1

تمجيد ثقافة الموت يوسع ظاهرة قتل الأقارب في مناطق سيطرة الحوثيين

مشرف حوثي يدرب أحد التلامذة في صف مدرسي على استخدام السلاح (تويتر)صنعاء: «الشرق الأوسط»

أدت الأفكار الحوثية المتطرفة إلى اتساع ظاهرة قتل الأقارب في مناطق سيطرة الجماعة الانقلابية، بالتزامن مع اعتمادها على تكريس ثقافة الموت وإتاحة تعاطي المخدرات لعناصرها؛ حيث وثقت شبكة حقوقية يمنية 161 حالة قتل وإصابة نفذها موالون للجماعة ضد أقاربهم، خلال فترة عامين، في 11 محافظة يمنية.

وحسبما وثقته مصادر محلية يمنية، شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً في هذه الظاهرة في مناطق عدة خاضعة للميليشيات الحوثية، بسبب ما تقوم به الجماعة من تمجيد ثقافة الموت، والحض على العنف والقتل والكراهية في أوساط أتباعها، إلى جانب الضغوط النفسية الناتجة عن توقف الرواتب وضيق المعيشة، بفعل الانقلاب وآلة الفساد، والحرب التي أشعلتها الميليشيات.

ويقول حقوقيون يمنيون إن الميليشيات الحوثية تواصل مساعيها منذ الانقلاب، في تعبئة وتفخيخ عقول الأطفال والنشء بأفكار مغلوطة، تخوّل لهم استباحة دماء كل من لا يمجّد زعيم الانقلاب، وإن كانوا من الأقارب.

– حوادث متكررة

وفي هذا السياق، سلط أحدث التقارير المحلية الضوء على عشرات من تلك الحوادث التي نفذها أتباع الجماعة ضد أقاربهم في نحو 4 محافظات يمنية، تسيطر عليها الميليشيات الحوثية، هي: إب، وحجة، وعمران، وصنعاء.

وتمثل أخير تلك الحوادث في محاولة مشرف حوثي بمديرية المخادر في محافظة إب تنفيذ محاولة اغتيال بحق والده السبعيني، بإطلاق عدة رصاصات من سلاحه نحوه كادت تودي بحياته.

وذكرت مصادر مطلعة في إب لـ«الشرق الأوسط»، أن القيادي الحوثي عيسى محمد الحبابي، أطلق رصاصات عدّة صوب والده في منطقة مفرق رهيش التابعة للمديرية نفسها؛ لكن الأخير نجا منها بأعجوبة.

وسبق تلك الحادثة بيوم، إقدام مسلح حوثي آخر على قتل شقيقه الأكبر رمياً بالرصاص، بمديرية الشغادرة في محافظة حجة، على خلفية نشوب جدال بينهما حول «الولاية» الحوثية.

وقال مصدر محلي في حجة، إن المسلح الانقلابي يدعى حسن علي سويد، ويعمل مرافقاً لقيادي في الجماعة يشغل منصب مدير مديرية الشغادرة في حجة؛ حيث أقدم بدم بارد على قتل شقيقه سويد علي سويد، بإطلاق أعيرة نارية نحوه، بعد نشوب خلاف حاد بينهما حول أحقية السلالة الحوثية في الحكم.

وكشف المصدر أن الميليشيات كافأت الجاني حيال دفاعه عن السلالة وزعيمها، برفض تسليمه إلى الجهات المختصة الخاضعة لها في المنطقة ذاتها، كما رفضت أيضاً تسليم جثة القتيل لأسرته لتتمكن من نقله إلى أحد المشافي في مركز المحافظة.

وتكراراً لوقائع قيام العائدين من دورات وجبهات الجماعة بقتل ذويهم، وتحديداً بمحافظة عمران (شمال صنعاء) التي تعد من أعلى المحافظات تسجيلاً للحوادث من النوع ذاته خلال السنوات والأشهر الماضية، شهدت المحافظة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إقدام عنصر حوثي على قتل والده في إحدى المديريات التابعة للمحافظة.

وأوضحت تقارير محلية أن المواطن مفلح الوادعي (47 عاماً) قُتل على يد ولده فارس، بعد خلاف دب بينهما في منزلهما الكائن بقرية الحزيز بعزلة وادعة، في مديرية بني صريم بعمران، عقب عودة الأخير من إحدى جبهات القتال بعد غياب دام نحو 3 سنوات.

وعزا مراقبون تصاعد حوادث قتل عناصر الميليشيات لأهاليهم إلى مواصلة الجماعة تفخيخ عقول عناصرها وغسل أدمغتهم بالأفكار الإرهابية، التي تجعلهم يقدمون على تصفية أقاربهم، لمجرد معارضتهم في الرأي أو انتقادهم الجماعة.

ويتهم حقوقيون يمنيون عناصر الميليشيات الحوثية بأنهم يقدمون على ارتكاب جرائمهم بسبب إدمانهم على المواد المخدرة التي تنتشر بكثرة، ويروج لها كثيراً في أوساط الميليشيات.

ويقول سمير -وهو اسم مستعار لناشط حقوقي في صنعاء- في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا النوع من الجرائم نتاج طبيعي للتغذية الحوثية الممنهجة لأتباعها من شريحة الشبان والأطفال، الذين استدرجتهم بمختلف الطرق والوسائل إلى صفوفها، وأقنعتهم عبر دورات طائفية وتحريضية بأن طاعة زعيم الميليشيات مقدمة على طاعة الوالدين وما دونها من الطاعات الأخرى».

ويؤكد أن «مضي الانقلابيين في مسلسل غسل عقول وأدمغة العناصر التابعين لهم، وجُلهم من الأميين، سيعمل على تفشي تلك الظاهرة على نطاق واسع، الأمر الذي سيزيد أيضاً من حدة العنف الاجتماعي والتفكك الأسري».

وفي حين رصدت تقارير يمنية كثيراً من هذه الحوادث، ذكر مصدر محلي في صنعاء أن مجنداً حوثياً يدعى عصام المقري، أقدم قبل أيام قليلة على قتل زوجته وعمته حرقاً في منزلهم الكائن بحارة الشعب في مذبح (شمال غربي صنعاء) فور عودته من دورة تعبوية كانت أجبرته الجماعة قبل 3 أشهر على حضورها.

وحسب هذه المصادر، فإن المسلح عمل فور وصوله المنزل بساعات الفجر على جمع زوجته وعمته داخل غرفة واحدة، وأشعل الحريق فيهما باستخدام البنزين.

– عشرات الجرائم

وكشفت شبكة حقوقية محلية في تقرير حديث لها، عن توثيق أكثر من 161 جريمة قتل وإصابة لمواطنين برصاص أبنائهم الأطفال المجندين لدى الميليشيات، في 11 محافظة خاضعة لسيطرة الميليشيات، تحت تأثير دورات الشحن والتعبئة الطائفية.

وأفادت «الشبكة اليمنية للحقوق والحريات» بأن تلك الجرائم توزعت بين 121 حالة قتل، و60 حالة إصابة، خلال عامي 2021 و2022.

وتصدرت إب قائمة المحافظات بواقع 17 جريمة، يليها ريف صنعاء بـ16 جريمة، ومثلها العاصمة صنعاء، ثم ذمار بـ14 جريمة، وتعز بـ10 جرائم، في حين سجلت محافظتا حجة وصعدة 9 جرائم لكل منهما. كما سجلت محافظات المحويت، وريمة، والبيضاء، 4 حوادث في كل محافظة، وتم رصد جريمة قتل واحدة في الحديدة.

وأكد التقرير قيام الجماعة بخداع الأطفال، وإيهامهم بأن الأقارب عموماً مجرد أعداء إذا لم يلتزموا بمبادئها وأفكارها ومشروعاتها، وأقنعتهم بأن طاعة زعيمهم مقدمة على طاعة الوالدين وما دونها من الطاعات الأخرى.

وأشار التقرير إلى أن الميليشيات «ترسخ في ذهن الجاني جملة من الأفكار والقناعات التي تحثه على أن الولاء للحوثي يقتضي البراء من عائلته وأقاربه، فضلاً عن كونه قد شارك في عديد من المعارك ضد الشعب اليمني، وانغمس في الدم وقتل الآخرين، إلى أن بات يستسهل القتل والعنف بحق أي فرد من عائلته، حتى وإن كان هذا الفرد زوجته أو طفله».

وطبقاً للشبكة الحقوقية، فإن مثل هذه الجرائم «لا تعد جنائية أو انحرافات فردية؛ بل ظاهرة خطيرة أفرزتها دورات الشحن والتعبئة الدموية والأفكار الإرهابية المتطرفة؛ حيث تقوم على ترسيخ العنف والفكر الإجرامي والتحريض على المجتمع، والتربية بالأحقاد والكراهية وتكفير غير المنتمين لها، واستباحة الدم، واستسهال قتل المخالفين، وربط الولاء لقيادة الحوثي بالبراءة من الأسرة والمجتمع».

التعليقات معطلة.