التوريق بمعنى التحبير

1

سمير عطا الله

سمير عطا الله

كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».

أطلق الدكتور عبد الله الغذامي على نقلته من الأبحاث المطولة والمعمقة إلى الكتابة اليومية المختصة اسم «التوريق». وقد أعطى الغذامي لنفسه حيزاً أضيق بكثير مما يعطاه كتّاب الأعمدة، وهو نحو 400 كلمة، هذا يعني بكل بساطة أن العمل أكثر مشقة؛ لأن الاختصار قاسٍ أحياناً على صاحبه، خصوصاً إذا كان من الرواد الأولى مثله. مطرداً أو مقتضباً، تحمل أشجار الغذامي ثمراً عديداً. وتشبه «ورقته»، إذا صح التعبير، بستاناً من بساتين الرشيد، تتعدد فيه متعة الطبيعة ولذة العطاء. غير أن التبسيط هنا والاقتضاب القصري، أو التلقائي، لا يجرد المقال من الطابع الفكري الملازم للرجل. فهو يغرف من بحر القراءات والذكريات، خصوصاً في معارفه الجمّة، عن مراحل العصر في نشوء تاريخ الجزيرة والخليج.

يُقرأ الجزء الأول من «التوريقات» (المركز الثقافي العربي) على أنه دفتر من المفكرات المتنوعة، تنوع الأيام والأحداث. دائماً في هدوء ودائماً في تأنٍّ وسماع حيال الآخر. فالخطأ أو الثواب ليس حكماً مطلقاً. والتعدد نتيجة واقعية في الحياة الروائية، ومنها التعدد الثقافي. وهو سلوك لم نحسن اتخاذه. إذ يذكِّرنا المفكر السعودي بالستينات عندما «كان كل من يقف ضد العروبية يتحول تلقائياً إلى رجعي ممقوت إعلامياً وثقافياً، ولكن هذا الرجعي عاد، بعد انحسار الظرف، وصار وطنياً مثله مثل أي صوت آخر».

ثمة نقاش دائم في نصوص الغذامي، ولا أمر يؤخذ على عواهنه. كيوميات تقتضي أن يرفق الرواية بمرائيها. والأحداث تقتضي شرحها ولو مر عليها التاريخ. والعالم صغير في كل الأحوال.

هكذا نرى على سبيل المثال، المؤلف يلتقي العالم الشيخ حمد الجاسر عام 1980، فيسأله الشيخ إن كان يعرف رجلاً من حائل من عائلة الغذامي كان يساعده في بداياته في تأليف «معجم البلدان». فيبتسم صديق صاحبنا مجيباً: كان الرجل والدي.

يخالف الغذامي الرأي السائد من زمن، بأن الحكمة وراء النجاح. ويقول إن موعد الحكمة يأتي دائماً متأخراً وبعد انقضاء الحاجة إليها، مؤكداً «أننا لا نكون حكماء إلا بعد انكسار الجرة، ولو بلغناها قبل الحدث، لأصبحنا في دفتر الناجحين. وليس من الحكمة وما نسميه ثقافياً بالحكمة، ليس سوى خلاصة ذهنية راقية ومغرية، ولها مسكن أثير على الألسنة، والثابت أن الإنسان لم ينجح في الحكمة، وأكثر النجاحات تأتي عبر المغامرة التي قد نسميها جنوناً». يدافع المؤلف في «التوريق» عن فكرة وأسلوب «تويتر»، ويعتبر التغريدة فناً من فنون الأسلوب الأدبي؛ لأنها تُلزم مستخدمها بإتقان الاختصار.

التعليقات معطلة.