من الواضح أن إدارة الرئيس جو بايدن تتبنى نهجاً حذراً في التعامل مع الأزمات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الإيراني-الإسرائيلي والتوترات الإقليمية الأخرى. ورغم الضغوط المتزايدة من الحلفاء في المنطقة، يحاول بايدن قدر المستطاع تجنب الانخراط في حرب شاملة قد تكون لها تداعيات كارثية على المستوى الدولي. هذا النهج يرتبط بعدة عوامل، على رأسها التحديات الدولية في مناطق أخرى من العالم، وكذلك الاستحقاقات السياسية المحلية في الولايات المتحدة.
الأولويات الدولية خارج الشرق الأوسط:
تعاني الإدارة الأميركية حالياً من ضغوط كبيرة على عدة جبهات دولية، أبرزها التوترات المتزايدة مع روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى التنافس مع الصين على النفوذ الاقتصادي والسياسي في آسيا والمحيط الهادئ. هذه التحديات الكبرى تشكل أولوية قصوى لبايدن، حيث يسعى إلى توجيه الموارد والاهتمام الدبلوماسي نحو تلك الصراعات التي يعتبرها تهديداً أكبر لمصالح الولايات المتحدة على المدى البعيد.
من هنا، فإن الانخراط في صراع شامل في الشرق الأوسط سيعني تشتيت الانتباه والموارد عن هذه الجبهات الحساسة. لذلك، فإن سياسة بايدن تعتمد على إدارة الأزمة بدلًا من التصعيد المباشر. وهذه الاستراتيجية تتمثل في الضغط الدبلوماسي على إيران لمنعها من تطوير قدراتها النووية، مع تجنب القيام بأي عمل عسكري كبير يمكن أن يؤدي إلى حرب واسعة النطاق.
تحديات الانتخابات الأميركية:
الأبعاد الداخلية لهذه الاستراتيجية لا تقل أهمية. فبايدن، الذي يسعى إلى إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية القادمة، يدرك أن اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الشرق الأوسط قد يحمل تداعيات سياسية داخلية خطيرة. الدخول في حرب أو تصعيد عسكري كبير قد يؤثر سلباً على شعبيته، خصوصاً بعد التجارب السابقة التي شهدت تورط الولايات المتحدة في صراعات طويلة ومكلفة في العراق وأفغانستان.
لذلك، يعتمد بايدن على سياسة التأجيل أو ترحيل القرارات الحاسمة إلى ما بعد الانتخابات. هذه السياسة تتيح له الاستمرار في ممارسة ضغوط على الأطراف المعنية دون الحاجة إلى الدخول في مواجهات مباشرة قد تؤثر على قاعدته الانتخابية أو على توجهات الناخبين الذين قد يفضلون تجنب الصراعات الجديدة.
إدارة التحالفات في الشرق الأوسط:
إحدى أهم الاستراتيجيات التي يعتمدها بايدن هي إدارة التحالفات الإقليمية بحذر. فبينما تسعى دول الخليج وإسرائيل إلى دفع الولايات المتحدة نحو اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إيران، يحاول بايدن طمأنة هؤلاء الحلفاء من خلال تعزيز القدرات الدفاعية وتقوية التحالفات الأمنية دون التورط في أعمال عسكرية قد تجر الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة.
بدلاً من ذلك، تعمل إدارة بايدن على زيادة الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على إيران، مع دعم الجهود الإسرائيلية والدول الإقليمية في مواجهة التهديدات غير التقليدية، مثل الطائرات المسيرة والصواريخ. هذا النهج يهدف إلى احتواء التوترات دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى تصعيد كبير.
يمكن القول إن الرئيس بايدن يتبنى استراتيجية تهدف إلى تجنب الحرب الشاملة في الشرق الأوسط، وذلك لمواجهة التحديات الأكبر على الساحة الدولية وتفادي التداعيات السلبية على الصعيد الداخلي قبيل الانتخابات الأميركية. من خلال تأجيل القرارات الحاسمة والاستمرار في إدارة الأزمات بشكل حذر، يسعى بايدن إلى الحفاظ على توازن دقيق بين مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وبين التحديات الدولية التي تواجهها إدارته في أماكن أخرى من العالم.
إلا أن هذه الاستراتيجية قد تواجه اختباراً حقيقياً في حال تصاعدت التوترات بشكل غير متوقع وخاصة في ضل اصرار نتنياهو بعدم الاستجابة للضغوطات الامريكية والدولية، ما قد يفرض على الإدارة الأميركية اتخاذ قرارات صعبة في المستقبل القريب، سواء قبل الانتخابات أو بعدها.