السودان والسويد رضعت

1

ستتحول البلاد إلى فوضى وموت ودمار والألوان السودانية الخضراء الجميلة تتبدل إلى الأحمر القاني

سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت 

دخل السودان في حرب أهلية مفتوحة يجمع معظم المراقبين على أنها لن تتوقف قريباً (رويترز)

تعني السودان جمع الأسْوَد باللهجات العربية، وسميت بهذا الاسم بمعنى بلاد البشرة السوداء، وهي الدولة الأفريقية الثانية التي سميت بلون أهلها، فالصومال باللغة الصومالية تعني أيضاً بلاد السود وهي تسمية لا ترمز إلى عنصرية بالضرورة.

على العكس من ذلك، في الولايات المتحدة الأميركية يرفض بعض المواطنين السود تسميتهم “السود الأميركيين” BLACK AMERICANS، ويعتبر هذا التصنيف عنصرياً لأنه يصنفهم بحسب لونهم ويفضل أن يسمى أفريقي – أميركي.

وفي السودان نفسها يسمي بعض السودانيين أهل الجنوب “العبيد” لأنهم أكثر سواداً من أهل الشمال، وفي هذا التصنيف عنصرية لدى من يطلقه من أهل الشمال ولعلهم قلة.

ومصدر اسم السودان هو “سَوَدَ” ومنها مشتقات كثيرة من الأسماء، لعل أشهرها اسم “سوده بنت زمعة” من زوجات النبي محمد (ص).

والسوادة هي الشبح الذي لم تتضح ملامحه، خصوصاً ليلاً، فيقال، “وش ذا السوادة؟” والسود تعني الليالي، وجاءت في قصيدة للأمير الشاعر خالد الفيصل يمتدح فيها عمه الأمير سلطان بن عبدالعزيز: “يا طيّبٍ طابت لك البيض والسود” أي الليالي والأيام.

كما يرتبط اللون الأسود بالحب العميق، فيقال مكانته بالسويداء من القلب بمعنى مهجته وعمقه، ولا أعرف العلاقة هنا بين السواد والحب العميق، فسواد القلب يعني الحقد والكره والحسد حين نقول إن “فلاناً أسود القلب”. والمفارقة أن السواد يرتبط بالعار والعيب وارتكاب العمل الشنيع، فيقال، سوّد الله وجهه! وجاء في القرآن في وصف يوم القيامة، “يوم تبيض وجوه وتسود وجوه”.

وقال عنترة بن شداد رداً على من عيروه بلونه الأسود

لئن أكُ أسودا فالمسك لوني… وما لسواد جلدي من دواء

ولكن تبعد الفحشاء عني… كبعد الأرض عن جو السماء

ويختلط السواد باللون الأخضر، ولا أعرف كيف يكون هذا الخلط، فسواد العراق يعني خضرته وكثرة نخيله، كما غنى طلال مداح لعبدالرحمن البواردي قصيدته في معشوقته، “يوم قالوا ورا خلك خضر، يحسبون الخضر ما هو بغالي”، أي لماذا حبيبتك سوداء؟

والسويد بلهجة البدو اختصار للسويداء، ولدى قبيلة العجمان قول شائع، “السويد رِضْعَت” (أي رُضِعت) كناية عن أن أمراً دبر بليل، وهو ما جرى في السودان. والسويد هنا نعجة وللمثل قصة لا مجال لذكرها هنا، ولا علاقة للسويد النعجة بالسويد المملكة الأوروبية التي ليس لها من اسمها بالعربية نصيب، فسكانها الأصليون شقر وعيونهم زرق، وليسوا سوداً، وجاء اسمهم من الألمانية القديمة، وتعني المُلكية الخاصة بقبيلة سّْفي القديمة.

لئن كان السواد يختلط باللون الأخضر، فإن السودان يختلط باللون الأحمر هذه الأيام، فقد دخل السودان في حرب أهلية مفتوحة يجمع معظم المراقبين على أنها لن تتوقف قريباً وأنها تجر البلاد نحو الانهيار والتحول إلى دولة فاشلة بسبب طموحات العسكر الذين يخوضون حرباً لا هوادة فيها، وقال عنها رئيس الوزراء المدني العاقل السابق عبدالله حمدوك، “المنتصر في هذه الحرب، خسران”، لكن لا حياة لمن تنادي.

تعمل السعودية كديدن لسياستها ببذل الجهد لحقن دماء العرب والمسلمين، فجمعت في الماضي المتحاربين الأفغان والفرقاء العراقيين والفصائل الفلسطينية والفئات اليمنية طوال الأعوام الماضية ليتوصلوا إلى اتفاقات سلام يقسمون تحت الكعبة أن يصونوها، لكنهم سرعان ما ينقضوها حال عودتهم، ويستأنفون القتال.

وها هي السعودية اليوم تجمع فريقي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جدة على أمل التوصل إلى وقف لإطلاق النار وحقن دماء السودانيين في هذا البلد المنكوب، لكن الأخبار المتسربة والتصريحات العلنية لا تبشر بالتفاؤل والسلام.

سوف تتغير الألوان السودانية الخضراء الجميلة إلى لون الدم الأحمر القاني، وستتدخل أطراف من ألوان عدة سوف يضيفون إلى اللون السوداني ألواناً غريبة عليه وستنعدم الرؤية في البلاد، وتختلط الألوان ليصبح السودان خليطاً من ألوان عدة من الفوضى والموت والدمار. عسى أن أكون مخطئاً!

التعليقات معطلة.