​ “قمّة الجزائر” لمنتدى الدّول المصدّرة للغاز … البحث عن سعر عادل

1

شعار قمة الغاز في الجزائر

تستعد الجزائر لاحتضان القمة السابعة لرؤساء دول منتدى الدول المصدرة للغاز وحكوماتها المزمع انعقادها بين 29 شباط (فبراير) و2 آذار (مارس) 2024. والجزائر التي تعد مصدراً مهماً لإمدادات الغاز للعديد من دول العالم، بخاصة خلال السنوات الأخيرة، تولي القمة أهمية قصوى، ويبدو ذلك من خلال التحضيرات اللوجستية والتسويق الإعلامي، وهو ما يتجلى من خلال توفير كل الإمكانات المادية وغيرها لضيوف الجزائر من رؤساء الدول والحكومات والوزراء، إضافة إلى مجالات التعاطي الإعلامي مع قمة تريدها السلطات الجزائرية في مستوى بلد يعد من أكبر الدول المصدرة للغاز في العالم. 
وخصصت وزارة الإعلام تدريبات نوعية للصحافيين المكلفين تغطية القمة، كما أطلقت الرئاسة الجزائرية موقعاً إلكترونياً خاصاً بالقمة يحتوي على كل التفاصيل والمعلومات المتعلقة بالحدث.
وفي هذا الشأن يقول الخبير الاقتصادي أحمد حيدوسي لـ”النهار العربي” إن احتضان الجزائر قمة الغاز “يدحض مزاعم انتقالها الطاقوي الحاد وتخليها عن الطاقة الأحفورية، ويؤكد إيلاءها الأهمية الكبرى للغاز، لا سيما أنها واصلت استثماراتها في الغاز وخصصت أكثر من 30 مليار دولار للاستثمارات الغازية”. 
وكانت الجزائر قد اختيرت أيضاً، خلال القمة السادسة لرؤساء منتدى الدول المصدرة للغاز  في العاصمة القطرية الدوحة في شباط (فبراير) 2022، لاحتضان المقر الرئيسي لمعهد أبحاث الغاز التابع لمنتدى الدول المصدرة للغاز، والذي يعد مركزاً للابتكار والأبحاث مخصصاً لتعزيز فهم التقنيات المتعلقة بالغاز وتطبيقها، وهو المعهد الذي سيتم تدشينه خلال اليوم الأول من أعمال المنتدى.
الجزائر… اختيار صائب ونجاح متوقعوتحاول الجزائر أن تلعب دوراً بارزاً في سوق الغاز العالمي من خلال جذب زبائن جدد وتوقيع عقود متوسطة وطويلة المدى مع عدد من الدول في مناطق مختلفة. 

ورفعت الجزائر إمداداتها من الغاز نحو أوروبا التي تعد الوجهة الأكبر عالمياً، إلى 85 في المئة؛ إذ سجل تهافت أوروبي على الغاز الجزائري خلال الأعوام الأخيرة على وجه الخصوص، وأبرمت دول عديدة عقوداً مع الجزائر، كتركيا مثلاً التي طلبت رفع إمداداتها من غاز الجزائر بعد الأزمة الأرمينية –  الأذربيجانية، إذ توصل البلدان إلى رفع الإمدادات بأكثر من 5 مليارات متر مكعب؛ إضافة إلى كل من بريطانيا وألمانيا، والأخيرة أضحت زبوناً للجزائر من خلال توقيعها عقداً طويل الأمد مدته 10 سنوات.
هذه المستجدات دفعت السلطات في الجزائر إلى تعزيز استثماراتها في مجال الغاز واستكشاف حقول غازية أخرى تمكنها من تلبية الطلب المتزايد، علاوة على احتياطياتها الغازية والتي تصل إلى أكثر من 2400 مليار متر مكعب، ما يضعها في المراتب الأولى عالمياً.
من هذا المنطلق، تبرز أهمية الجزائر كلاعب محوري في سوق الغاز، يقول حيدوسي، مشيراً إلى أن “كل هذه المعطيات تجعل من اختيار الجزائر لاحتضان القمة السابعة لرؤساء دول منتدى الدول المصدرة للغاز، صائباً ومهماً، بل إنها ستشهد نجاحاً ودفعاً هاماً لسوق الغاز العالمي”.
نحو سعر عادلويؤكد القائمون على تنظيم القمة السابعة للدول المصدرة للغاز، أن الحدث سيتوج بـ”إعلان الجزائر”، الذي سيرفعه فريق العمل المتخصص الرفيع المستوى، بمشاركة الأعضاء المعنيين، إلى الاجتماع الوزاري ومن ثم إلى قمة رؤساء الدول والحكومات يوم 2 آذار (مارس).
وبحسب قول مصادر لـ”النهار العربي”، فإن النقاشات خلال الاجتماع الوزاري سترتكز على متطلبات الاستثمارات في الغاز وكيفية الوصول إلى أسعار تخدم المنتج والمستهلك على حد سواء، بخاصة أن الدول المصدرة للغاز كثيراً ما اشتكت من الأسعار المتدنية مقارنة بالنفط رغم الأهمية التي يلعبها الأول في عالم اليوم.
وفي هذا الصدد يؤكد حيدوسي أن “قمة الغاز في الجزائر ستبحث في الميكانيزمات الضرورية التي تجعل آلية السوق تشتغل، إذ إن آليات تحديد أسعار الغاز اليوم لا تتم وفق معايير وآلية السوق، حيث تدخل متغيرات عديدة في تحديد السعر الذي هو حتى الآن غير عادل للدول المنتجة، بخاصة مع الإكراهات السياسية والظروف العالمية الراهنة، فكلها عوامل تسهم في رسم مستقبل سوق الغاز العالمي”. ويضيف أن عدم وجود أسواق مستقبلية بمعايير السوق المتعارف عليها سيؤدي حتماً إلى اضمحلال الاستثمارات في الغاز، وهو ما يدفع حتماً إلى تراجع هذه الطاقة، على أهميتها، بخاصة أن هذا القطاع عامةً في حاجة لأموال ضخمة للاستثمار فيه.
ويلفت حيدوسي إلى أن “الدراسات تشير إلى أن سوق الغاز لا يزال وسيبقى إلى ما بعد 2050، بل إنه سينتقل بعد ذلك من 22 في المئة من المزيج الطاقوي العالمي إلى 26 في المئة، وبالتالي ستتسع مكانة الغاز أكثر وأكثر، وسيرتقي إلى مصاف سلعة استراتيجية معول عليها في العقود المقبلة، وهو ما يجعل من قمة الغاز في الجزائر مهمة جداً للتوصل إلى ميكانيزمات يُحدَّد من خلالها سعر عادل يخدم المنتجين والمستهلكين جميعاً”. 
قمة… بعد أزماتوتأتي قمة الجزائر في ظرف دولي يشهد العديد من التوترات وعلى مستوى مناطق عدة، وهو ما أثر تأثيراً واسعاً على الإمدادات الغازية لكثير من دول العالم، وبالتالي على سوق الغاز الدولي. ويؤكد خبراء أن القمة تأتي في ظرف جيوسياسي حساس جداً تطبعه اختلالات دولية ودبلوماسية لم يشهدها سوق الطاقة الدولي على الأقل منذ بداية الألفية الحالية.
“إن الظرف الجيوسياسي والتكنولوجي، إضافة إلى التغير المناخي، معقد جداً، لذا فإن احتضان الجزائر هذه القمة مهم جداً من حيث المكان بحد ذاته، ومن ناحية التوقيت الذي جاء بعد أزمات متعددة طبعت وتطبع الحياة السياسية الدولية وحتى الأسواق العالمية، بخاصة خلال السنتين الأخيرتين” يقول حيدوسي. ويضيف: “نتحدث هنا عن الأزمة الروسية الأوكرانية وعن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر وعلى مضيق باب المندب، الذي يعد معبراً مهماً للطاقة، إذ يعبره بين 14 و15 في المئة من حجم التجارة البحرية التي تمثل أكثر من 85 في المئة من حجم التجارة العالمية ككل”.
وسبق للجزائر احتضان قمم على هذا المستوى، سواء تعلق الأمر بمنتدى الدول المصدرة للغاز أو بالطاقة عامةً، منها قمتا 2002 و2010، وهما قمتان جاءتا بعد أزمتين عالميتين، تتعلق الأولى بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والتي كانت لها تداعيات اقتصادية جمة وعلى أسعار الطاقة، بما فيها أسعار الغاز؛ أما الثانية فتخص أزمة الرهن العقاري سنة 2008، والتي كانت لها تأثيرات كبيرة على البورصات العالمية ومن ثم على سوق الطاقة.
ثورة تكنولوجية في مسار الانتقال الطاقوي وأساليب الإنتاجوبعيداً من الأزمات السياسية وتداعياتها، يتحدث متابعون عن الثورة التكنولوجية التي شهدها مسار الانتقال الطاقوي والابتكارات المتعلقة به، وكذا الأساليب الجديدة المبتكرة في إنتاج الطاقة، والتي عدّت تطوراً تكنولوجياً كبيراً.
ويشير حيدوسي إلى أن المتغيرات الجديدة الخاصة بأساليب الاستكشاف والإنتاج وغيرها تغير من النظرة السلبية للطاقة على أنها ملوثة للبيئة، إذ علاوة على الابتكارات الحديثة، فإن “الغاز يعتبر وقوداً أحفورياً نظيفاً ولا ضرر له على المحيط البيئي”.

التعليقات معطلة.