تجميد تمويل الخدمات الأساسية وإعاقة عوائدها
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن إعادة إعمار سنجار [بالكردية: شنگال]، في شمال العراق، الذي تضرر بشدة في القتال ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا بـ ’داعش‘)، متوقفة بسبب الخلاف السياسي حول إدارتها.
في أبريل/نيسان 2023، أمر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الحكومة بفتح حملة لإعادة إعمار سنجار وتخصيص 50 مليار دينار عراقي (34.2 مليون دولار أمريكي) لذلك. لكن الخلاف السياسي بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق حال دون استخدام الأموال المخصصة سابقا، في حين أن البنية التحتية المتضررة والخدمات الأساسية السيئة عرقلت عودة أكثر من 200 ألف شخص نزحوا من المنطقة منذ 2014، منهم 85٪ من الأقلية اليزيدية في العراق.
قالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: “تخصيص الأموال تطور إيجابي إذا استُثمرت بالفعل في الخدمات والبنية التحتية لتحسين حصول سكان سنجار على الرعاية الصحية، والكهرباء، والمياه، والسكن. الاقتتال السياسي يمنع استخدام الأموال المتاحة بينما يظل السنجاريون في حالة من عدم اليقين”.
وفقا لـ “المنظمة الدولية للهجرة”، وكالة “الأمم المتحدة” للهجرة، دُمرت 80٪ من البنية التحتية العامة و70٪ من المنازل في مدينة سنجار، أكبر مدينة في القضاء [وحدة إدارية بموجب التقسيم الإداري المعتمد في العراق]، خلال النزاع ضد داعش بين 2014 و2017. قال السكان إن الكهرباء والمياه غير متوفرتين باستمرار، وما تزال العديد من المرافق التعليمية والصحية متضررة أو مدمرة، وهناك نقص الموظفين حيثما وجدت هذه المرافق.
قابلت هيومن رايتس ووتش عشرات السنجاريين المقيمين في مخيمات للنازحين في محافظة دهوك، وثلاثة سنجاريين عادوا إلى سنجار؛ ومسؤولين حكوميين من كردستان وبغداد، والقائممقام السابق لـ “الإدارة الذاتية” لسنجار، ورئيس مستشفى سنجار العام، وممثلي ست منظمات مجتمع مدني؛ ودبلوماسيَين غربيَين.
سنجار منطقة متنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة الفيدرالية. يعمل قائممقام سنوني، في شمال سنجار، مؤقتا كقائممقام سنجار، ومقرها خارج دهوك، حيث يضطر السنجاريون إلى السفر للحصول على خدمات التوثيق الإدارية والمدنية. أنشأت “وحدات مقاومة سنجار”، وهي ميليشيا يقودها اليزيديون ولها صلات مفترضة بـ “حزب العمال الكردستاني”، إدارة محلية تتمتع بالحكم الذاتي في سنجار في 2017 وانتخبت قائممقام لا تعترف به رسميا حكومة إقليم كردستان العراق أو الحكومة الفيدرالية.
بموجب اتفاق سنجار لسنة 2020، خصص العراق 28 مليار دينار عراقي (18 مليون دولار) لـ”صندوق إعادة إعمار سنجار”. قال محافظ نينوى نجم الجبوري، إن أربيل وبغداد ترفضان إنفاق الأموال قبل الاتفاق على من سيكون مسؤولا عن الإدارة المحلية لسنجار، لكن المناقشات توقفت. لم تتمكنا من الاتفاق على مرشح مناسب لمنصب قائممقام سنجار، وكثيرا ما يرفض السنجاريون، الذين يشعرون بالتهميش والإقصاء من العملية، المرشحين المقترحين.
قال الجبوري إن اتفاق سنجار يدعو أيضا إلى تشكيل لجنة مشتركة مع ممثلين عن حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة العراقية الفيدرالية لتوزيع هذه الأموال، لكن اللجنة لم تُشكَّل بعد. لا توجد أحكام لضمان المشاركة المحلية في عمليات صنع القرار، ما فاقم شعور السنجاريين بالإقصاء.
أشار كل الذين قابلناهم إلى نقص الخدمات العامة الملائمة كعائق أمام العودة بالإضافة إلى الوضع الأمني غير المستقر وعدم تقديم الحكومة تعويضات عن المنازل والأعمال التجارية المدمرة.
قالوا إن التعليم العام ليس متاحا بسهولة، وذلك جزئيا بسبب تدمير المدارس. حتى في الأماكن التي يمكن الوصول إليها، يُقوّض الاكتظاظ جودة التعليم، حيث تستقبل بعض المدارس طلابا من قرى متعددة، ونقص الموظفين لان آلاف المعلمين ما يزالون نازحين. وجد مسح أجرته المنظمة الدولية للهجرة أن 58٪ من السكان يفتقرون إلى الوصول إلى مدرسة ثانوية عاملة ضمن نطاق خمسة كيلومتر من محل إقامتهم.
قال حسن صالح مراد، مدير تربية سنجار: “توجد في سنجار 206 مدرسة، لكن 96 منها فقط تعمل حاليا بسبب مجموعة من العوامل، مثل نقص الطاقم التعليمي، واستمرار تهجير العائلات، وتدمير المباني المدرسية. نظرا لنقص المعلمين والمرافق المدرسية، تضم المدرسة الواحدة ما بين 600 وألف تلميذ مسجلين فيها، رغم أنها لا يمكن أن تستوعب أكثر من 400 طالب”.
قال مراد إن الجماعات المسلحة تستخدم ثلاث مدارس كقواعد عسكرية، ما يقوّض الوصول إلى التعليم ويُعرّض البنية التحتية للمدارس لخطر الهجوم. تتنافس 12 جماعة مسلحة للسيطرة على سنجار، وأسفرت محاولات الحكومة لاستعادة السيطرة الإدارية على المنطقة عن اشتباكات عنيفة ومزيد من النزوح، كان آخرها في مايو/أيار 2022. عرّض وجود وحدات مقاومة سنجار المنطقة لغارات جوية تركية، منها استهداف مستشفى في أغسطس/آب 2021. وثّقت هيومن رايتس ووتش الاستخدام العسكري للمدارس في سنجار وتجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة، بما فيه في المدارس، في 2016.
قال وعد عبده، الذي هُجّر من قرية كرمز في 2014، إن القتال دمر المدرسة في قريته، “وعلى أي حال لا يوجد مدرسون. يتعين على الأطفال من قريتي وثلاث قرى حولها السفر إلى نفس المدرسة، وهي مزدحمة للغاية”.
تواجه دائرة الصحة في سنجار أيضا الاكتظاظ، ونقص المهنيين المؤهلين، ودمار البنية التحتية. يوجد مستشفيان عامان يخدمان المنطقة، أحدهما في مدينة سنجار والآخر في سنوني شمال جبل سنجار.
قال الدكتور دلشاد علي، مدير مستشفى سنجار العام: “تضرر المستشفى أثناء العمليات العسكرية. نحن نعمل في موقع بديل صغير الآن، ولدينا فقط 53 سريرا بدلا من 130 سريرا امتلكناها سابقا. ما يزال الموقع الأصلي لمستشفى سنوني يعمل. من بين 26 مركزا للصحة الأولية، تعمل جميعها باستثناء مركزين في منطقة سنوني الفرعية، واللذان يحتاجان إلى إعادة بناء”.
لدى كلا المستشفيين قدرة محدودة على علاج الحالات المعقدة، نظرا لنقص المتخصصين، لذلك يتعين على من لديهم حالات طبية طارئة أو أمراض معقدة السفر من ساعتين إلى ثلاث ساعات إلى دهوك أو الموصل للحصول على الرعاية. قال الذين قابلناهم إن نقص الوصول إلى الرعاية الصحية يشكل عقبة رئيسية أمام العودة، خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين لديهم أمراض مزمنة والنساء الحوامل.
قالت إيدي جيجي، وهي نازحة في مخيم خانكي غير الرسمي: “لدي عدة أمراض مزمنة ولا يوجد مستشفى هناك لمساعدتي. لماذا أعود إلى سنجار إذا كنت بحاجة إلى العودة إلى دهوك كل أسبوع للعلاج؟ لا يوجد رجال في منزلي. من الصعب علي الذهاب هناك بمفردي”.
قال أشخاص أيضا إن الكهرباء والماء ليسا متوفرين بشكل ثابت، حيث أفاد العائدون أن الكهرباء تتوفر بين ساعتين وعشر ساعات في اليوم. وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، أفاد 90٪ من سكان سنجار اعتمادهم على نقل المياه بالشاحنات أحيانا أو دائما، وأفاد 76٪ عن مشكلات تتعلق بمذاق مياه الشرب أو مظهرها أو رائحتها.
قال محمد مجيد، مدير دائرة كهرباء سنجار، إن “المحطة 132″، محطة توليد الكهرباء الرئيسية في سنجار، و”المحطة 133″، وهي محطة احتياطية، دُمرتا أثناء العمليات العسكرية ولم يُبنيا مجددا بعد. قال: “نحن قادرون حاليا على توفير 18 ساعة من الكهرباء يوميا لأننا في الربيع والطقس ليس حارا جدا، لكن بمجرد حلول الصيف، نستطيع توفير 12 ساعة فقط في اليوم”.
قال مجيد إن بعض الإصلاحات لشبكة الكهرباء قد بدأت باستخدام “الدعم الطارئ للأمن الغذائي”. اعتمد قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي في يونيو/حزيران 2022 لتمكين للحكومة من تلبية الاحتياجات العاجلة كالغذاء والطاقة ودفع رواتب موظفي القطاع العام، حيث ظلت البلاد بسبب شهور من الجمود السياسي دون ميزانية.
قالت سعاد، وهي عائدة من قرية خانصور: “من يستطيعون تحمل تكاليف المولدات يمتلكونها، ويدفعون 20 ألف دينار عراقي (15 دولار) لكل أمبير من الكهرباء. ندفع 15 ألف دينار (11 دولار) يوميا لمياه الشرب، واضطررنا إلى حفر بئر للحصول على مياه كافية للغسيل”.
يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور العراقي حقوق المواطنين في الصحة، والتعليم، والسكن، ومستوى معيشي لائق. يشمل الحق في مستوى معيشي لائق حق الجميع في الماء والكهرباء، من بين أمور أخرى حسبما خلصت إليه هيومن رايتس ووتش. صادق العراق على العديد من معاهدات حقوق الإنسان التي تتضمن التزامات تتعلق بهذه الحقوق.
قالت صنبر: “لتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم واحترام الحقوق الاقتصادية لجميع السنجاريين، ينبغي للحكومة اتباع نهج متكامل تجاه سنجار، يشمل إعادة الإعمار، وإعادة التأهيل، والتعويضات، والإدارة، والأمن. ستستمر معاناة العائدين في ظل غياب الخدمات الحكومية مع بقاء النازحين عالقين في حالة من عدم اليقين”.