي ــ الروسي حول اتفاق «تخفيف التصعيد» في الجنوب السوري، عاد رئيسا البلدين ليضعا، في بيان مشترك، جملة من التفاهمات حول مسار «التسوية السياسية»، أعادت تعريف محادثات جنيف كطريق وحيد للحل. ومن دون إقحام أي تفاصيل عن عملية انتقال سياسي مسبق، اكتفى البيان بالتأكيد على القرار الأممي 2254 كمرجعية رئيسية تقود إلى تعديل دستوري وانتخابات
حمل اليومان الماضيان تطورات لافتة في المشهد السوري، على الجانبين الميداني والسياسي، ما بين معارك مدينة البوكمال الحدودية والبيان المشترك الذي خرج عن الرئيسين الأميركي والروسي من فييتنام؛ بشأن رؤية البلدين المتفق عليها لحل النزاع، الذي تضمن نقاطاً مهمة حول مسار التسوية السورية، تعكس تغيرات لافتة في مقاربة واشنطن لطبيعة الحل السياسي.
فقد تمكنت جماعة “داعش” الوهابية من العودة إلى داخل مدينة البوكمال، عبر هجوم واسع شنته ضد الجيش السوري وحلفائه هناك. وشهدت أحياء المدينة الجنوبية اشتباكات عنيفة بعد دخول “داعش” الوهابية إلى أحيائها الشمالية، إثر انسحاب وحدات الجيش وحلفائه تحت ضغط هجمات الجماعة التكفيرية، التي استخدمت خلالها عدداً كبيراً من المفخخات والانتحاريين. التراجع الأخير للجيش أفضى إلى تمركزه على أطراف المدينة الجنوبية والشرقية، وسط استمرار الاشتباكات في المناطق المحاذية لها من الجنوب الغربي. وكثف سلاح الجو غاراته الجوية على مواقع “داعش” الوهابية داخل البوكمال، وفي ريفها الغربي الملاصق لنهر الفرات، بالتوازي مع تحرك مقابل للجيش على جبهة الميادين باتجاه الجنوب الشرقي، على أطراف البادية المحاذية لقرى وادي الفرات من الجنوب. وتمكن من التقدم لمسافة تزيد على 10 كيلومترات، على هذا المحور. ويهدف هذا التحرك المدعوم بقوة نارية كثيفة، الى إشغال “داعش” الوهابية على جبهتين مختلفتين، بما يخفف من زخم المعارك في البوكمال، ذات الأهمية الاستثنائية. وفي موازاة ذلك، سيطرت ما تسمى “قوات سوريا الديموقراطية” على ناحية البصيرة على الضفة الشمالية لنهر الفرات.
وأتت التطورات الأخيرة في الشرق، بالتوازي مع بيان مشترك صدر عن الرئيسين الأميركي والروسي، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، بعد اجتماعهما على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) المنعقد في فييتنام. البيان اللافت في مضمونه؛ كرّس التفاهمات بين موسكو وواشنطن، التي أفرزت اتفاقات منع التصادم حول نهر الفرات وفي البادية قرب التنف؛ كما اتفاق تخفيف التصعيد في الجنوب. كذلك، أعاد اصطفاف البلدين خلف مسار المحادثات في جنيف، كأساس لأي حل في سوريا. إذ أكد البيان المشترك أنه “لا حل عسكرياً للنزاع في سوريا”، وأن الحل السياسي من خلال مسار جنيف وفق القرار 2254. وذكّر فيه الطرفان بتصريحات الرئيس السوري بشار الأسد حول التزامه بـ”عملية جنيف وتعديل الدستور والانتخابات” وفق مضمون القرار 2254. ومن اللافت أنه لم يحدد طبيعة الانتخابات المقصودة بالنص، وخاصة أن الأسد كان قد تحدث عقب استقباله رئيس الوفد الروسي إلى أستانا ألكسندر لافرينتيف، في دمشق، عن انتخابات نيابية فقط.
كذلك أكد الطرفان الالتزام بـ”سيادة ووحدة واستقلال سوريا، ولاطائفيتها». ودعوَا كل الأطراف السورية إلى المشاركة في عملية جنيف ودعم الجهود لإنجاحها. وطالب البيان بـ”التطبيق والالتزام الكامل بالقرار الأممي، بما في ذلك التعديل الدستوري والانتخابات الحرة والعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة ووفق أعلى معايير الشفافية الدولية، مع مشاركة جميع السوريين المؤهلين لذلك، بمن فيهم من في المهجر (اللاجئون)”. ويبدو هذا البند بعيداً عن طرح إقرار دستور جديد للبلاد، لكونه اكتفى بالحديث عن تعديل للدستور الحالي.
وعلى الجانب الميداني، أوضح البيان تفاهم الطرفين حول “تعزيز قنوات التواصل العسكرية المفتوحة بين الخبراء العسكريين، لضمان سلامة القوات الروسية والأميركية ومنع تصادم القوات الشريكة التي تقاتل ضد “داعش” الوهابية، وإكمال تلك الجهود حتى هزيمة الجماعة التكفيرية بالكامل”. وذكر أن بوتين وترامب ناقشا “أهمية مناطق تخفيف التصعيد التي تم التوصل إليها، في تخفيف العنف وإيصال المساعدات، وإنفاذ وقف إطلاق النار”. واستعرضا اتفاق “تخفيف التصعيد” الخاص بمنطقة الجنوب السوري. ورحب البيان بمذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها في الثامن من تشرين الثاني في عمان، بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة، بشأن “اتفاق الجنوب”. وأكد على أن مراقبة هذا الاتفاق سوف تستكمل عبر مركز المراقبة في عمان، بمشاركة فرق خبراء؛ أردنية وروسية وأميركية. وأشار إلى أن هذه المذكرة سوف تعزز تنفيذ بنود الاتفاقية، بما في ذلك “تضمين تحييد كل القوى الخارجية والمقاتلين الأجانب من المنطقة، لضمان استقرار السلام”.
وتركز النقطة الأخيرة على المطالب الإسرائيلية ــ الأردنية الخاصة حول الاتفاق، والتي تنضوي على انسحاب مقاتلي حزب الله وأي قوات إيرانية وعراقية، من مسافة محددة عن حدود الأردن والجولان السوري المحتل. وكانت هذه النقطة مثار اهتمام الكيان الاسرائيلي الذي بدا غير راض عن مضمون اتفاق “تخفيف التصعيد” المعلن، إذ كثّف نشاطه الدبلوماسي مع موسكو وواشنطن، لضمان مراعاته مصالحه هناك.
واستجلب الحديث عن مذكرة التفاهم الجديدة استجابة إسرائيلية سريعة، إذ أعرب وزير التعاون الإقليمي تساحي هنجبي، عن وجود “شكوك” تجاه الاتفاق، مضيفاً للصحافيين إنه “لا يحقق مطلب إسرائيل الذي لا لبس فيه، بألا تحدث تطورات تأتي بقوات حزب الله أو إيران إلى منطقة الحدود في الشمال”. في موازاة ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، قوله إن روسيا وافقت على “العمل مع الدولة السورية على إبعاد قوات مدعومة من إيران إلى مسافة محددة” من هضبة الجولان المحتلة، فيما لم تعلّق موسكو حول هذه النقطة.