حرب الأعدقاء: إلى أين بعد الضربة الإسرائيلية لطهران؟

45

 

في مشهد سياسي متشابك ومعقد، تعيش المنطقة لحظة فارقة من التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، “الأعدقاء” اللذين لطالما استندت علاقتهما إلى مزيج من العداء المتبادل والمصالح المتشابكة على المسرح الإقليمي. جاءت الضربة الإسرائيلية الأخيرة على مواقع إيرانية في محاولة لردع النفوذ الإيراني ومنع تصعيد أوسع، إذ أكدت مصادر أميركية أن إسرائيل أخطرت طهران مسبقاً وطالبتها بعدم الرد. ولكن، هل يعني هذا أن كلا الطرفين يسعيان إلى تفادي المواجهة الشاملة؟ أم أنها خطوة محسوبة بدقة في لعبة النفوذ والسيطرة؟

رسالة الردع والتوازن

ان إيران وإسرائيل في حالة من التنافس غير المباشر، حيث تواجهتا عبر وكلائهما في لبنان، سوريا، العراق، واليمن. ولكن مع التطورات الأخيرة، يبدو أن إسرائيل اتخذت قراراً بالتحرك المباشر، خاصة بعد ازدياد المخاوف من التوسع النووي الإيراني والتهديدات التي تشكلها طهران من خلال دعمها للجماعات المسلحة المناوئة لإسرائيل.

إرسال إسرائيل رسائل إلى طهران بعدم الرد على الضربة يعكس رغبتها في تجنب حرب شاملة قد تكون مكلفة لكلا الطرفين. قد يكون هذا الأسلوب هو استراتيجية لضبط التوازن عبر ضربات محدودة وتوجيه رسائل ردع غير مباشرة، في محاولة للحد من الوجود الإيراني ونفوذه دون الوصول إلى مواجهة مفتوحة تهدد استقرار المنطقة بأكملها.

توازنات القوى في اللعبة الإقليمية

الضربة الإسرائيلية لطهران تأتي في وقت حساس، حيث تتداخل مصالح قوى دولية كبرى. فالولايات المتحدة، التي تعتبر حليفة استراتيجية لإسرائيل، لديها مصالح متشابكة في المنطقة، وتسعى من خلال التحالفات إلى ضبط التوازنات ومنع تزايد النفوذ الإيراني. في الوقت ذاته، ترغب واشنطن في تجنب فتح جبهات جديدة وسط انشغالها بملفات دولية أخرى، كالصين وروسيا.

دول الخليج، بدورها، تراقب الموقف بحذر. فالعديد من هذه الدول ترى في إيران تهديداً لأمنها القومي، لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في أن تشتعل حرب شاملة على حدودها، ما قد يهدد استقرارها الاقتصادي والسياسي. كذلك، هناك مؤشرات على رغبة بعض الدول الخليجية في الحفاظ على قنوات اتصال هادئة مع طهران، في محاولة لتحقيق استقرار إقليمي نسبي.

هل نحن على مشارف حرب شاملة؟

يبدو أن كلا من إيران وإسرائيل يدركان خطورة التصعيد الكامل. فإيران، بالرغم من دعمها العلني لبعض الجماعات المناهضة لإسرائيل، تتجنب الدخول في صراع مباشر قد يعرضها لعقوبات دولية أكبر وربما لضربات موجعة للبنية التحتية داخل أراضيها. من جهتها، تدرك إسرائيل أن تكلفة الحرب المفتوحة ستكون عالية، وأنها قد تضطر لمواجهة عواقب غير محسوبة، لا سيما في ظل التحولات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الضربات والعمليات العسكرية المحدودة ستتوقف. قد تستمر إسرائيل في سياسة “الضربات الوقائية”، حيث تسعى لضبط النفوذ الإيراني عبر هجمات مدروسة بدقة، خاصة في المناطق التي تعتبرها مصادر تهديد مباشرة كالساحة السورية والعراقية ولبنانية .

إلى أين تتجه حرب الأعدقاء؟

في ظل استمرار الضغوط الدولية والتحولات الإقليمية، قد يستمر الوضع في حالة من “التوتر القابل للضبط”. ولكن لا يمكن استبعاد احتمالية خروج الأمور عن السيطرة في حال تصاعدت الاستفزازات أو أخطأ أحد الأطراف في حساباته. يبقى الحل النهائي لهذه الأزمة مرهوناً بمدى رغبة الأطراف في الوصول إلى تسويات سياسية تضمن استقرار المنطقة، وهي تسويات تبدو، حتى اللحظة، بعيدة المنال .

بالتالي، يمكن اعتبار الضربة خطوة ضمن سلسلة من الضغوط، ولكن إذا كانت الردود الإيرانية تأتي بقوة، فقد يتحول التصعيد إلى صراع أوسع.

السؤال المهم هل الضربة الاسرائيلية حولت العلاقة بين الطرفين من “حالة الأعدقاء” إلى حالة العداء المباشر ؟
قد تؤدي الضربة الإسرائيلية إلى توتر أكبر وإعادة تقييم استراتيجيات الردع، لكنها لا تعني بالضرورة تحولاً فورياً نحو حرب شاملة. هناك الكثير من الدوافع لدى الطرفين لمواصلة سياسة “حرب الأعدقاء”، حيث تستمر المواجهات غير المباشرة والتحركات التكتيكية بدلاً من العداء الصريح والمواجهة المفتوحة خصوصا في ضل ادارة الديمقراطيين التي لازالت متمسكة بالمعادلة الحالية وعدم المساس الجوهري بها .

التعليقات معطلة.