المجمعات السكنية باب لغسل “الأموال القذرة” في العراق
أجندات مشبوهة ورشى وفساد يطاول سوق العقارات وأسعار خيالية للهرب من العقوبات الأميركية
شذى العاملي صحافية عراقية
أسلوب السكن العمودي لا يحظى بإقبال أو رغبة لدى المواطن العراقي (اندبندنت عربية)
انعكست جريمة غسل الأموال بشكل سلبي على العقارات في العراق، مما أدى إلى ارتفاع خطر في أسعار العرض. وعلل المحلل السياسي من جامعة النهرين سلمان الأعرجي الأمر بأن “الأزمة المالية التي تعرض لها العالم، لا سيما الدول التي تستضيف الأموال المهربة من العراق تحت عناوين وأسماء متعددة أجبرت مهربي هذه الأموال على العودة بها إلى البلاد، لكن بوسائل مختلفة واستثمارات عقارية، سواء عبر شراء العقارات أو بناء المجمعات السكنية“.
وأضاف الأعرجي أنه على رغم أن أسلوب السكن العمودي لا يحظى بإقبال أو رغبة لدى المواطن العراقي، فإن المتابع لأسعار الشقق السكنية يلاحظ ارتفاعاً غير منطقي فيها، مما يدل على أن “أسعار العقارات المرتفعة تخبئ وراءها أجندات مشبوهة، الغاية منها إعادة دخول الأموال المهربة بأطر شرعية عبر بناء مجمعات سكنية بحجة معالجة مشكلة السكن”.
عقوبات أميركية
يؤكد موظف في دائرة العقارات (رفض الكشف عدم اسمه) أن “كل ما يدخل تحت اسم غسل الأموال له علاقة بملف العقوبات الأميركية، لصعوبة تحويل هذه الأموال إلى خارج البلاد، فضلاً عن تشديدات البنوك والرقابة والائتمان، حيث تقتصر قيمة الحوالات الخارجية بـ 10 آلاف دولار مع التشديد على تبرير أسبابها”. وأضاف أنه في “حال كانت المبالغ عن بيع عقارات أو ما شابه، فيتم إيداع المبلغ مصرفياً بعد فتح بيان تسجيل صادر من جهة حكومية يرفق بعقد البيع وكتاب إشعار من التسجيل العقاري للمصرف يوضح فيه أن الشخص يملك عقاراً، وباعه بثمن مثبت، وهذا سبب التحويل”.
وأوضح أن “هذه جميعها إجراءات معقدة وعقيمة، وبسببها تتأخر الحوالة من الرقابة الخارجية، ويخشى بذلك من تمويل الإرهاب، ولائحة العقوبات الأميركية”، مما جعل أصحاب “الأموال القذرة” يلجأون إلى طرق احتيال داخل البلد لغسل الأموال، بالبحث عن مقترحات أو خيارات لتصبح أموالاً نظيفة (Dirty money to Clean money)، والمجمعات السكنية هي أحد الخيارات لغسل الأموال، ببساطة يأتي المستثمر لتمويل المشروع بـ”الأموال القذرة” وينتظر أرباحه بعد شراء الوحدات السكنية من المواطنين لتعود إليه بعد ذلك أموالاً نظيفة.
مخالفة واستغلال
يقول رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة محمد الربيعي “تبرز المؤشرات التي تثير شبهة غسل الأموال في ارتفاع أثمان الوحدات السكنية المعروضة للبيع، كما يبدو عليها البذخ واضحاً، فمن غير المعقول أن يسكن هذه المجمعات موظفون حكوميون مدخولهم الشهري محدد، أو ناس بسطاء، ولا يمكن أن تقارن أسعار وحداتها السكنية بأسعار الأحياء السكنية المجاورة لها”.
ويضيف، “نجد أن معظم القاطنين في هذه المجمعات السكنية هم من العاملين لدى أصحاب هذه المجمعات السكنية، ويعملون في مشروعات أخرى تحوم حولها شبهات غسل الأموال كمطاعم الدرجة الأولى والمولات ومراكز التجميل”، لافتاً أن معظم مالكي المجمعات السكنية هذه يمتلكون مصارف خاصة تحوم حولها الشبهات أيضاً.
ويؤكد الربيعي أن هذه المجمعات تشهد مخالفات في عقودها المبرمة مع الجهات الحكومية، على سبيل المثال، الملفات التي نظرتها هيئة النزاهة، أخيراً، منحت الشركات المستثمرة الأراضي التي أقيمت عليها المجمعات بقيمة واحد في المئة من سعرها الحقيقي أو السعر المقدر، فإذا كان سعر المتر الواحد 10 آلاف دينار (أي ما يعادل (سبعة دولارات) تبيعه الشركة المستثمرة للمواطن بقيمة ألف دولار، وهذه “مخالفة واستغفال” وتواطؤ لاستغلال أموال الدولة.
ويشير إلى أن هناك إجراءات بصدد معالجة هذه الثغرة، لكن ما حدث أن هذه المجمعات تمنحها الدولة بموجب قانون الاستثمار بنسبة واحد في المئة من سعرها التقديري، وقد أثري المستثمرون بشكل فاحش من خلال استغلال حاجة المواطنين، موضحاً أن معظم ساكني هذه المجمعات من الموظفين تثار حولهم شبهات، لعدم إمكانية أي موظف الحصول على قرض من المصرف العقاري لامتلاك شقة بهذه المجمعات السكنية، فقد وصل سعر بعض الشقق بمجمعات معينة إلى نصف مليون دولار، فكيف لموظف بسيط أن يجمع أو يقترض من صندوق الإسكان التي لا تتجاوز قروضها الـ150 مليون دينار، ما يعادل مئة ألف دولار؟
استغلال نفوذ ووساطة
عن الإجراءات المتبعة لإنجاز هذه المشاريع لفت الربيعي أن مقدم الطلب هو من يحدد الأرض مسبقاً وبالتنسيق مع الجهات الإدارية والمؤسسات القطاعية المتخصصة المطلوب الحصول على موافقاتها، وقد لا يملك مقدم الطلب الكفاءة المالية، لكن يمكنه استغلال النفوذ والوساطة والمحسوبية ليحصل من خلالها على إجازة استثمار لهذه الأرض.
اقرأ المزيد
- العمالة الأجنبية في العراق حضور قوي رغم تفاقم البطالة
- متى يتفاوض العراق مع الكويت وإيران لترسيم حدوده البحرية؟
- هل ينهار الأمن في العراق في ظل حكومة المحاصصة؟
- التجنيد الإجباري في العراق… تنمية عسكرية أم عسكرة مجتمعية؟
وأضاف أن معظم المستثمرين يبيعونها إلى أشخاص آخرين بمبلغ 2-5 ملايين دولار، لأنه أنفق رشى أو “إكراميات” من أجل الحصول على الإجازة الاستثمارية التي تسير بإجراءاتها بين المحافظات، ومن ثم هيئة الاستثمار الوطنية وأمانة بغداد ودائرة التخطيط العمراني ووزارة البيئة.
ويأسف الربيعي بقوله “إنه هدر لأراضي الدولة واستغلال بشع لأموالها لأن حصول المستثمر على قطعة الأرض بقيمة بسيطة ثم يبيعها بأضعاف ثمنها هو كارثة كبيرة”.
وقال، “عقدت الحكومة العراقية السابقة مؤتمراً لاسترداد الأموال المنهوبة، وإحدى الطرق في تهريب الأموال تعرف بغسل الأموال، لكن حتى الآن العراق غير جاد في مكافحة هذه القضية، وما زالت بعض الشركات التجارية ممن لديها مصارف خاصة تقدم فواتير وهمية من أجل الحصول على العملة الصعبة من البنك المركزي من خلال نافذة مزاد العملة، لتهريبها إلى الخارج بحجة الاستيراد، وتعد هذه كارثة كبيرة تحتاج إلى مراجعة وتعديلات للقوانين النافذة، وتجريم هذه الأفعال كي لا تبقى مجرد مخالفات وجنح يعاقب عليها بالغرامات والحبس، بل تكون عقوباتها قاسية تتلاءم مع حجم الجرم المرتكب لتكون رادعة.
إثبات مصدر التمويل
في المقابل، قال المدير العام لهيئة الاستثمار سالار أمين إن هيئة الاستثمار في المحافظات ضمن القانون رقم 13 لسنة 2006 ينص على أن جميع القطاعات مشمولة بالاستثمار ما عدا (الاستخراج والاستكشاف والمصارف) ونحن نعتمد على المستثمر الذي يقدم دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وخطة التمويل المالي، وخطة تنفيذ المشروع، ودائماً ما نؤكد على معرفة مصادر التمويل، وعلى المستثمر أن يثبت مصادره، سواء كانت عن طريق البنوك الحكومية أو الأهلية أو عن طريق مصادر أخرى مثل أصحاب المصانع .
وبيّن أمين أنه بعد الاطلاع على الأوراق المقدمة، وبعد أن ترسل إلى الجهات المالية للتأكد من صحة صدورها ونتسلم شهادة بالمصادقة على وجود القدرة المالية لتمويل المشروع، حينها نمنحه إجازة الاستثمار.
وأضاف، “أثر الاستقرار الأمني في بغداد الآن مقارنة بالأعوام الماضية على ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وارتفع الاقتصاد العراقي بسرعة عجيبة نتيجة ازدياد سعر النفط الذي تجاوز الـ100 دولار للبرميل في الوقت الذي بيع بـ50 دولاراً قبل ثلاث سنوات، مما زاد في دخل المواطن، وأثر على نهوض الحركة التجارية بالقطاعين العام والخاص، وهناك ما يزيد على الـ100 ألف تاجر موزعين في أنحاء البلاد”.
جدوى اقتصادية
وأوضح أمين عن واقع الحال “نتأكد من اعتماد المباني الحاصلة على إجازة استثمارية على مصادر تمويل، كمؤسسات يصرح عنها المستثمر”، مثال ذلك حين يقول أحد المستثمرين، “أنا أستطيع تمويل ما قيمته 20 في المئة من معاملي الخاصة، ولدي حساب في المصرف ويدخل في حسابي سنوياً ملايين الدولارات”، منهم تجار الأغذية والمواد الكهربائية، فضلاً عن البنوك التي تكشف عن الجدوى الاقتصادية وفائدة المشروع للبلد ويبين استرداد مبلغ كبير لصاحب المشروع وجهوزية للتمويل مباشرة.
القائمة السوداء
وعن غسل الأموال في العراق، أكد أمين وجود هذه الظاهرة بنسبة لا تزيد على 5-6 في المئة. وقال، “إنها موجودة في كل بلدان العالم بنسبة أكبر ولا يمكن السيطرة عليها”. وأضاف، “لدينا جهة رقابية مرتبطة بالبنك المركزي ونبحث عن مصدر تمويل كل مستثمر، وهي مثبتة بالأوراق، ولدينا جهة متابعة لتنفيذ المشروع ونسبة الإنجاز وكمية الصرف ولائحة تقدير الربح، وإلا فيوضع اسمه على القائمة السوداء”.
المصرف عادة يحاسب زبائنه عن مصدر الأموال الداخلة، لكن حين يدخل الرصيد في حساب المواطن يصبح رسمياً. ولا تقبل هيئة الاستثمار بالمستثمر الذي يحمل المبالغ “الكاش” المخبأة في المنزل، إذ يجب أن تدخل عن طريق مؤسسات مالية أو مصلحة أخرى لتمويل المشروع، فلو فرضنا أن أحد المستثمرين لديه “معمل أسمنت” ويود تمويل مشروعه، فنباشر أولاً بالتأكد من عائد المعمل له، ودخول مبالغ شهرية كافية في حسابه البنكي، ويحجز على البنك في حال أعطى معلومات خاطئة لأنه يتحمل المسؤولية عن التمويل.
ارتفاع خيالي
يعتقد أمين أن ارتفاع أسعار العقارات في بغداد خيالي، لكن بباقي المحافظات لا تزال تحافظ على نسبة أسعار معقولة، ويعزو ذلك إلى الطلب الكبير في بغداد وقلة المجمعات. وأضاف، “عندما يتحقق الاستقرار الأمني والسياسي في العراق ستعود دوائر الدولة ومؤسساتها لممارسة عملها بالشكل الطبيعي، فالاستقرار الأمني يؤثر على جميع النواحي ومنها الناحية الاقتصادية”.
ووصف النظام المصرفي في العراق بـ”الكارثي”، وقال إن فوائد البنوك الأهلية عالية جداً، سواء الصناعية منها أو الزراعية والتجارية، وحتى البنوك الحكومية نسبة فوائدها عالية، وهذه المصارف تستفيد من الموظف الفقير.
مليونا وحدة سكنية
ويوجه سالار سؤالاً إلى وزارة الإسكان والإعمار التي يقدر عمرها بـ50 سنة، كم مجمعاً سكنياً بنت هذه الوزارة في العراق؟ أين المدارس والمستشفيات الحكومية؟ نحن بحاجة إلى ثورة في الخدمات وإلى أن ندعم القطاع الخاص في كل المجالات. وقال، “الاستثمار في المحافظات أفضل منه في بغداد، أنجزنا خلال السنوات الـ10 الأخيرة أكثر من مليوني وحدة سكنية، وإن كانت أسعارها غالية”، مؤكداً، “لدينا حركة إعمار وبناء وخدمات وتشييد مدارس”.