حضارة وتاريخ
التاريخ يشكل بصمة قوية في تثبيت المعلومات والمواقف والأحداث والصناعات والحرف، وتدوين قصص الماضي، كيف كان يعيش الإنسان في كل مرحلة تاريخية، ورصد لحقائقها وتطورها، وكيف كانت؟ وماذا أصبحت؟
التاريخ يدوّن الأسماء والبطولات والمواقف لتحكي قصصاً حدثت وابتكارات وجدت في تلك العصور، في حينها تعتبر إنجازات عظيمة، كيف استفادت من تحويل المواد الأولية لصنع شيء ما، كالحديد والأحجار والفخار، لتكون أدوات تستخدم في ما بعد الأسلحة ومواد لبناء المنازل وصناعة الأواني الفخارية.
كل عصر تميز بميزات عدة ومهمة في تطوير ونمو حياة الإنسان من العصر الحجري، إلى العصر الزراعي، إلى عصر المعادن والصناعة، إلى عصر اليوم (التكنولوجي والرقمي)، وهكذا في تطور دائم، ودور التاريخ وتدوين أحداثه مهم جداً في قراءة الماضي والاستفادة منه في الحاضر وتناقله عبر الأجيال.
التراث وحفظه شيء مهم في قراءة العصور القديمة، وهنا تكمن أهمية الآثار في اقتنائها والمحافظة عليها. لذا، ظهرت العديد من كتب الأنثروبولوجيا والآثار والتاريخ، تتحدث عن عمق الأرض وطبقاتها، وعمق الحضارات القديمة من خلال الآثار الموجودة والمكتشفة وقراءة الرسومات القديمة، والتعرف على الإنسان قديماً كيف عاش، وكيف كانت أغذيتهم، ومعرفة أمراضهم، وطريقة عيشهم، كل ذلك مهم جداً في مواكبة التطور، ومعرفة الجذور التي تساعد في ما بعد في قراءة هذا التاريخ جيداً من خلال آثاره، ونتعلم أيضاً قوة الإنسان في تذليل الصعاب لخدمته وراحته، وكيف كان يدوّن التاريخ والأحداث عن طريق الرسومات التي وجدت في المناطق الأثرية، كالحضارات الإغريقية والفرعونية والإسلامية، ونقشت في المباني والمعابد والأسقف والزخارف، وكلها دلالات على قدرة الإنسان وذكائه.
تلقيت دعوة من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، تشرفت خلالها بزيارة المتحف الوطني السعودي، وقد انبهرت بما شاهدته، إذ صمم المتحف بشكل جميل جداً، بحيث كان البهو ذا مساحة واسعة، ونوافذ كبيرة تتخللها الإضاءة من كل جانب، ما عكس على المكان هيبة وجمالاً، وعلى الزائرين البهجة، وهذا فعلاً ما شعرت به، كما قسمت قاعته الداخلية بشكل دقيق، أعطت لكل قاعة خصوصيتها، حتى الإضاءة استخدمت باحترافية، وتنقلت بين قاعة الإنسان والكون، وقاعة الحج، وقاعة الممالك العربية، حتى شعرت بالانبهار لهذا التاريخ ولهذه الحضارات الإنسانية، كيف عاشت؟ وماذا استخدمت؟ وتلاحظ كل حقبة زمنية تاريخية تختلف عن الأخرى في السمات والخصائص المعيشية والإنتاجية والصناعية، تشاهد من كانوا يعيشون قبلنا، وما هي آثارهم الباقية، وكفاحهم الذي يجعلنا نفتخر بالإنسان وتطوره عبر العصور التي تبين كفاح الإنسان. لذا، مهم أن نحافظ على هذا المخزون من التراث، لنقله إلى الأجيال ليشاهدوا ويتعلموا قدرة الإنسان على تطوير وتكييف نفسه مع الحياة وصعوباتها.
جميل ما قامت به الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المحافظة على هذه الآثار وإعادتها، سواءً من الداخل أم الخارج وتشجيع من يقوم بذلك. ولقد وضعوا لوحة كبيرة تحمل أسماء من قاموا بإعادة بعض الآثار، وهذا تشجيع للتعرف على عبق تاريخ المملكة وغيرها من الآثار الموجودة من حضارات أخرى سالفة.
أثناء وجودي في المتحف شاهدت مدارس عدة وطلابها، وكيف بدت الدهشة على ملامحهم وكذلك الفرحة. هذا فعلاً ما نحتاجه؛ تكثيف زيارة المدارس والجامعات والجمعيات والمراكز للمتحف، وتنظيمها على مدار السنه، بهدف زرع ثقافة تأمل الآثار القديمة، ومعرفة قيمتها، وكيف هي تحاكي الجذور والأساس لكل حضارة، فهذه هويتها وسماتها الخاصة بها.
الشكر للهيئة العامة للسياحة وللأمير سلطان بن سلمان على جهودهم وحرصهم، كما سعدت كثيراً أثناء وجودي بحفاوة الاستقبال، والشكر كذلك موصول لكل القائمين على «المعرض»، وفي مقدمهم المدير العام للمتحف الوطني جمال عمر، ونائبة المدير العام دليل القحطاني، ومدير إدارة الإعلام سعود المقبل، ومدير وحدة قادة الرأي ماجد آل حسنة، ومدير إدارة العروض والبرامج محمد الحلوي، كما أثني على حرصهم على الشرح والتوضيح والتعاون بينهم، ما جعلنا نتأمل هذه الآثار بشغف ودهشة، وتحسس جمالها، والتوقف لحظة لمشاهدة التاريخ وكأنه قريب منا.