«البوكمال» تلتهم جامعة الدول العربية

1

بقلم : د. وفيق إبراهيم

بين تحرير مدينة البوكمال السوريّة من الإرهاب «الداعشي» والمستثمرين به، واجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة نقاط مشتركة لارتباطهما بالصراع المندلع في أكثر من دولة في «الشرق الأوسط».

الحدثان متشابهان أوّلاً في تجسيدهما حركات سياسية وعسكرية تعبّر عن قناعاتها في أزمات المنطقة، فالجيش السوري مع تحالفاته الإيرانية والروسيّة وحزب الله ومنظمات شعبية أخرى، هاجموا آخر مدينة سوريّة على الحدود مع العراق وحرّروها من إرهاب «داعش»، بالتزامن مع اجتماع وزراء الخارجية العرب الذين يريدون استصدار بيان يدين إيران وحلفائها بالإرهاب.

وهذه أكثر من فضيحة سياسية، لأنّ إيران تُعتبر طرفاً أساسياً لا يزال يسهم حتى الآن في دعم الدول الوطنية العربية في الحرب على «داعش»، والإسهام الإيراني ليس بالسلاح والمال فقط، بل أيضاً بالرجال والمنظمات والسياسة. فهل تستحقّ الإدانة أم الشكر؟! وعمّاذا يكشف هذا التناقض إذن؟

بالتحليل البسيط، يتبيّن أنّ هناك جهات غضبت لهزيمة الإرهاب وتريد فرملة الانتصارات. وبالمنطق البسيط أيضاً، نسأل عن هوية الذين نقلوا آلاف الإرهابيين من الرقة إلى الميادين والبوكمال… وصولاً إلى شرق الفرات؟ عودوا إلى الأقمار الاصطناعية الروسية التي كشفت عن المظلّة الجوية التي وفّرها الأميركيون لـ «داعش» والقاعدة، كما يمكنكم الاستنتاج من تصريحات الرئيس السابق لحكومة قطر حمد بن جاسم الذي اعترف أنّ السعودية وتركيا وبلده قطر، بتكليف أميركي، سلّحوا وموّلوا ودرّبوا فاتحين الحدود مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان أمام مئات آلاف الإرهابيين المعبّئين بإيديولوجيات فقه إسلاموي وهابي متطرّف، مقرّاً أيضاً بأنّ «إسرائيل» لا تزال تدعم هؤلاء الوهابيين والقاعديين حتى اليوم.

على مستوى العراق، يكفي أنّ الحشد الشعبي الذي تأسّس بناءً على توصية المرجعية الدينية العليا فيه، وتسلّح وتدرّب على أيدي مستشارين عراقيين، ولولاه لما تحرّر العراق ووصل جيشه إلى مدينة راوه قرب الحدود السوريّة. اسألوا عن آلاف الشهداء من الحشد الشعبي الذين روت دماؤهم أرض الرافدين، وكانوا يتعرّضون لثلاثة أنواع من المصاعب: الإرهاب «الداعشي» والعراقيل الأميركية، والنفخ السعودي في الفتنة السنّية الشيعية، وتمويل أدواتها لإحداث أكبر عمليات تفجير في مدى أرض الطفّ بكاملها.

لطهران إذن مكرمات فعلية لا علاقة لها بالتسوّل في سورية والعراق وصمود اليمن، وماذا عن لبنان؟!

مدّوا حزب الله بالسلاح والأموال والمستشارين لتحرير جنوب لبنان في 2000 و2006، وساندوه في قتاله في سورية لأربع سنوات متتالية، وأنجدوه في حربه على الإرهاب في أعالي شرق بعلبك. أهكذا يكافئ العرب أصدقاءهم؟! بإصدار بيانات تتّهمهم بالإرهاب؟

وهكذا يتّضح أنّ السياسة الأميركية والموالين لها في الخليج و«إسرائيل»، كانوا يراهنون على نجاح الإرهاب في دكّ مفاصل الدول الوطنية في المنطقة، فهذا يتيح لهم تفتيت المنطقة على قاعدة سايكس بيكو جديد يستولد دولاً قزمة لا تملك من أمرها شيئاً، ويجري «رسنها» من قِبل البيطار الأميركي. ولأنّ إيران شكّلت القاعدة الأساسية في مقاومة الدول والمنظمات الشعبية من اليمن والعراق، إلى سورية ولبنان، إلى درجة المشاركة المباشرة، وجدت السعودية أنّ ضرب نفوذها يتمّ باستهداف تحالفاتها في المنطقة من أنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في سورية ولبنان.

ولكشف علاقة الرياض بالإرهاب، نعيد التذكير بأنّ القاعدة في اليمن تقاتل أنصار الله المستهدَف أيضاً من الجيش السعودي، وكذلك الحشد الشعبي الذي تقاتله «داعش» ويهاجمه الجيش الأميركي أيضاً. أمّا حزب الله المجاهد على مساحات سورية والعراق، فتقف «إسرائيل» وواشنطن والسعودية على درجات العداء نفسها منه، وتضعه على لوائح الإرهاب، وتحارب بالغارات والعمليات الإرهابية ودعم أعدائه مادياً.

لذلك، ليس غريباً أن تضمّ قاعدة التنف الأميركية بين الأردن وسورية قوات أميركية و«داعشية» في آن معاً، وليس عجيباً أن نلمح بأمّ العين عشرات آلاف الإرهابيين يمرّون من حدود الأردن وتركيا برعاية أشقائهم من جهازي المخابرات الهاشمية والعثمانية، وتحت مظلّة الأميركيين و «الإسرائيليين».

وبالعودة إلى العلاقة بين «نصر» البوكمال و «عار» الجامعة العربية، يجب التنبّه إلى أنّ النصر في البوكمال هو إعلان بدء التنسيق بين سورية والعراق، وذلك بعد إزالة القسم الأكبر. وهذا دور عربيّ عام للبلدين ينطلق من شبه استقرار داخلي فيهما، بعد انكفاء «داعش» إلى بؤر صغيرة في البلدين.

وله أيضاً أبعاد خليجية وتركية، لأنّه يزيد من متانة البلدين إزاء تدخلات الوهابيين والعثمانيين المذهبية والطائفية والعرقية. أمّا لجهة الإقليم، فإنّ قوة الحلف العراقي السوري الإيراني تصبح أكثر صلابة في وجه «إسرائيل» والنفوذ الأميركي.

وهناك مَنْ يعتقد أنّ لتحرير المدينة السوريّة أبعاداً في الصراع لإلغاء الأحادية الدولية، أيّ تحجيم الهيمنة الأميركية على العالم عبر تدشين الخط السوري العراقي الإيراني الروسي الذي يعتبره الخبراء أقوى خط عسكري سياسي اقتصادي في العالم من شأنه جذب الصين والهند ودول بريكس وشنغهاي.

الأمر الذي يعيد نظام التعدّد المرجعي إلى العالم متيحاً العودة إلى القانون الدولي. أمّا لجهة الجامعة العربية، فلن يؤدّي اجتماع وزراء خارجية بعض دولها إلا لإصدار بيان مجهّز سلفاً، قد لا يقرأه معظم مَن وقّع عليه من دول عربية مربوطة بالسلاسل الأميركية وتعمل بالأجرة عند السعودي، وهو أيضاً بيان لا نتائج له سوى رميه في أقرب سلة مهملات، لأنّه لا يجيد قراءة موازين القوى ومصلحة العرب، ويعاكس حركة التاريخ مؤثراً الإقامة في القرون الوسطى للحيلولة دون الحداثة.

التعليقات معطلة.