طارق الحميدصحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
نجت المنطقة من كارثة حقيقية، ولكن بشكل مؤقت، عندما اكتفت كل من باكستان وإيران بضربات متبادلة على حدود البلدين، وذلك بعد الاعتداء غير المسبوق الذي قامت به طهران على الحدود الباكستانية.
الاعتداء الإيراني على الأراضي الباكستانية كاد يؤدي إلى كارثة حقيقية كون باكستان دولة نووية، وبعدد سكان 250 مليوناً، وصاحبة جيش قوي. ومن شأن أي مواجهة عسكرية بين إيران وباكستان أن تفجّر حرباً طائفية غير مسبوقة.
ووقوع حرب من هذا النوع، لا قدر الله، من شأنه أن يؤدي أيضاً إلى عودة كل التنظيمات الإرهابية، وتدشين عالم الميليشيات بكل المنطقة، وبشكل غير مسبوق، ومن شأنه أيضاً تعطيل كل حركة إصلاحية بالمنطقة.
حسناً، كيف نقرأ الاعتداء الإيراني غير المسبوق، والذي أدى إلى رد باكستاني مباشر وسريع هو الأول من نوعه على الأراضي الإيرانية من قبل دولة بالمنطقة، ومنذ حرب الثمانية أعوام الإيرانية – العراقية، عام 1980؟
ما فعلته طهران من استهداف للأراضي الباكستانية يقول لنا إن لا خطوط حمراء بالمنطقة لدى إيران. كما يقول لنا إن النظام الإيراني، وكلما شعر بالخطر، أو الحصار، فإنه لا يتوانى عن القفز للمجهول كونه نظاماً يعيش على حافة الهاوية.
وهذا ليس كلاماً مرسلاً، حيث نقلت وكالة «رويترز» عن 3 مسؤولين إيرانيين أن الضربة الإيرانية على باكستان كانت مدفوعة بجهود طهران لتعزيز أمنها الداخلي بدلاً من طموحاتها للشرق الأوسط.
وجاء ذلك بعد التفجيرات الأخيرة في كرمان، جنوب شرقي إيران، وذهب ضحيتها قرابة المائة قتيل، وهو ما أظهر أن الأوضاع الأمنية بإيران هشّة، خصوصاً بعد الاختراقات الأمنية المتوالية للداخل الإيراني من قبل الإسرائيليين.
وتُضاف إلى كل ذلك الضربات التي تتلقاها ميليشيات طهران مؤخراً في العراق واليمن وسوريا من قبل الأميركيين. وكذلك الضربات التي تتلقاها إيران و«حزب الله» بسوريا من قبل الإسرائيليين، مثل مقتل قائد «فيلق القدس»، ومدير مخابرات الفيلق الذي قُتل أمس بسوريا.
كل ذلك دفع الإيرانيين للإقدام على تنفيذ ضربات من شأنها حفظ ماء الوجه، سواء في العراق أو سوريا، لكن اللافت هو مغامرة استهداف الأراضي الباكستانية، وهو ما جوبه برد باكستاني سريع، وذي رسالة واضحة مفادها بأن باكستان خط أحمر، وخارج نطاق المغامرة الإيرانية.
فعلت طهران ما فعلته الآن، وما دأبت على فعله، وهي لم تصبح بعد دولة نووية، مما يستوجب طرح السؤال الملح وهو: كيف ستكون إذاً إيران النووية؟ ما حدود مغامرة طهران بالمنطقة، أو على كل الحدود الإيرانية؟
كل الأحداث بتاريخ إيران الثورة الخمينية، وحتى الآن، يقول إنه من الصعب التنبؤ بسلوك النظام الذي لا يتوانى عن التصعيد، ولو كلف نتائج وخيمة. صحيح أن إيران دائماً ما تقف عند حد الهاوية، لكن الأمر غير مضمون دائماً.
وعليه، فإن انحسار الأزمة الإيرانية – الباكستانية بمثابة النجاة المؤقتة؛ لأن لا شيء مضموناً مع هذا النهج الإيراني المعني دوماً بالهروب للأمام، وهذه الأزمة بحد ذاتها ناقوس خطر يذكّر بخطورة المشروع الإيراني ليس على المنطقة وحسب، بل وحتى على الداخل الإيراني.