العنصر المتين في اتفاق الصين

1

التجربة الطويلة في التعامل مع النظام الإيراني منذ قيام الثورة قبل 45 عاماً لا تعززها الثقة

سعد بن طفلة العجمي  وزير الإعلام السابق في الكويت 

تعتمد السياسة السعودية الخارجية على احترام قواعد القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول (اندبندنت عربية)

استضافت العاصمة الصينية بكين بداية هذا الشهر وعلى مدى خمسة أيام محادثات سعودية- إيرانية كانت استكمالاً لمحادثات بين الطرفين في بغداد عام 2021 ومسقط عام 2022. وانتهت الاجتماعات في الصين بإعلان مبادئ، اتفق البلدان الجاران بموجبه على إعادة العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين وإعادة فتح سفارتي بلديهما في الرياض وطهران.

لا أعتقد بأن هناك محباً للسلام لم يفرح للتوصل إلى إعلان المبادئ هذا، فالتهدئة والتعاون والسلام في منطقتنا التي أنكهتها الصراعات العبثية مسألة لا يختلف عاقلان على أهميتها. ولم يكن مفاجئاً أن تكون السعودية طرفاً فيه، فكان ديدن السياسة السعودية الخارجية احترام قواعد القانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتعزيز علاقاتها الدولية على أسس من التنمية الاقتصادية المتبادلة، ولا تأبه للتنظير حول التوجه السعودي شرقاً أو شمالاً أو جنوباً، فبوصلتها ستكون حيث مصالحها وما يتماشى مع خططها التنموية الطامحة. فبعد ساعات من إعلان المبادئ مع إيران في بكين، أعلنت السعودية تعاقدها لشراء عشرات من طائرات “بوينغ” الأميركية بعشرات مليارات الدولارات، وأودعت في البنك المركزي التركي 5 مليارات دولار دعماً لليرة التركية، ومساعدة لتركيا الصديقة والقوة الإقليمية المهمة بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في السادس من فبراير (شباط) الماضي.

بتوقيعها اتفاق المبادئ مع طهران، قدمت الرياض أكبر دليل على بناء الثقة وصدقية سياستها تجاه إيران لأنها بهذا الاتفاق كأنما تعارض أي حرب إقليمية مقبلة، حتى إن شنتها الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل، مستهدفة المشروع النووي الإيراني الذي تعثر إحياء اتفاق 2015 حوله، بل راحت السعودية على لسان وزير ماليتها محمد الجدعان تعلن أن الاستثمارات السعودية جاهزة للدخول إلى السوق الإيرانية والعكس، ولعل الاتصال الذي جرى أمس الأربعاء بين وزيري خارجية البلدين الأمير فيصل بن فرحان والوزير حسين عبداللهيان للتهنئة بشهر رمضان يعد مؤشراً دبلوماسياً ناعماً إلى جدية الطرفين في السير قدماً نحو تحسين العلاقات بينهما.

يبقى العنصر الأهم في تطور العلاقات بين البلدين وهو عنصر الثقة، فالتجربة الطويلة في التعامل مع النظام في إيران منذ قيام الثورة قبل 45 عاماً، لا تعززها الثقة بالجانب الإيراني، فقد تعودنا كلاماً علناً من الإيرانيين وتعاملنا مع واقع مختلف تماماً عن لغة الدبلوماسية الإيرانية الجميلة، وعلى الجيران الإيرانيين أن يعوا بأنهم لا يستطيعون التذاكي على الجانب العربي، والتخلي عن وهم أنه يمكن أن تقول للعرب شيئاً وتفعل عكسه تماماً من دون أن يدركوا ذلك، فالعرب يقرأون ويتابعون الإعلام الإيراني الرسمي وغير الرسمي وبينهم من يجيد الفارسية، ويسمع ويقرأ ما يقال للشعوب الإيرانية في الداخل في المناهج والخطب والمنابر وغيرها من لغة التعبئة المعادية للعرب ومن أفعال عدائية وتدخلات مرئية في الشؤون العربية بالعراق وسوريا ولبنان واليمن.

العامل الجديد في الاتفاق السعودي – الإيراني هذه المرة هو في “الضامن” الصيني، فهذا العملاق الاقتصادي لا يتدخل في الشؤون الدولية عادة ولا يلعب دور الوسيط السلمي للنزاعات والحروب والخلافات، لكن الطموح والنمو الاقتصادي الهائل فرضا على الصين بقيادة الرئيس شي جينبينغ لعب دور الوسيط بين اثنين من أهم شركائها النفطيين في العالم، السعودية وإيران، فهي أكبر مستورد للنفط السعودي و30 في المئة من حجم التجارة الإيرانية معها. وهو دور لا تريد له أن يفشل، مدركة أن الفشل سيعني ضربة مبكرة لحضورها المؤثر في المسرح الدولي ودورها التي تريد أن تلعبه كحمامة سلام كما في المبادرة الصينية التي أعلن عنها قبل أيام لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية أثناء زيارة شي إلى موسكو هذا الأسبوع.

والصينيون يدركون أن العنصر المتين لأي اتفاق عربي – إيراني هو عنصر بناء الثقة التي زعزعتها عقود من التدخلات الإيرانية الدامية في المنطقة العربية، وتجلى هذا الإدراك بالبيان السعودي – الصيني المشترك أثناء زيارة الرئيس الصيني للرياض في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فقد أكد ذلك البيان ضرورة كف إيران عن التدخلات في شؤون الآخرين بالمنطقة، وهو بيان عدّه المراقبون انتصاراً مدوياً للدبلوماسية السعودية وصدمة للإيرانيين الذين يخشون مزيداً من العزلة الاقتصادية مع أهم شريك تجاري لهم وهو الصين. يقول المثل الصيني، “إن لم تثق بأحد ما، فلا تتعامل معه ولا تصادقه، فإن بقاء عامل الشك بينكما سيقود إلى مزيد من المشكلات”.

التعليقات معطلة.