أغرب سرقات العراق بالوثائق… هل دخلت فضيحة مليارات الضرائب بازار تشكيل الحكومة؟
23-10-2022 | 05:30 المصدر: النهار العربي
المبلغ الهائل نُقل نقداً بشاحنات من مقرّين لمصرف الرافدين.
A+A-بغداد – أحمد حسين:
ربما لم يتطلب اكتشاف “السرقة الأغرب في تاريخ العراق” أي استقصاء كما يقول وزير المالية العراقي (الموقّت ثم المستقيل) إحسان عبد الجبار، إلاّ أنّ حجم الفضيحة الجديدة وتوقيتها فتحا باب التساؤلات واسعاً حيال المتورطين والمستفيدين الحقيقيين، فضلاً عن تأثير الملف على معادلة تقاسم السلطة خلال المرحلة المقبلة.
وبالنظر إلى تفاصيل الواقعة التي وصفتها حكومة تصريف الأعمال بـ”جريمة خيانة الأمانة”، فإنّ الأموال الطائلة التي بلغت نحو 2.5 ملياري دولار قد نقلت بالعملة العراقية، يدوياً، بواسطة شاحنات من مقرّين لمصرف الرافدين في العاصمة بغداد لصالح خمسة أطراف، وفق صكوك رسمية أصدرتها هيئة الضرائب وخلال وقت قصير جداً، في مؤسسات يتطلب إنجاز ملف تقاعد موظف صغير فيها أعواماً في بعض الأحيان.
ويشي تتبع الأحداث وتدقيق الوثائق الرسمية، بتورط شبكة واسعة تضم مسؤولين تشريعيين وتنفيذيين كباراً في الواقعة التي استمرت على مدى نحو عام.
ضربة البداية!تبدأ القضية بطلب رسمي رفعه رئيس اللجنة المالية للدورة السابقة في البرلمان هيثم الجبوري بتاريخ 13 تموز (يوليو)، يتلخص بمقترح لإلغاء دور ديوان الرقابة المالية ضمن إجراءات تدقيق صرف أمانات هيئة الضرائب، التي تعود معظمها إلى شركات عاملة في القطاع النفطي، موجهة إلى وزارة المالية، ثم موافقة وزيرها آنذاك علي عبد الأمير علاوي استناداً إلى سلسلة مخاطبات بين مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وديوان الرقابة المالية.
وتنص إحدى المخاطبات الصادرة عن ديوان الرقابة، على أنّ الأخير “يؤيد” ما جاء في مقترح الجبوري الذي تولى بعد انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي مهمة مستشار الكاظمي للشؤون الفنية.
في الأثناء، كان المشتبه في تورطهم، بوصفهم “واجهات أطراف سياسية نافذة”، قد انتهوا من أوراق تسجيل شركات وهمية برأس مال لا يتجاوز 680 دولاراً لكل واحدة، حيث تقول أطراف برلمانية إنّ “منفذي السرقة” كانوا على اطلاع مباشر ودقيق بكل ما يتعلق بحركة المال في حساب أمانات هيئة الضرائب.
وتكشف جردة حساب صادرة عن وزارة المالية أنّ رصيد الأمانات سجل طفرة في الأشهر الأولى من عام 2021 بمبلغ فاق 3.8 تريليونات دينار عراقي، في أعلى ارتفاع على مدى سنوات، قبل أن تبدأ “عملية السرقة المنظمة” عبر 247 صكاً بعشرات المليارات حررتها لجنة بإدارة رئيسين لهيئة الضرائب هما سامر عبد الهادي الربيعي وخلفه أسامة حسام جودة الذي أعفي إثر الفضيحة.
قائمة طويلةومع أنّ وثائق أخرى متعلقة بالقضية، إحداها صادرة عن هيئة النزاهة، تكشف عن مؤشرات مبكرة في شأن شبهات تشوب إجراءات صرف المبالغ الهائلة، فإنّ التحقيقات الفعلية استغرقت أكثر من عام لتبدأ من أروقة القضاء بمذكرات استقدام وأوامر حجز أموال، وفق أطراف في اللجنة المالية تحدث إليهم “النهار العربي”. وبخلاف قائمة المتهمين الأساسية التي تضم 12 اسماً مرتبطين بالشركات الخمس، ومسؤولين وموظفين في هيئة الضرائب ومصرف الرافدين، اتسع الحديث مع مرور أيام على تفجر قضية، ليدور عن “شبكة مافيات” تضم شخصيات بارزة ورؤساء سلطات وزعماء ومستشارين فاعلين.
في المقابل، أصدر علاوي بياناً مطولاً يخلي فيه مسؤوليته عن وقائع القضية، ويبرر الموافقة على مقترح صرف الأمانات الضريبية دون تدقيق من ديوان الرقابة المالية بـ”تأييد مكتب الكاظمي والديوان مقترح حصر الإجراءات بهيئة الضرائب”، قبل أن يصدر شخصياً أمر إيقاف الصرف في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، حيث تجاهلته الهيئة بـ”وقاحة بسبب الولاء لجهات حزبية متنفذة تسترزق من حيتان الفساد وتوفر الحصانة للفاسدين”، على حد تعبيره.
الوزير أشار أيضاً إلى مذكرة استقالته التي تحدث فيها عن تغلغل شبكات الفساد واستحالة إصلاح مؤسسات الدولة في ظل النظام القائم، داعياً في الوقت ذاته إلى تدقيق حسابات الأمانات الأخرى في الدولة، ومن بينها حسابات هيئة الجمارك.