المستشار أولاف شولتس يقف أمام دبابة «ليوبارد» بحوزة الجيش الألماني (أ.ب)برلين: راغدة بهنام
تسبب رفض ألمانيا إرسال دبابات «ليوبارد» إلى أوكرانيا، بخيبة أمل كبيرة لدى كييف التي كانت تعول على اجتماع رامشتاين في غرب ألمانيا لإقناع برلين بتغيير موقفها. ولم تنجح الضغوط الدولية ولا الداخلية، ولا مناشدة اللحظات الأخيرة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي توجه لوزراء الدفاع المجتمعين في غرب ألمانيا، عبر دائرة الفيديو، طالباً الدبابات، ومتعهداً بأنها «لن تدخل إلى روسيا»، بل ستستخدم فقط داخل الحدود الأوكرانية المعترف بها دولياً.
ورغم أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي ترأس الاجتماع في القاعدة العسكرية الأميركية، رفض توجيه انتقادات علنية لألمانيا في المؤتمر الصحافي الختامي، فقد نقلت «سي إن إن» عن مسؤول رفيع في إدارة بايدن لم تسمه، قوله إن الألمان «وضعونا فوق صندوق بارود»، وإنهم يرفضون القبول بالحلول المقدمة من الطرف الأميركي مقابل إرسال الدبابات. ويعني هذا أن ألمانيا وضعت الولايات المتحدة وحلفاء أوكرانيا في موقف صعب ولم تترك لهم كثيراً من الخيارات. ويوحي كلام المسؤول الأميركي بأن التسريبات عن شروط ألمانيا بإرسال دبابات «ليوبارد» ألمانية الصنع إلى أوكرانيا مرتبط بإرسال واشنطن دبابات «أبرام» أميركية الصنع، صحيحة، رغم نفي وزير الدفاع والمتحدث الحكومي الألماني لذلك.
وتحاول واشنطن حث برلين على إرسال هذه الدبابات التي باتت أوكرانيا بأمس الحاجة إليها، بعد أن دُمرت أو تعطلت معظم دباباتها التي استخدمتها منذ بداية الحرب، وكانت بمعظمها دبابات سوفياتية الصنع أرسلتها إليها دول أوروبية من مخزونها. وحتى الآن، لم ترسل أي دولة دبابات غربية الصنع إلى أوكرانيا، ولم تتعهد إلا لندن بإرسال «تشالنجر» بريطانية الصنع إليها، التي قالت إنها سترسل إليها 14 دبابة منها.
ويطرح هذا الجدل أسئلة كثيرة، من بينها سبب تمسك أوكرانيا وحلفائها بها تحديداً، وسبب تردد برلين بإرسالها.
وقد أجابت برلين نفسها عن السؤال الثاني، عندما قال وزير الدفاع الألماني الجديد بوريس بيستوريوس، إنه «علينا التفكير بالنتائج التي قد تنجم عن إرسالها»، وهو ما عبر عنه كذلك الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير. وتتخوف ألمانيا فعلاً من رد فعل روسيا ومن إمكانية أن تعد ذلك تصعيداً في الحرب، تتسبب به ألمانيا مباشرة، ما قد يعرضها لـ«انتقام روسي». وتنبع هذه المخاوف من قدرة هذه الدبابات التي قد تحدث فرقاً على أرض المعركة، في وقت وصلت فيه الحرب إلى نقطة حساسة، وتتخوف فيها أوكرانيا من عملية روسية جديدة في الربيع.
وتعد دبابات «ليوبارد 2» من الأقوى في العالم، وتحل ثانية بعد دبابات «أبرامز» الأميركية، بحسب الخبراء العسكريين. ولكن تشغليها وصيانتها أسهل بكثير من الدبابات الأميركية التي تحتاج إلى وقود طائرات، فيما تحتاج الدبابات الألمانية إلى الديزل لتشغيلها وتقتصد أكثر في مصروف الطاقة من الدبابة الأميركية. وتتحدث واشنطن عن صعوبات تقنية في رفضها إرسال دبابات «أبرامز» لأوكرانيا، من بينها استهلاك الوقود الكبير والخاص وصعوبة صيانتها. وبدأ تصنيع دبابات «ليوبارد 2» في عام 1979 بألمانيا الغربية كدبابة قتال رئيسية يمكنها التصدي للدبابات السوفياتية أيام الحرب الباردة. ومقارنة بالدبابات الأخرى بريطانية الصنع والفرنسية والأميركية، تعد «ليوبارد» أخف وزناً وأسرع حركة ويمكنها أن تصيب أهدافاً أدق وأبعد. وتصل مسافة المدافع التي يمكن أن تطلقها إلى 5 آلاف متر.
وزير الدفاع البولندي أمام دبابة «أبرامز» الأميركية (إ.ب.أ)
وقد اشترت 14 دولة أوروبية هذه الدبابات التي تستخدم ضمن قوات «الناتو»، ما يعني أنها متوفرة بمخزون كبير في أوروبا، ما يسهل إرسالها إلى أوكرانيا. وأبدى عدد من الدول، من بينها بولندا وفنلندا وهولندا، رغبتها في إرسالها إلى أوكرانيا، ولكنها بحاجة للحصول على إذن من ألمانيا، الدولة المصنعة، التي بحسب العقود الموقعة، سيكون عليها السماح بإرسال الدبابات إلى دولة ثالثة.
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 1150 دبابة «ليوبارد» لدى الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا، فيما تطالب أوكرانيا بمائة منها، وتقول إنها ستكون كافية لردع الهجوم الروسي وشن هجمات لاستعادة أراضيها. ويقدر خبراء عسكريون أن تحتاج أوكرانيا 300 دبابة وليس 100، لكي تتمكن من صد ودفع الجيش الروسي. ومع ذلك، يحذر خبراء عسكريون من أن إرسال هذه الدبابات لن يكون «الحل السحري» لفوز أوكرانيا في الحرب، رغم اعترافهم بأنها ستحدث فرقاً على الأرض. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن الجنرال الأميركي المتقاعد بن هودجز، قوله إنه «لا يوجد حل سحري هنا، وليس هناك سلاح واحد يمكنه أن يغير في موازين المعركة بشكل كلي». ولكنه أضاف أن الدبابات الغربية يمكنها أن تلعب دوراً في المعارك إلى جانب الأسلحة المرسلة إليهم. ويقول محللون في ألمانيا إن دبابات «ليوبارد» إلى جانب مدرعات «ماردر» الألمانية لنقل الجنود، يمكنها بالفعل أن تحدث فرقاً على الأرض وتستخدم لتغطية المشاة الذين يتقدمون إلى جانب الدبابات باستخدام مدرعات «ماردر» لنقل الجنود.
ولم تقفل ألمانيا الباب نهائياً على إرسال الدبابات، وقالت إنها لم تقرر بعد، ولكنها رفضت تحديد أطر زمنية لقرارها. ولم يساعد خروج الخلافات الأميركية – الألمانية إلى العلن، بل يبدو أنها دفعت ألمانيا للتشدد أكثر بموقفها وعدم الانصياع للضغوط عليها. وقد تتخذ ألمانيا قرار السماح للدول التي لديها مخزون من دبابات «ليوبارد» بإرسالها إلى أوكرانيا قبل أن تقرر إرسال الدبابات من مخزونها، وذلك لأن مخزون الجيش الألماني من هذه الدبابات ليس كبيراً. وتقدر عدد الدبابات منها لدى ألمانيا بنحو 300 دبابة، رغم أن لديها في مخزونها نماذج أقدم أخرجتها من الخدمة. وأبدت أوكرانيا استعدادها للحصول على النماذج الأقدم، ولكن إعادة تأهيلها يتطلب وقتاً. وتناقلت وسائل إعلام ألمانية أن شركة الأسلحة المصنعة لديها 90 دبابة من النموذج الأول الأضعف والأقل فاعلية.
ويقول محللون في ألمانيا إن قرار إرسال الجيش الألماني الدبابات من مخزونه يضعه في مأزق لاستبدالها، وإن هذا سيتطلب وقتاً ويقف في وجه مشروع إعادة تأهيل الجيش الألماني الذي أقرته الحكومة بعد الحرب في أوكرانيا. وتقول شركة الأسلحة الألمانية المصنعة، التي صنعت أكثر من 3 آلاف دبابة منها منذ بدء تصنيعها في السبعينات، إن طلبات جديدة ستستغرق بين عام وعام ونصف العام لتسليمها.
ونقلت مجموعة صحف «فونكه» الألمانية عن الجنرال المتقاعد في الجيش الألماني هانس – لوثر دومروز، قوله إن الحكومة الألمانية قد تقرر إرسال دبابات «ليوبارد» من مخزون الجيش، ولكن عددها لن يتجاوز 14 كحد أقصى. وشككت النائبة إيفا هوغل العضوة في لجنة الدفاع والتي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي الحاكم، في إمكانية تخلي الجيش الألماني عن هذه الدبابات. وقالت لصحيفة «فرنكفورتر» إن الجيش لا يمتلك معدات كافية لاستخدامها.
ولكن فيما يدافع الاشتراكيون عن موقف شولتس، تزداد الانتقادات من الأحزاب الأخرى لتلكئه في اتخاذ القرار، منها الحزبان المشاركان في الحكومة «الخضر» و«الليبراليين». وقد دعت بالأمس رئيس لجنة الدفاع في «البوندستاغ» النائب ماري – أغنس شترك – زيمرمان التي تنتمي للحزب الليبرالي، إلى بدء تدريب القوات الأوكرانية على استخدامها، وبانتظار قرار المستشار أولاف شولتس، تفادياً لتضييع مزيد من الوقت، واصفاً قرار الرفض حتى الآن بالمؤسف. كما تحدثت بولندا أيضاً عن أنها ستبدأ بتدريب الجنود الأوكرانيين عليها، وبانتظار هي الأخرى قرار برلين، فيما طلب وزير الدفاع الألماني الجديد أن يجري الجيش جردة في مخزونه لتحديد عدد الدبابات من طراز «ليوبارد» لديه أيضاً، تفادياً لإضاعة مزيد من الوقت في حال قرر المستشار إرسال الدبابات أخيراً إلى كييف التي تطالب بها منذ مارس (آذار) الماضي.