قد تعرف منطقة الشرق الأوسط تغيّرات كبيرة خلال المرحلة القادمة، في ضوء التقارب بين السعودية وإيران، حيث تسعى الأخيرة لبناء إطار أمني إقليمي جديد بإشراف صيني، وفق تحليل لمجلة “فورين أفيرز”.
وجاء في التحليل أيضا أن هذا التقارب سيؤدي إلى “استبدال الانقسام العربي الإيراني الحالي بشبكة معقدة من العلاقات، ضمن طموحات الصين العالمية”.
ويشير ذات التحليل إلى أنه “بالنسبة لبكين، كان الإعلان قفزة كبيرة إلى الأمام في تنافسها مع واشنطن”.
يذكر أن الولايات المتحدة كانت السباقة لتشجيع السعودية وإيران في عام 2021 على بدء محادثات، في محاولة للحد من التوترات بين الخصمين الإقليميين، ودفع مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية، بالإضافة إلى إنهاء الصراع في اليمن.
لكن، وخلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في يوليو 2022، حث الرئيس الأميركي، جو بايدن، مجلس التعاون الخليجي الذي يضم إلى جانب السعودية، البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، على الانضمام إلى جهود إسرائيل لاحتواء إيران “لكن السعودية تحولت إلى الصين بدلا من ذلك” يقول التحليل، قبل أن يتابع “اعتبرت الرياض أن الرئيس شي جين بينغ وسيطٌ أفضل مع طهران”.
وجرى إعلان الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين إيران والسعودية بعد محادثات غير معلنة على مدى أربعة أيام.
وقطعت السعودية علاقاتها مع إيران في 2016 بعدما اقتحم محتجون سفارتها في طهران وسط خلاف بين البلدين حول إعدام الرياض رجل دين شيعيا.
وعقدت طهران والرياض خمس جولات من المحادثات المباشرة، بينما استمرت المحادثات غير الرسمية بعد ذلك.
وبحسب ذات التحليل، فإن السعوديين يعتقدون أن إشراك الصين هو الضمان الأكيد بأن الصفقة مع إيران ستستمر، حيث من غير المرجح أن تخاطر طهران بتعريض علاقاتها مع بكين للخطر من خلال انتهاك مثل هذه الصفقة.
وناقش شي، القضية، مع ولي العهد السعودي، الأمير، محمد بن سلمان، خلال زيارته للرياض في ديسمبر 2022، ثم التقى بالرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في بكين في فبراير 2023.
وسيط موثوق؟
تبعت ذلك، مناقشات مكثفة بين إيران والسعودية، اتفق خلالها الطرفان على “دفن الأحقاد وتطبيع العلاقات” وفق تعبير المجلة.
وبالنسبة لكلا البلدين، كان تدخل شي، حاسما، حيث أن لكلاهما علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع بكين، وبالتالي كان الرئيس الصيني قادرا على العمل كوسيط “موثوق به” بينهما.
ووفقا للاتفاقية الجديدة، سيعيد الجانبان فتح السفارات، وستنهي الحكومة السعودية دعمها لقناة إيران الدولية التلفزيونية، التي تعتبرها طهران مسؤولة عن المعارضة الداخلية.
ويلتزم الطرفان أيضا بوقف إطلاق النار في اليمن في أبريل 2022 والعمل على اتفاق سلام رسمي لإنهاء الحرب الأهلية هناك.
في المقابل، ستتوقف إيران عن إمداد الحوثيين بالسلاح وتقنعهم بوقف هجماتهم الصاروخية على السعودية.
نظام جديد!
تدعو الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي وبدء مناقشات حول بناء إطار أمني إقليمي جديد “بينما ستواصل الصين الإشراف على كل هذه الخطوات” ما قد يؤشر لنظام جديد بالمنطقة وفق “فورين أفيرز”.
ولدى الصفقة الإيرانية السعودية، القدرة على إنهاء واحدة من أهم المنافسات في المنطقة وتوسيع العلاقات الاقتصادية عبر الخليج. لن تقف إيران بمفردها بعد الآن في مواجهة تحالف من العرب والإسرائيليين، الذي كانت الولايات المتحدة تأمل أن يقوم بالمهمة الصعبة المتمثلة في احتوائها. بدلا من ذلك، فإن الصفقة لديها القدرة على تقريب إيران من جيرانها العرب واستقرار علاقاتها تدريجيا في المنطقة.
وتأكيدا على هذا الوعد، تعهد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بأنه إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن السعودية مستعدة للاستثمار في الاقتصاد الإيراني. وقبِل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دعوة لزيارة الرياض في موعد لم يحدد بعد، في إشارة أخرى على نية الجانبين تعزيز العلاقات بينهما أكثر “وقد تكون عواقب مثل هذه العلاقة سريعة التطور ، وعميقة على المنطقة” يقول التحليل.
دور بكين المتصاعد
تعتقد طهران والرياض أنهما ستستفيدان من العمل من خلال الصين لاستعادة العلاقات الإقليمية، وبالنسبة لكلا البلدين، يعد العمل مع بكين تطورا جديدا.
ففي عام 2015، كانت أولوية إيران هي تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، بينما اعتبرت المفاوضات مع جيرانها ثانوية. وكانت النتيجة، هي خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) المعروفة إعلاميا بالاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول العظمى.
وقلص هذا الاتفاق من برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف العقوبات عليها، لكن وبعدما سحب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الولايات المتحدة، منه، عام 2018، اقتربت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أكثر من إسرائيل، لتلافي الخطر الإيراني، وهي خطوة تسارعت بسبب هجوم إيراني على منشآت نفطية سعودية في عام 2019.
لكن إيران غيرت بدورها تركيزها، وأعطت المزيد من الدفع لتحسين علاقاتها مع جيرانها وتعزيز التجارة الإقليمية.
ولتحقيق هذه الغاية، أعادت طهران إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكويت والإمارات العربية المتحدة في عام 2022.
“لكن صفقة بكين مع السعوديين هي الجائزة الأكبر التي تسعى إيران لتحقيقها” وفق التحليل، إذ سيمكنها التقارب مع الرياض من الانفتاح الحقيقي على العالم العربي، والذي يمكن أن يمتد قريبا إلى البحرين ومصر.
وترحب طهران بالدور الصيني المتصاعد في الشرق الأوسط لأنه يضعف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويقوض نظام العقوبات الذي تقوده واشنطن والذي أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل.
وإسرائيل؟
ستمكن علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي من تقليل التهديد الذي تشكله “اتفاقات إبراهيم” التي توسطت فيها إدارة ترامب، والتي بدأت تنسيقا استخباراتيا وعسكريا أوثق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وامتد لاحقا إلى المغرب والسودان، وبالتالي تمديد حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى الخليج.
وعلى الرغم من أن طهران قد تكون على استعداد لقبول العلاقات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، إلا أنها لا يمكن أن تتسامح مع تحالف عسكري عربي- إسرائيلي تدعمه الولايات المتحدة ضدها.
وسيكون مثل هذا التحالف أكثر تهديدا لطهران في أعقاب المحادثات النووية الفاشلة مع إدارة بايدن، والاحتجاجات المحلية، والوجود الإسرائيلي المتزايد في أذربيجان والعراق، والاستعداد المتزايد من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة للحرب، من أجل وقف برنامج إيران النووي.
الرياض ومطلب التوازن
أما بالنسبة للسعودية، يشكل الاتفاق الذي تقوده بكين تحولا استراتيجيا أكثر جرأة، فالعلاقات بين الرياض وواشنطن في أدنى مستوياتها.
وتراجع رضا المملكة العربية السعودية عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة منذ غزو العراق عام 2003. وكانت الرياض غير راضية عن تفكيك الحكومة العراقية، ومنزعجة من الاتفاق النووي، وغاضبة من عدم استعداد واشنطن لدعم المصالح السعودية ضد إيران في سوريا واليمن، وقلقها من فشلها في الدفاع عن المملكة عندما تعرضت منشآتها النفطية للهجوم من قبل إيران في 2019.
وتعتقد الرياض أن الولايات المتحدة -التي كانت حليفتها القوية- تركز على أولويات أخرى، ولا تعتقد أن لدى واشنطن خطة واضحة للأمن الإقليمي في أعقاب المحادثات النووية المتوقفة مع إيران.
ويقول تحليل المجلة، إن القادة السعوديين غير راضين عن القيادة الحالية في واشنطن، حيث يرون أن الرئيس بايدن، كان بطيئا في إصلاح العلاقات مع الرياض، بعد أن تعهد كمرشح بمعاملة النظام باعتباره “منبوذا”، بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.
أمن طريق الحرير
يرى التحليل كذلك أن تدخل الصين هو البعد الأكثر إثارة للقلق في التقارب الإيراني السعودي. وكانت بكين في السابق حريصة على تجنب التورط في الشرق الأوسط، لكن مصالحها الاقتصادية المزدهرة هناك، استلزمت القيام بدور دبلوماسي أيضا.
والمنطقة مهمة لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث تحتاج الحكومة الصينية إلى ضمان، على سبيل المثال، أن استثماراتها في قطاع الطاقة السعودي ليست مهددة بصواريخ الحوثيين.
علاوة على ذلك، تعمل الصين بشكل مطرد على توسيع بصمتها الاقتصادية في إيران، وهي مهتمة بدعم خطة موسكو لتطوير ممر عبور عبر إيران من شأنه أن يسمح للتجارة الروسية بالوصول إلى الأسواق العالمية دون استخدام قناة السويس.
وسيسمح تطوير هذا الممر أيضا للصين بالالتفاف حول مضيق ملقا، في مواجهة الأسطول الهائل الذي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها ببنائه.
ويختم التحليل بعبارة “لتعزيز هذه الأولويات الاستراتيجية، تستعد بكين الآن لتحدي واشنطن من أجل النفوذ في الشرق الأوسط”.