د. نانيس عبد الرازق فهمي
يشهد اليمن مع كل أهميته الأمنية والاستراتيجية للأمن القومي العربي أزمة منذ اندلاع الثورات العربية في عام2011 ، و تعقدت الأوضاع في اليمن بعد حادث اغتيال الحوثيين للرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعد حياة مليئة بالانقلابات والتحولات ،وبعد عقود من «الرقص على رؤوس الثعابين» وهي طريقته الخاصة لحكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود ،يتحالف وينقلب على نفس الجهة وفقا لمصلحة استمراره في حكم اليمن. شكل مقتله صدمة على كافة الجبهات ،وأدى ذلك لغياب قيادة واضحة لحزب المؤتمر الشعبي العام وهزيمة قواته العسكرية في صنعاء وهي بمثابة ضربات سياسية وعسكرية للحزب، كما عاني الحزب العديد من الانشقاقات الحزبية منذ 2011 ومن الممكن أن يتفكك أكثر من ذلك. وبالنسبة للحوثيين، تعتبر وفاته انتصارا وكان الكثيرون من الحوثيين قد أرادوا منذ فترة طويلة الانتقام بعد وفاة زعيمهم حسين بدر الدين الحوثي على أيدي قوات الرئيس صالح في عام 2004 ، ويرون أن قتله ردا يستحقه لانقلاب صالح ضدهم.
وفي ظل تعقد الوضع الداخلي في اليمن يمكن التفكير في مجموعة سيناريوهات لما قد تؤول له الأوضاع هناك:
1- سيناريو استكمال الانتفاضة ضد الحوثيين التي قام بها الرئيس السابق صالح ضد مليشيا الحوثي الانقلابية و انتفاضة اليمن لاستعادة و اجتثاث الحوثي عسكريا وسياسيا وإنهاء وجودهم على الساحة اليمينية ومحاصرة أي دور سياسي أو عسكري مستقبلا للحوثيين.
2-سيناريو تقاسم السلطة بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام لأن قواعد اللعبة تغيّرت والحكم لم يعد قائما على مبدأ المحاصصة الذي ساد سابقاً بل الى الاتجاه نحو «شراكة حقيقية عنوانها الوحدة الوطنية وصدّ العدوان».
3-سيناريو قيام الامارات والسعودية بتنصيب ابن الرئيس صالح :فهناك من يعلق آمال على أحمد ابن صالح الذي تعهد بالانتقام لوفاة الأب واحتفظت دولة الإمارات العربية المتحدة به تحت الإقامة الجبرية “الناعمة” في أبو ظبي خلال الحرب لطرحه كدعم احتياطي .
4- سيناريو سيطرة الحوثيين : في الوقت الحاضر الحوثيين هم الفائزين، ومن الممكن أن يستمروا في تعزيز السيطرة العسكرية والسياسية في الشمال.
وبتفنيد هذه السيناريوهات يٌطرح ما يلي :
السيناريو الأول ضعيف لأنه على الرغم من تصريح الناطق الرسمي لحركة أنصار الله الحوثيين ، محمد عبد السلام، إن حزب المؤتمر الشعبي العام شريكا لهم في المجلس السياسي وفي مواجهة العدوان، وأن التعاون بينهما مطلوب بشكل أكبر ، الا ان المصادر تشير إلى سيطرة الحوثيين على زمام الأمور.
السيناريو الثاني أيضا ضعيف لأنه حتى الآن، وعلى الرغم من دعوة نائب الرئيس هادي القوات إلى مسيرة في صنعاء أو لليمنيين أن ينتفضوا ضد الحوثيين، فهناك من الدلائل على أن القوات غير مستعدة لمثل هذا العمل. كما إن الكثيرون في صنعاء سيدعمون الحوثيين بسبب مزيج من الخوف، وعدم وجود خيارات أفضل وعداء مشترك للحملة الجوية السعودية.
السيناريو الثالث غير مطروح حتى الآن حيث كان احمد ابن صالح مؤثرا داخل قوات الحرس الجمهوري القديم، لكن الأحداث الأخيرة أظهرت ضعف هذه القوات لأن مواجهة الحوثيين عسكريا ستتطلب إعادة تشكيل هذه القوات، ودعم القبائل حول صنعاء، والتعاون بين أحمد علي وعدوه علي محسن الأحمر نائب الرئيس هادي الذي يقود القوات في مأرب .
السيناريو الرابع وهو الأرجح وهو سيطرة الحوثيين علي المشهد ، فقد هزموا منافسيهم الحقيقيين الوحيدين على الأرض، وهم بذلك قاموا بترهيب من قد يرغب في معارضتهم في المستقبل. . كما يزداد الوضع سوءا بسبب غياب أي تفوق عسكري واضح للجانب المعارض للحوثيين وانخفاض احتمال إنهاء الحرب والعودة إلى السياسة، كما إن سكان الشمال الآن أقل احتمالا لمعارضة الحوثيين، خشية أن يواجهوا نفس مصير صالح. ومع مرور الوقت، قد ترتفع معارضة الحوثيين، خاصة إذا فشلوا في الحكم ، ولكن هذا لا يضمن اندلاع ثورة. كما أن الاختلاف مع حزب المؤتمر الشعبي العام لا يمحو الاستياء الشعبي الواسع تجاه حكومة هادي والتحالف بسبب الحملة الجوية والحصار الاقتصادي الذي يقتل البلاد. وطالما استمرت هذه السياسات سيستغل الحوثيون الفرصة للوقوف خلف راية القومية والدفاع عن اليمن.
ولكن في نفس الوقت فإن هناك مخاطر هامة تواجههم لأن مقتل صالح وأفراد عائلته وأعضاء الحزب الرفيعي المستوى، بالإضافة إلى استمرار الغارات الحوثية على منازل واحتجاز مسؤولين في حزب المؤتمر الشعبي العام يشتبه في حملهم السلاح ضدهم، يغذي دائرة الانتقام من الحوثيين في المستقبل.
وبتحقق هذا السيناريو سيكثف التحالف العربي حملته الجوية في صنعاء ،خاصة مع الاعلان عن حملة عسكرية واسعة قريبة تحت اسم صنعاء العروبة ، الأمر الذي قد لن يؤدي إلى إزاحة الحوثيين بل سيعمل لصالحهم بزيادة المشاعر المعادية للسعودية. وقد تفكر السعودية في اللجوء الى البحث عن جهة أخرى في اليمن لتعزيز التعاون لإيجاد حليف لمنازعة الحوثيين ومنع تفردهم بالأمور في اليمن .
وإذا أرادت المملكة العربية السعودية دعم التوصل إلى حل سياسي و تفاوضي لإنهاء الحرب، فإن احتمالات القيام بذلك أصبحت قليلة الآن . ومن الصعب أن تشجع المملكة العربية السعودية على التفاوض للوصول الى حل سياسي في هذه المرحلة لأن الحوثيين هم المسؤولون الآن ، ومن ورائهم ايران والتي ترفض دخولهم في تسوية سياسية ،التي سوف تستفيد إذا نجح الحوثيون في تعزيز سيطرتهم على الشمال، بما في ذلك العاصمة المعزولة سياسيا، وهناك أدلة متزايدة على الدعم العسكري الإيراني للحوثيين، بما في ذلك برنامجهم الصاروخي. ولاسيما الهجوم الصاروخي الذي وقع في 4 نوفمبر على مطار الرياض الدولي،كما هدد الحوثيون دولة الإمارات أيضا التي ادعت أن الحوثيين أطلقوا صواريخ في اتجاهها.
وفي الوقت الراهن، يتضح أن آفاق السلام احتمالاتها من ضئيلة إلى لا شيء. ومع ذلك، فإن الحاجة الآن إلى حل سياسي أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. فاليمن يمر بالفعل بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وبعد الضربة الصاروخية تجاه الرياض في 4 نوفمبر، تدهور الوضع بشكل كبير حيث أغلق التحالف بقيادة السعودية جميع نقاط الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
واتصالا بهذا ، هناك حاجة إلى تفكير بعيدا عن الحل العسكري للخروج من هذا المأزق خاصة بعد ما أكدت التطورات الأخيرة أن النهج العسكري الحالي لأزمة اليمن لا يحقق نجاحا ، وبالتالي من المهم توافق الدول العربية نحو التأكيد على أهمية الحل السياسي في اليمن وفقا لخارطة الطريق التي سبق وطرحها مبعوث الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ والتي تحظى بدعم كل الدول الأعضاء في التحالف العربي. كما يجب على مجلس الأمن الدولي أن يصدر قرارا يدعو جميع الأطراف إلى الموافقة على وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات السياسية وهذا يتطلب تنازلات من جميع الأطراف.
والأهم من ذلك الصعيد الانساني لأن حرب اليمن تسير من سيئ إلى أسوأ، وبغض النظر عن مسار الحرب، من المهم التعاون حول حل المشكلة الانسانية في اليمن بشكل عاجل من خلال فتح جميع موانئ الدخول أمام البضائع الإنسانية والتجارية، بما في ذلك ميناء الحديدة ومطار صنعاء، الذي أغلق منذ أغسطس 2016. لكن ذلك يتطلب معالجة المخاوف بشأن شحنات الأسلحة إلى الحوثيين.