علي العميم كاتب وصحافي سعودي
حاصر الشيوعيون واليساريون في العالم العربي، كتاب «الإله الذي فشل» في ترجمته الأولى (المعبود الذي هوى)، وفي ترجمته الثانية (الصنم الذي هوى)، بتشويه سمعته وتشويه سمعة مؤلفيه الستة، على رأسهم آرثر كوستلر. وكذلك فعلوا مع كتب مشابهة صدرت قبله وبعده باللغة الإنجليزية وترجمت إلى العربية.
هذه الكتب وكتب أخرى ألّفها مثقفون عرب مروا بتجربة شيوعية، كرّسوا نظرة عنها لدى القارئ بأنها كتب لا يعتد بها، بل ذهبوا إلى أنها كتب مخابراتية مشبوهة. لأنها تدخل في تصنيفهم العقدي في نطاق محظور ومحرم. هذا النطاق هو «معاداة الشيوعية». و«معاداة الشيوعية» عندهم هي فعل قبيح وشنيع ومجرّم، كما هو حال «معاداة السامية» في الغرب.
في التصنيف الموضوعي، تلك الكتب تقوم على فكر المراجعة؛ المراجعة السياسية والحزبية والآيديولوجية. ومع تغير موقف الشيوعي عبد الرحمن شاكر من آرثر كوستلر إلى موقف إيجابي بعد أن ألّف كتابه «القبيلة الثالثة عشرة»، لم أره يعلل احتفاءه بأطروحته في كتاب «القبيلة الثالثة عشرة»، ورفضه هو ورفاقه الشيوعيون العرب لعرضه تجربته الشيوعية في كتاب «الإله الذي فشل»، ولم يفصح عن أنه راجع موقفه السابق منه في ذلك الكتاب، وفي روايته «ظلام في الظهيرة».
يزعم مؤلف كتاب «تراجم أعيان الأسر العلمية في مصر» جلال محمد حمادة، أن عبد الرحمن شاكر تخلى عن شيوعيته في آخر حياته. قال هذا في ترجمته له.
يقول: «وكان له توجه ماركسي، ثم تراجع عنه في آخر حياته، وكان يحضر مجالس عمه الأستاذ محمود شاكر، وكان يجنِّب ولده فهر مجالسته؛ لكيلا يعكّر صفو فكره».
هذا الكلام غير صحيح، فليس في كتاباته في آخر حياته ما يوحي بتراجعه عن إيمانه بالماركسية.
وقوله: إن عمه كان يجنّب ولده فهر (فهر من مواليد عام 1965) مجالسته؛ لكيلا يعكِّر صفو فكره، معناه أن عمه يعرف أن ابن أخيه فوق كونه شيوعياً، هو مروِّج للشيوعية ومحتسب في الدعوة إليها بين أبناء عائلته الأقربين!
وكان أخوه زهير الذي يصغره بسنوات أول المستجيبين لدعوته الاحتسابية إلى الشيوعية.
المدهش أن عمه محمود شاكر مع تزمته الديني والأدبي والثقافي والآيديولوجي إلا أن شيوعية ابن أخيه عبد الرحمن شاكر لم تكدر صفو علاقته الحميمة به. فهو كان متصالحاً مع شيوعية ابن أخيه بسماحة ليبرالية، والليبرالية – كما هو مشهور – ليست من بين شيمه.
والمدهش – أيضاً – أن شيوعية عبد الرحمن شاكر لم تحل دون أن يكون في علاقة لصيقة بعمه، بل أكثر من ذلك هو يفعل مثلما يفعل بعض تلامذة عمه من كبار الدارسين بالدفاع عن ذلك التزمت وتبريره. فهو يلجأ إلى تأويلات متكلفة ويقاسم عمه قناعات لا تتناسب وصريح عقيدته الماركسية.
تصالح عمه مع شيوعيته أمر أشار هو إليه في مقاله الذي كتبه عنه. وهو مقال «الحرية… والثورة الحضارية».
يقول لمّا اعتنق الشيوعية: «دخلت معه في مجادلات لا آخر لها، فيها كل ما يخالف رأيه وعقيدته وعلمه، ولكن ذلك لم يغضبه، وإنما كان توجيهه أن عليّ أن أقرأ وأعرف – أولاً – قبل الاندفاع في هذا التيار أو ذاك. وبالمناسبة فالتيارات المتطرفة لدى الشباب عنده تصدر من ينبوع واحد هو (الانفعال الشعري) أكثر منه الدرس الصحيح»!
والأمر ليس كما فسّره له عمه. فاتجاه الشباب إلى التيارات المتطرفة له أكثر من سبب. منها بتعبير أشمل وأدق الانفعال الرومانسي وليس كما عبر «الانفعال الشعري». و«الدرس الصحيح» و«امتلاك أدوات التفكير بالمعرفة» لا يعصمان الإنسان من الوقوع في إثم التطرف. والمثال على ذلك محمود شاكر، فهو مع توفره على هذين الأمرين، وعمق ثقافته في ميادين اهتماماته إلا أنه متطرف في كثير من آرائه وأحكامه. وثمة فلاسفة كبار انطوت فلسفتهم على شيء من التطرف، وآخرون منهم حفلت بكثير من التطرف.
وإحقاقاً للحق يجب أن نقول إن عبد الرحمن شاكر افترى على عمه في عنوان مقاله عنه، وافترى على «الحرية»، وعلى «الثورة الحضارية» في ذلك العنوان. ففي كل ما كتبه عمه كان ضدهما، وكان يضيق بهما أشد الضيق ويمقتهما أشد المقت.
تقول عايدة الشريف في كتابها «محمود محمد شاكر: قصة قلم»، «وعندما سأله الدكتور عبد المنعم تليمة: هل تنصح فهر ألّا يأخذ عني شيئاً لاختلافنا البيِّن في الاتجاهات السياسية والفكرية، عندئذ تأبطه الأستاذ شاكر في حنو قائلاً: أبداً، أبداً يا تليمة… وتعال أعرفك بابن أخي عبد الرحمن شاكر، رغم أنه على مذهبك». أي على مذهبك الماركسي، فعبد المنعم تليمة دارس وناقد أدبي ماركسي.
سبب ذلك الزعم أن عبد الرحمن شاكر ترك الشيوعية في آخر حياته، هو أن للأديب محمود شاكر مكانة دينية كبرى عند الإسلاميين وعند السلفيين والمحافظين عموماً. وهم يرون أن شيوعية ابن أخيه التي قبلها وتصالح معها قد تخدش تلك المكانة الكبرى، وأنها تتناقض مع ما يدعو له من مناهضة – حسب تعبيرهم المفضل – الأفكار المستوردة من الغرب، صغيرها وكبيرها. فهم يعرفون أنه لم يهجر ابن أخيه لعقيدته الشيوعية، بل كان يخالطه ويجالسه وينضح بالمودة له. وفي تعليلي لهذا الأمر، أنه رجل قرابي. فآصرة الرحم مقدمة على النفرة من المعتقد الآيديولوجي.
يرتبط اسم عبد الرحمن شاكر باسم محمد جلال كشك في قليل من الكتابات التي تعرضت لتاريخ الحركة الشيوعية في مصر في منتصف القرن الماضي.
فيذكر اسمهما معاً للإشارة إلى قرار الحزب الشيوعي المصري (الراية) بفصلهما بعد حريق القاهرة الذي اندلع في 26 يناير (كانون الثاني) 1952، بتهمة اليسارية المدمِّرة.
محمد جلال كشك يكبر عبد الرحمن شاكر في السن قليلاً، فهو من مواليد 20 سبتمبر (أيلول) 1929، وعبد الرحمن شاكر من مواليد 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1931، وكلاهما أبواهما – على محمد كشك وعلي محمد شاكر – شيخان أزهريان كانا يعملان قاضيين في القضاء الشرعي. وكلاهما تخرجا في كلية التجارة جامعة القاهرة.
محمد جلال – وهم اسم مركب – اعتنق الشيوعية عام 1946، وهو لم يزل طالباً في المرحلة الثانوية من دراسته. والتحق بكلية التجارة قسم العلوم السياسية عام 1947، وحصل منها على درجة الليسانس عام 1952.
وقبل انضمامه للحزب الشيوعي المصري (الراية)، لا أعرف في أي تنظيم شيوعي كان. وهو ينعت في بعض الكتب الشيوعية المصرية بالماركسي المرتد.
لا تتوفر معلومات عن تاريخ اعتناق عبد الرحمن شاكر للشيوعية، ولا تاريخ التحاقه بكلية التجارة ولا تاريخ تخرجه فيها، ولا عن التخصص الذي درسه فيها. وقد عمل مثل جلال كشك في الصحافة.
في عدد من أعداد مجلة «الهلال»، عدد أغسطس (آب) 1991، وكان العدد في جزء منه مخصصاً للحديث عن يوسف إدريس بمناسبة مغادرته أحد مستشفيات لندن، الذي مكث فيه أشهراً لتلقي العلاج من أمراض عدة، شارك الناقد الماركسي إبراهيم فتحي في هذا الجزء بمقال عنوانه «صورة الفنان في شبابه».
يقول في هذا المقال – وهو يتحدث عن تاريخ يوسف إدريس مع الحركة الشيوعية المصرية -: «وأصدر يوسف إدريس عام 1951 جريدة (الجميع) في كلية الطب. ولو قارنا بينها وبين جريدة جامعية أخرى هي (الطلبة) صدرت في الوقت نفسه ورأس تحريرها محمد جلال كشك الذي كان ماركسياً حسن الماركسية في تنظيم الحزب الشيوعي المصري (الراية) آنذاك، لأدركنا بعض ما يتميز به يوسف إدريس».
ويقول – وهو يشهد ليوسف إدريس بالتزامه بالخط السياسي الرسمي لتنظيم «حدتو» الشيوعي، مكذباً رواية ليوسف إدريس تقول بخلاف ذلك -: «ففي مؤتمر تاريخي صبيحة تعيين حافظ عفيفي رئيساً للديوان الملكي اشتعلت الجامعة بالمظاهرات. ولم يكن خط (حدتو) يحبذ الهتاف بسقوط الملك، بل التركيز على عزل حافظ عفيفي. أما منظمة الحزب (الشيوعي) المصري (محمد جلال كشك – رؤوف نظمي)، فهي التي تولت الهتاف بسقوط الملك. وكذلك طليعة العمال (عادل فهمي المحامي) وليس معنى ذلك تأييد (حدتو) للملك، بل تركيزها على الاستعمار، وهو موقف خاطئ. وفي اليوم التالي انعقد مؤتمر بالقصر العيني، وخطب يوسف إدريس دون أن يرد ذكر الملك على لسانه. وكان من خطباء ذلك اليوم الدكتور عمر شاهين حينما كان لا يزال طالباً. وكان رؤوف نظمي يسخر منا نحن أعضاء (حدتو) بعد خطاب يوسف إدريس باعتبارنا ملكيين أكثر من الملك».
رواية يوسف إدريس التي يكذبها هي قوله لكربر شويك: «لقد كنت أول طالب في كلية الطب يهتف بشعارات ضد الملك (!!). وأن تهوره جعله موضع شك من زملائه الطلاب الشيوعيين الذين اعتبروه عميلاً مستفزاً».
وكربر شويك هو صاحب كتاب «الإبداع القصصي عند يوسف إدريس» الذي ترجمه رفعت سلّام إلى العربية، وصدر عن «دار سعاد الصباح» عام 1993.
في مذكرات شيوعي مصري كان رفيقاً لهما في الحزب الشيوعي المصري (الراية)، وهي مذكرات «الحلم والسجن والحصار: رحلة مناضل مصري»، هناك أحاديث عن عبد الرحمن شاكر. ومن هذه الأحاديث انتصاره له في مواجهة قرار فصله من الحزب الشيوعي المصري (الراية) الذي اتخذه إزاءه سكرتير هذا الحزب الدكتور فؤاد مرسي، وعمله موازنة بينه وبين محمد جلال كشك، بحيث رجّح كفة الأول على هذا الأخير. الأول بحسب موازنته صادق مع الجماهير والأخير مضلل لها!
يقول عبد الخالق الشهاوي، «أذكر أنه في مؤتمر الجامعة الذي عقد للمطالبة بالإفراج عن المسجونين السياسيين، كنت أنا المتحدث باسم المقاومة الشعبية، وأذكر الكلمات التي بدأت بها الحديث: باسم الشعب لا باسم الحكومة. باسم المسجونين السياسيين لا باسم البوليس السياسي. باسم الذين ضحوا بدمائهم في سبيل مصر لا باسم الذين أثروا من دماء المصريين.
وحين اشتد الحماس في المؤتمر هتف جلال كشك وقال: الشعب رفع الراية… وردد الطلبة الهتاف، فأكمل: فتلحيا راية الشعب، وتردد ذلك أيضاً مما اعتبرناه تضليلاً للجماهير وتدليساً عليها. حيث جعلناهم يهتفون لشيء يجهلونه، ويقصدون شيئاً آخر غير جريدة الحزب (راية الشعب). والفرق كبير بين الأستاذ عبد الرحمن ومن حقه أن يناقشه، وأن يرعاه هذا التنظيم الذي تفرغ للعمل به محترفاً ثورياً، ولا يتركه بلا غطاء أو حماية لمجرد الخلاف في الرأي. ومن حقنا أن نقرأ الرأي قبل أن نقرأ الرد عليه. ومن أجل هذا كله فما يزال في النفس شيء بالنسبة لتقرير الرد على عامر وشيء آخر في النفس من الرد على خالد محمد خالد».
في هذه الموازنة بين هذين الرفيقين، عبد الرحمن شاكر وجلال كشك، في الحزب الشيوعي المصري (الراية) كان رفيقهما الثالث فيه، عبد القادر الشهاوي، متحاملاً على جلال كشك. ففي هذه الموازنة بينه وبين عبد الرحمن شاكر كشف – بسذاجة – عن مقدار تحامله عليه، حين نزع منه لقب الأستاذ، مع أنه اسم شهير في التنظير السياسي والفكري والتاريخي في العالم العربي. وكتب تاريخ التحديث في مصر، وكتب التاريخ السعودي من منظور مختلف عن الكتابات التاريخية السابقة في هذين الموضعين.
ومن الإنصاف الإقرار لجلال كشك – مهما كان الاختلاف معه وحوله – بالنبوغ والنباهة في أسلوب الكتابة والتأليف والتنظير منذ أن كان طالباً جامعياً ومنذ أول شيوعيته الثورية التي كانت بلا سقف يحدها. والإقرار له بأنه صحافي موهوب، وباحث بارع، ومجادل حذق، وفنان بسخريته الموجعة. لا مراء بأنه أستاذ – وباللهجة المصرية – «معلم» و«أسطا» في الكتابة وفي السجال السياسي والفكري.
في الأصل كان عبد القادر الشهاوي يتحدث في مذكراته عن أثر حادثة حريق القاهرة التي حصلت في 26 يناير 1952، في الحزب الشيوعي المصري (الراية)، الذي كان زمن تلك الحادثة لا يزال حزباً وليداً. وهو أثر – كما قدمه في روايته – أثراً سيئاً. لصدور قرار من الحزب «بوقف عامر وإبعاده عن النشاط» بعد كتابته تقريراً سمي في الحزب الشيوعي المصري (الراية) بـ«تقرير الرفيق عامر». والرفيق عامر – كما ذكرنا في خاتمة مقال «الشيوعي المختبئ» – هو عبد الرحمن شاكر.
يقول عبد القادر الشهاوي، إنه تحدث مع عبد الرحمن شاكر بشأن تقريره، فقال له: «بعد تعيين حافظ عفيفي رئيساً للديوان خرجت الجماهير تهتف ضد عفيفي وضد الملك حافظ عفيفي، بل إن الهتاف ضد الملك كان صريحاً وعلانية: الغذاء والكساء يا ملك النساء… وأضاف شاكر أعطيت توجيهاتي بأن ندعو القوى الوطنية لتكوين جهة لإسقاط النظام الملكي، والاستيلاء على السلطة واستكمال مهام التحرير. وجاء الرفيق طلعت – مصطفى طيبة – وأعطيته التحليل، وحينما عاد إليّ قال إن الحزب يرفض وجهة النظر هذه، فليس الحزب قادراً على أن يرفع شعار الثورة، وهو يكتفي بشعار إسقاط حافظ عفيفي وليس الملك».
لضعف أسلوب عبد القادر الشهاوي، فإن الوقائع التي يرويها في مذكراته تتداخل وتختلط ببعضها، وبالتالي تظهر على نحو غير دقيق.
وأصحح ما نقلته عنه في الاقتباس السابق، بأن عبد الرحمن شاكر أو «الرفيق عامر»، فصل من الحزب الشيوعي المصري (الراية) بعد كتابته لذلك التقرير، ولم يكتف الحزب بإيقاف نشاطه السياسي لصالح هذا الحزب. فقرار إيقاف نشاطه السياسي مؤقتاً كان في مظاهرات جامعة فؤاد (جامعة القاهرة لاحقاً)، ضد تعيين حافظ عفيفي باشا، رئيساً للديوان الملكي.
وحادثة التوقيف يرجع تاريخها إلى شهر سبتمبر عام 1951، أما فصله من الحزب فكان في شهر أبريل (نيسان) عام 1952، الذي فصله هو سكرتير الحزب الرفيق خالد، أو الدكتور فؤاد مرسي. ولم يكتف بقرار فصله، بل كتب رداً على تقريره المعنون بـ«ثورة 1952» كان عنوانه «احذروا الانتهازية اليسارية»، باسمه الحركي الرفيق خالد، وكان مقرراً على خلايا الحزب قراءته.
وقد نقل لنا عبد القادر الشهاوي ثلاث جمل من رد الرفيق خالد في معرض رده على رده. هذه الجمل الثلاثة هي قوله عن الرفيق عامر: «إنه مشغول بالثورة في كل صغيرة وكبيرة. ولا شيء غير الثورة. وتحت كل حجر يكتشفه تهب عليه ريح الثورة».
عبد القادر الشهاوي فيما نقلته عنه كان يدافع عن الرفيق عامر، وعن صحة ما دعا له في تقريره بأن حريق القاهرة هو الفرصة الذهبية لإسقاط النظام الملكي، واستيلاء التنظيمات الشيوعية على السلطة في مصر، بقيادة الحزب الشيوعي المصري (الراية). وكان يدين حزبه – كما عبد الرحمن شاكر وجلال كشك – بأنه أضاع على نفسه تلك الفرصة الذهبية، وانتهزها الضباط الأحرار، فاستولوا على السلطة في مصر.
ويدين حزبه الشيوعي، وبشكل موارب، يدين سكرتير الحزب الرفيق خالد في موقفه من الرفيق عامر ومن تقريره. ويترافع عنه بما يلي:
إن كان تقريره يخالف رأي قيادة الحزب، فإن الرد عليه كان يستلزم نشر التقرير أولاً، ثم نشر الرد عليه. وأن فكر الرفيق عامر كان وارداً عند كل من مارس العمل الجماهيري… وأنه بفرض وجود فكر خاطئ، فقد كان الأجدى مواجهته بالتي هي أحسن، الرأي بالرأي، ولكن – كما قال – كان الرد بالتي هي أوجع من نفس طراز الرد على خالد محمد خالد، مسلمات قاطعة ومآخذ موجعة. وبغض النظر عن قوة الأسلوب في الردين، فإننا ننظر إلى فداحة النتائج.
النقطة الأخيرة في مرافعته، أن الرفيق عامر كان ثورياً محترفاً. وفيما بعد الحريق، وفي ظل الأحكام العرفية يحتاج الرفاق إلى المساندة لمواجهة أصعب الظروف، أما إذا تخيلنا عن رفاقنا بحجة الاختلاف، وتركناهم عرضة للحملات البوليسية بلا غطاء وأمان، فإن في مثل ذلك تتفكك الروابط والعلاقات الوفاقية وتنعدم الثقة المتبادلة. ويصبح ذلك أيضاً نوعاً من الإرهاب والحجر على الرأي.
إنه يرى أن حزبه قد أخطأ في قضيتين: قضية داخلية، وهي قضية تقرير الرفيق عامر، أو عبد الرحمن شاكر. وقضيته خارجية قبلها، وهي قضية كتاب خالد محمد خالد (من هنا نبدأ).
يقول في هذه القضية: «إن خالد محمد خالد كان قد أصدر كتابه (من هنا نبدأ)، وكان كتاباً يعبر عن فكر ديمقراطي مستنير، منحاز للشعب. ويعتبر دستوراً للطبقات الشعبية الواسعة من فئات البرجوازية الصغيرة، فلاحين ومهنيين. وتناول الكتاب من هذه الزاوية يدعم وحدة الجماهير، ويقوي من ساعد الطبقة العاملة بخلق عوامل التكامل في الحركة. ولكن الحزب أصدر تقريراً بعنوان الرد على خالد محمد خالد، وكان رد الرفيق على الشيخ محبطاً، لا ينمّي الإيجابيات، ولا يعالج السلبيات…».
الرفيق الذي رد على كتاب خالد محمد خالد (من هنا نبدأ) ولم يسمِّه، هو الرفيق خالد، أو الدكتور فؤاد مرسي. جوهر رده – كما قال عبد القادر الشهاوي – كان أن خالد محمد خالد يفكر بعقلية البرجوازية الصغيرة. وللحديث بقية.