شظايا العراق تقرب الشرق الأوسط من الانفجار

1

الفصائل المسلحة تصعد هجماتها ضد القوات الأميركية ومراقبون يخشون انفلات الأمور

مؤيد الطرفي مراسل عراقي  

أضرار جسيمة لحقت بقاعدة عين الأسد لقوات التحالف في العراق عام 2020 (أ ف ب)

انحرف أسلوب التصعيد ضد القوات الأميركية بالعراق إلى أشكال أكثر خطورة فبعد ضربات المسيرات التي تستهدف قواعد التحالف الدولي لا سيما “عين الأسد” غرب البلاد و”حرير” في أربيل عاصمة إقليم كردستان، لكن الأزمة باتت أكثر تعقيداً بعد اعتماد الصواريخ الباليستية وهو أسلوب جديد تتبعه الفصائل المسلحة بعد إسقاط عديد من مسيراتها قبل الوصول إلى أهدافها.

وتعرضت قاعدة عين الأسد للاستهداف، أمس السبت، بمجموعة من الصواريخ الباليستية أصيب على أثرها عدد من الجنود الأميركيين بإصابات طفيفة وأحد أفراد قوات الأمن العراقية.

وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان إن “ميليشيات مدعومة من إيران في غرب العراق استهدفت قاعدة عين الأسد الجوية بعدد من الصواريخ والصواريخ الباليستية السبت”، موضحة أن أنظمة الدفاع الجوي في القاعدة اعترضت معظم الصواريخ، فيما أصابت بعضها القاعدة، بحسب “رويترز”.

ويبدو أن الاستهدافات المتكررة للقواعد الأميركية أثار كثيراً من المخاوف من انجرار العراق إلى الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

وحذرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد، غينين هينيس بلاسخارت، أمس، من أن العراق معرض لخطر “الانجرار إلى الصراع” الدائر في منطقة الشرق الأوسط.

وقالت الممثلة الأممية، في بيان، “يمر الشرق الأوسط بمرحلة حرجة، حيث يهدد الصراع المحتدم في غزة والأعمال المسلحة في أماكن أخرى باندلاع مواجهة كبيرة والعراق معرض لخطر مزيد من الانجرار إلى هذا الصراع”.

وتابعت، “على رغم جهود الحكومة لمنع تصاعد حدة التوتر، فإن الهجمات المستمرة -التي تنطلق من داخل حدود العراق وخارجها- من شأنها أن تؤدي إلى تقويض الاستقرار الذي تحقق بعد جهد جهيد في البلاد والإنجازات التي حققتها في السنوات الأخيرة”.

ووفق للبيان فإن “جميع جهود الأمم المتحدة تتركز على السعي إلى إنهاء الصراع في غزة وتجنب امتداده إلى المنطقة”، مشيراً إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا مراراً إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة، وإيصال الإغاثة المستدامة، والاحترام الكامل للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين والإفراج غير المشروط عن جميع المحتجزين.

وقال البيان إن “استقرار العراق وأمنه هما في مقدمة وصلب جميع أعمالنا”، داعياً جميع الأطراف في هذا البلد إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس”.

الخروج الفوري

غير أن جميع المؤشرات تقول إن حجم التوتر في العراق سيتزايد لا سيما في ظل عزم الفصائل المسلحة تكثيف هجماتها من أجل الإسراع بإخراج القوات الأميركية من بلاد الرافدين في ظل حوار مرتقب مع واشنطن لوضع جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من البلاد.

وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في حديث خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الذي اختتم أعماله، أول من أمس الجمعة، إنه من الضروري “البدء فوراً في حوار للخروج بتفاهم حول ترتيب جدول زمني لإنهاء مهمة المستشارين الدوليين”.

أضاف أن “انتهاء مهمة التحالف الدولي ضرورة لأمن واستقرار العراق، كما أنها مهمة للحفاظ على العلاقات الثنائية البناءة بين بغداد ودول التحالف”.

الهجمات ستزداد

ويرى مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية معتز محيي عبدالحميد، أن الهجمات الصاروخية وضربات المسيرات على القواعد الأميركية من قبل الفصائل المسلحة ستزداد لكنه حذر من أن رد واشنطن سيكون قاسياً.

وقال عبدالحميد، “العراق ومنطقة الشرق الأوسط يمران بمرحلة حرجة، فهناك ضربات إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية والرد عليها من أطراف عراقية وإيرانية، وأصبح هذا الرد أكثر كثافة في الوقت الحاضر”.

وأعاد التذكير بأن العراق حذَّر من جر المنطقة إلى صراع يشعل المنطقة لا ينطفئ بسهولة من ثم هذه الضربات ستكون أكثر في المستقبل إذ إن صراع غزة لا ينتهي في ظل رغبة تل أبيب تحقيق نصر معنوي للجيش الإسرائيلي.

وتوقع أن “يستمر النزاع في المنطقة مع سير إسرائيل وفق هذه الاستراتيجية ولا ترضخ لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ونشاهد هناك ردود فعل كبيرة من قبل تل أبيب، كما حدث في دمشق من ضرب قيادات ومستشارين إيرانيين وحدث في بيروت قبل أسابيع والعراق، ولذلك سيبقى الشرق الأوسط أكثر سخونة في الأيام المقبلة”.

واستبعد مغادرة القوات الأميركية العراق بسهولة كونهم يدركون أهمية بغداد ودورها المستقبلي في المنطقة، موضحاً أن “هناك أطرافاً عراقية لا ترغب بمغادرة الأميركان وتؤيد بقاءهم ونجد أن الضغط موجود على الحكومة العراقية من خلال الضربات التي تشنها الفصائل المسلحة”.

واعتبر مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية أن استخدام الفصائل المسلحة الصواريخ في هجماتها ضد القواعد الأميركية هو حدث جديد، لكنه نبَّه إلى أن الحوثيين استخدموا قبل ذلك الضربات الصاروخية في منطقة البحر الأحمر، وكان الرد الأميركي عليها قاسياً.

تحول استراتيجي

فيما رأى مدير مركز التفكير السياسي أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد إحسان الشمري أن الاستهداف الأخير لقاعدة عين الأسد يعد تحولاً استراتيجياً للفصائل المسلحة تجاه وجود القواعد الأميركية.

وقال الشمري “الاستهداف الأخير لعين الأسد من ناحية عدد الصواريخ على القاعدة ونوعيتها كونها أسلحة باليستية يبين أن هناك تحولاً في استراتيجية الفصائل المسلحة تجاه وجود القواعد الأميركية في العراق”.

وأشار إلى أن الاستهدافات الأخيرة لا تعد تخفيفاً عن الضغط الإسرائيلي على حركة “حماس” أو الحرب في غزة، موضحاً أن ما يجري “حسابات عراقية”.

وذكر أن الهجوم يمثل إعطاء ورقة للمفاوض العراقي، فمع إعلان رئيس الوزراء بالبدء بترتيب المفاوضات صعدت هذه الفصائل من هجماتها واستهدافاتها في حسابات إعلان الانتصار حال الاتفاق على جدول لسحب القوات الأميركية.

تبدو هذه الهجمات انعكاساً لما يجري من هجمات تنفذها الولايات المتحدة وبريطانيا تجاه الحوثيين مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الاستهدافات التي تجري لـ”حزب الله” ولبعض قيادات الحرس الثوري الإيراني والتي تعمل على تسخين وتصاعد هذه الهجمات، بحسب الشمري.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة أعلنت استراتيجية الرد العنيف سواء على مستوى استهداف مقار القيادة والتحكم والسيطرة أو استهداف قيادات هذه الفصائل، لذلك لن تتوقف هذه الهجمات، وهذا ما أشارت إليه ممثلة الأمين العام الأمم المتحدة، وقالت إن العراق في دائرة الخطر وإن استمرار الهجمات سيقوض الأمن والاستقرار، منبهة إلى عجز الحكومة العراقية عن وقف الضربات.

العراق ليس أفغانستان

فيما استبعد مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل انسحاب القوات الأميركية تحت ضغط ضربات الفصائل المسلحة، متوقعاً أن تزداد حجم ضربات الصواريخ والمسيرات في حق القوات الأميركية.

وقال فيصل “الأهمية الجيوستراتيجية للعراق في قلب الشرق الأوسط وامتلاكه ثروات هائلة إضافة إلى الموارد البشرية لا يمكن مقارنته بأفغانستان فبعض قيادات المقاومة الإسلامية بالعراق تتوقع أنها ستتمكن من خلال الصواريخ والمسيرات على إجبار واشنطن على مغادرة العراق”.

وأشار إلى أن العراق في قلب الشرق الأوسط والخليج العربي وهذه المنطقة تمثل مجال حيوي في الأمن القومي الأميركي.

وأكد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن دورها ونفوذها في العراق لا سيما أن واشنطن قادت تحالفاً لـ”احتلال بلاد الرافدين” الذي كلفها بحسب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب 3.5 تريليون دولار.

وأشار إلى أن “الولايات المتحدة في حرب باردة مع إيران ومواجهات مسلحة مع الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني لذلك نتوقع زيادة قصف الصواريخ والمسيرات للقواعد الأميركية، ولكن هذا التصعيد قد تدفعه الفصائل المسلحة، كما حدث ذلك في ضرب مواقع تلك الفصائل وتتوسع المواجهة خصوصاً بعدما أعلنت إيران بعد قصفها لباكستان عن استعدادها للذهاب لحرب إقليمية”. وختم حديثه بالقول “لا يمكن في ظل هذه الظروف أن تنسحب الولايات المتحدة من العراق”.

التعليقات معطلة.