هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية – التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، تداولت مصادر موثوقة أخباراً عن شكوى بعض أركان إيران قدمها علي لاريجاني ومجتبى خامنئي إلى المرشد الأعلى، وفيها أن إدارة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي للبلاد ليست بالمستوى المطلوب ومتعثرة، وكنت أشرت إلى هذا في مقال كتبته بتاريخ 24 نوفمبر 2022، وذكرت آنذاك أن المرشد حسم الأمر وطلب من لاريجاني وابنه مجتبى أن عليهما القبول بقرارات الرئاسة وسياستها. بعدها بأسابيع تم إعدام علي أكبري بتهمة التجسس والخيانة بقرار صدر عن رئيسي (16 فبراير «شباط» 2023) ونُقلت أخبار تداولتها المصادر ذاتها عن غضب المرشد الأعلى من الإعدام بعدما طلب أن يكون العقاب السجن، وانقطع الاتصال المباشر بين رئيسي ومرشده علي خامنئي، وبات يتم بواسطة المساعدين وأبرزهم مجتبى خامنئي الذي كان ينقل له مقررات اتخذها والده متعلقة بإدارة شؤون الدولة والتي هي من صلاحيات رئيس الدولة، مما أصاب رئيسي بإحباط شديد، وخاصة بعد رفض المرشد التكلم المباشر معه.
بغض النظر عن أسباب سقوط الطائرة الرئاسية ومقتل رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ومرافقيهما، فإن الحدث بحد ذاته وكيفية تعامل الإعلام الرسمي معه لا يصب في مصلحة إيران. فكيف يمكن لدولة تدعي التقدم التكنولوجي وهي قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح قوة نووية، ألا يكون لديها القدرة على توفير وسيلة تنقل آمنة لرئيسها ولو بواسطة مروحية روسية أو صينية متطورة، وتحميل مسؤولية الحادث لعقوبات الولايات المتحدة التي تمنع توفر قطع غيار المروحيات؟! وإذا كان الحادث مدبراً بهدف التخلص من رئيسي فهذا يعني أن هناك صراع محاور عنيفاً ودموياً داخل النظام، وبالحالتين فإن فائض القوة الإيرانية أمر مبالغ فيه. ولعل خطاب أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، والذي أعلن أنه لتأبين رئيسي وعبداللهيان ومرافقيهما، وخصص نصر الله القسم الأكبر منه للكلام عن مدى قوة ومناعة نظام إيران، هو دليل على اهتزاز النظام وتصدعه.
في دردشة مع خبير في العلاقات الدولية قال إن أحد أهم أسس السياسة الدولية هو وجود حد أدنى من الاستقرار، ولو مصطنعاً، وذلك لسبب بسيط وهو تأمين تبادل المصالح. ويكمل أن هذا ليس متوفراً في إيران اليوم، فمركز قرار إيران الذي هو بيد المرشد الأعلى خامنئي الذي أدار البلاد فعلياً على مدى أربعين عاماً شارف على نهاياته، فهو متقدم بالسن ومريض، وهناك صراع حاد بين قوى واتجاهات متناقضة لخلافته في خضم غليان مستمر منذ زمن، خاصة بين الشباب الذين يتوقون إلى الحرية ورفع قبضة الملالي عنهم.
وكالة «تسنيم» شبه الرسمية الإيرانية قالت إن انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيتم في 28 الشهر المقبل، وقالت إن المرشد سيوافق على ترشيح ثلاث شخصيات، هم: برفيز فتاح، وهو ضابط سابق في «الحرس الثوري» ويدير اليوم محفظة مالية ضخمة للدولة تابعة للمرشد، ووزير المواصلات الحالي مهرزاد بازرباش، ورئيس بلدية طهران علي رضا زكاني، والذي كان مقرباً من رئيسي. وإذا كان صحيحاً ما توقعته وكالة «تسنيم»، فإنه ليس بين المرشحين من سيغير نهج رئيسي المحافظ، وستستمر حالة الحذر والخوف مما سيحصل ما بعد المرشد.
على كل، حتى قبل العثور على جثة رئيسي، غرد المرشد علي خامنئي، البالغ من العمر 85 عاماً، دعوة للهدوء. وقال: «لا تحتاج الأمة إلى القلق لأن إدارة البلاد لن تتعطل على الإطلاق».
بموجب القانون الإيراني، يجب على الرئيس بالإنابة محمد مخبر إجراء انتخابات لخليفة رئيسي في غضون 50 يوماً، ويقول المحللون إن رسالة خامنئي التي لا تقلق بالكاد تضمنت انتقالاً هادئاً للسلطة. فيما خلال فترة ولاية رئيسي، خرج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على قمع الحكومة وتعاملها مع الاقتصاد. ويعتقد العديد من الخبراء أن فترة الخمسين يوماً سيتخللها التوتر والاضطرابات المحتملة والحملات القمعية للقضاء على أي احتجاجات.
ولن تواجه القيادة الإيرانية أي مشكلة في العثور على المرشحين المتشددين وإجراء الانتخابات في غضون 50 يوماً. وكانت الانتخابات البرلمانية الإيرانية في مارس (آذار) 2024 شهدت إقبالاً منخفضاً قياسياً، مما كشف عن اتساع نطاق الانفصال بين الشعب الإيراني والنظام السياسي، ومع خروج المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من دائرة الترشح، يتم التشكيك بشكل متزايد في معنى الانتخابات.
*****
تأتي الوفيات في لحظة حرجة بالنسبة إلى إيران، أي بعد شهر واحد فقط من المواجهة مع إسرائيل التي أوصلت البلدين إلى حافة الحرب، وأيضاً بعد أيام فقط من إجراء الولايات المتحدة وإيران محادثات عبر وسطاء، في محاولة لخفض التوترات في المنطقة.
تترك وفاة رئيسي أسئلة أساسية: من سيكون الرئيس القادم للبلاد؟ وماذا لو حدث أي تغيير من حيث سياسات إيران الداخلية والخارجية؟
النظام في نقطة تحول سياسي واقتصادي وحتى عسكري، ومن المرجح أن تشهد فترة الخمسين يوماً قبل جولة جديدة من الانتخابات، جهداً مكثفاً بنفس القدر من قبل النظام لضمان عدم انتشار أي اقتتال داخلي في المجال العام.
وسيقرر مجلس صيانة الدستور الإيراني، وهو مجموعة من رجال الدين والمحامين البارزين، من يسمح له في الاقتراع.
ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في عام 2021، استبعد المجلس مئات المرشحين، وسمح في نهاية المطاف فقط لرئيسي وستة آخرين بخوض الانتخابات؛ إذ كانت لدى رئيسي سمعة الرجل الجليدي وغير الخيالي والمخلص.
إن الرئيس القادم، الذي سيتم اختياره في الانتخابات العامة التي ستخضع مرة أخرى لسيطرة صارمة من قبل السلطات، من المرجح أن يكون محافظاً مثل رئيسي، ولكنه أصغر سناً. من نواح كثيرة، سيكون من الصعب بالفعل استبدال رئيسي، في حين أن النظام سيفعل كل ما في وسعه لنشر الهدوء، إنه يعرف أن الانتخابات هي وقت الاضطرابات المحتملة، هذه الانتخابات يمكن أن تثير موجة جديدة من المتظاهرين.
وكان هذا الاتجاه جارياً في إيران منذ أكثر من عقد من الزمان، حيث يتزايد العداء الشعبي لحكم رجال الدين بين الشباب والسكان الفقراء بشكل متزايد في إيران.
ولفتت وفاة رئيسي الانتباه إلى صراع آخر على السلطة يلوح في الأفق في إيران. فعلى مدى عقود، كان منصب المرشد الأعلى هو مقر السلطة النهائية الإيرانية، والموقف الذي يسيطر على العناصر الآيديولوجية والقسرية للحكومة؛ إذ بلغ خامنئي الـ85 عاماً الشهر الماضي، وأفيد بأنه في صحة معتلة.
وفاة رئيسي ستجعل مجتبى خامنئي المرشح الأوفر حظاً؛ إذ لديه بالفعل علاقات قوية مع «الحرس الثوري»، ويد قوية على الجهاز الأمني الذي يديره مكتب المرشد الأعلى. وتعرف النخب المتشددة في إيران أنه سيحمي مصالحها. وقد يكون مجتبى خامنئي مرشحاً غير كفء لدور والده. وشعر بعض الإيرانيين بطموحه العام ليحل محل والده، ويلاحظ آخرون أنه لم يشغل أي مناصب عليا في الثيوقراطية. ربما الأهم من ذلك، أن خلافة الابن قد تعيد ذكريات حكم الشاه قبل الثورة.
وفي حين لم يظهر قادة إيران أي شهية للتصعيد إلى حرب كاملة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، تواصل البلاد تسليح ودعم الجماعات المسلحة مثل «حزب الله» في لبنان، و«الحوثيين» في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، ناهيك عن دعمها الطويل الأمد لـ«حماس».
فالتوقع هو استمرارية النظام كما هو أكثر من التغيير؛ لأن الحرب بالوكلاء كانت «ناجحة للغاية» بالنسبة إلى إيران، لدرجة أنه لا يوجد دافع لتحول النظام.
كما أنه من غير المحتمل أن تغير إيران مسارها في برنامجها النووي، فمنذ أن تراجعت الولايات المتحدة عن الصفقة، أنتجت إيران وقوداً نووياً مخصباً يصل تقريباً إلى المستوى اللازم لصنع العديد من القنابل النووية. كما أنه ليس من المتوقع أن يهدأ العداء لواشنطن في ظل رئيس إيراني جديد.