حيتان الفساد في العراق وإجراءات أميركية

1

آراء

إياد الدليمي

كاريكاتير فساد العراق / حجاج

+الخط

فشلت محاولات رئيس الحكومة العراقية، محمد شيّاع السوداني، لزيارة واشنطن، حيث تسرّبت معلوماتٌ تفيد بأن البيت الأبيض غير مرحّب بالزيارة، بسبب وجود وزيرين ممن ينتمون إلى مليشيات مسلحة، تصنّفها أميركا على لائحة الإرهاب. زيارة كان يحاول من خلالها السوداني ومن خلفه قوى الإطار التنسيقي الموالية لإيران، تخفيف الضغط المالي الذي اتّخذته واشنطن بحق بغداد، في ظلّ مساعيها الرامية إلى وقف تهريب الدولار من العراق إلى دولٍ معرّضة للعقوبات الأميركية، وفي مقدمتها إيران.
في خلفية المشهد، تلوح أزمة اقتصادية ومالية كبيرة قد تضرب العراق في حال قرر الفيدرالي الأميركي المضي في إجراءاته العقابية والرقابية ضد بغداد ومصارفها، أزمة تعود، بالدرجة الأولى، إلى عدم وجود نظام مصرفي عراقي بمواصفات عالمية، الأمر الذي أدى إلى تهريب الدولار إلى إيران وسورية ولبنان.
لم تكن إجراءات الفيدرالي الأميركي وليدة المصادفة، فلقد طُلب من العراق، إبّان حكومة مصطفى الكاظمي، أن يخضع لإجراءات الفيدرالي الأميركي، غير أن الظروف التي جاءت بحكومة الكاظمي دفعت واشنطن إلى التمهّل في التطبيق لإعطاء فرصة للحكومة التي جاءت على أنقاض حكومة مستقيلة بسبب احتجاجات كبيرة شهدتها المدن العراقية المختلفة، غير أن الطلب الأميركي ظل قائما وما بين فينة وأخرى تلوّح به واشنطن.
مجيء حكومة من رحم ائتلافٍ موالٍ لإيران، الإطار التنسيقي، وحصوله على دعم واشنطن ومباركتها هذه الحكومة، لم يكن بلا ثمن، فقد أكدت مصادر عراقية مطلعة أن الاشتراطات الأميركية كانت واضحة، وهي دعم الحكومة وبرنامجها مقابل التزام الحكومة بتنفيذ وعودها بتنظيم النظام المصرفي العراقي. .. ولكن ما علاقة الفيدرالي الأميركي بالأموال العراقية ونظامه المصرفي؟

تدرك الولايات المتحدة جيدا أن العراق ثقب إيران الأسود، وأنه حديقة خلفية لطهران، وأن نفوذ إيران أقوى بكثير من نفوذ واشنطن داخل العراق

تلك قصة أخرى، تبدأ من ثمانينيات القرن الماضي، يوم أن بدأ العراق بالاستثمار في الولايات المتحدة، من خلال وضع أموال على شكل سندات وودائع، بلغت قيمتها نحو سبعة مليارات دولار حتى العام 1990. فبعد غزو العراق الكويت، تم تجميد هذا المبلغ، وعقب الغزو الأميركي العراق عام 2003، قرّرت واشنطن رفع التجميد عن الأموال العراقية مع قيمة أرباحها، والتي تجاوزت 92 مليون دولار، لتسنّ واشنطن قرارا آخر، وهو وضع الأموال العراقية تحت رقابة الفيدرالي الأميركي، لعدم السماح للدول والمنظمات بالمطالبة بأي تعويضات، حيث وضعت تلك الأموال في صندوق تنمية العراق.
كانت أموال النفط العراقي المباع في الغالب تذهب إلى حسابات بغداد في واشنطن، وبرقابة الفيدرالي الأميركي، وما يحتاجه العراق من أموال يحصل عليها من حساباته المودَعة هناك. وهنا عرفت واشنطن أن قيمة احتياجات العراق الشهرية أقلّ كثيرا مما يسحبه البنك المركزي العراقي، ثم تبيّن أن هناك كميات كبيرة من الأموال يبيعها البنك المركزي عبر مزاد يومي، تذهب إلى تجار عملة، وهنا يتفرّق دم الدولار بين قبائل محور المقاومة.
الكل يعرف أن الولايات المتحدة تدرك جيدا أن العراق ثقب إيران الأسود، وأنه حديقة خلفية لطهران، وأن نفوذ إيران أقوى بكثير من نفوذ واشنطن داخل العراق. وبالتالي، ما الذي طرأ حتى تبدأ واشنطن بتفعيل مبدأ ملاحقة تجّار العملة ومهرّبي الدولار من العراق إلى إيران، عبر سلسلة من الإجراءات الاقتصادية؟

شخصيات سياسية ومسلحة موجودة على لائحة العقوبات الأميركية هي من يعيق تنفيذ الإصلاحات

تدرك الولايات المتحدة جيدا أن لدى طهران ضائقة مالية كبيرة ناجمة عن العقوبات الأميركية، تلتفّ عليها طهران من خلال حديقتها الخلفية، العراق وأمواله، ما يعني أن واشنطن تعرف أن حصارها على طهران بلا معنى إذا لم يُغلَق أنبوب الدولار القادم من بغداد صوب طهران. لهذا تلجأ واشنطن إلى واحدةٍ من تلك الأوراق التي تمتلكها، ورقة الاقتصاد، سعيا منها، على ما يبدو، إلى دفع طهران إلى تقليل اندفاعها باتجاه روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وأيضا مسعى أميركي أخير لدفع إيران إلى توقيع اتفاقٍ نووي جديد بشروط أميركية بحتة.
زار وفد عراقي واشنطن، أخيرا، من أجل محاولة ثني الولايات المتحدة عن تطبيق إجراءاتها الصارمة فيما يتعلق بالنظام المصرفي العراقي، لم يحقّق سوى وعود أميركية بالتريث، شريطة أن تبدأ بغداد بإصلاح نظامها المصرفي فورا، وهو ما تعهّد به الوفد. .. ويدرك محمد شياع السوداني أن مهمته صعبة، وربما مستحيلة، حيث إن شخصيات سياسية ومسلحة موجودة على لائحة العقوبات الأميركية هي من يعيق تنفيذ هذه الإصلاحات، كونها ستخسر كثيرا من نفوذها في المشهد السياسي العراقي.
الصدام بين أجنحة “الإطار التنسيقي” قادم، أطراف ستدعم السوداني للالتزام بمتطلبات واشنطن المالية، وأخرى ستقف بالضد منها وستحارب من أجل عدم تنفيذها، وما بين هذا وذاك يبدو أن صيفاً ساخناً سيكون في انتظار العراقيين، وربما المنطقة أيضا.

التعليقات معطلة.