العنف و الإكراه ليسا حلاً !

1

د. مهندالبراك

تتفاقم مشاكل اقليم كردستان العراق بسبب الإجراءات العقابية التي فرضتها الحكومة الإتحادية في بغداد، بتنسيق معلن مع حكومتي ايران و تركيا في معمعان معقّد لاتتوضح فيه اهداف الحكومة الإتحادية باجراءاتها تلك، بعد ان جرى الإستفتاء و انتهى و لم يؤخذ به و لم تترتب على نتائجه تغييرات تُذكر . . اضافة الى عجز حكومة الإقليم القائمة عن حل المشاكل المالية و الحياتية التي يعانيها ابناء كردستان، بسبب اللامبالاة و الفساد الذي يعم البلاد و الإقليم.

و يرى العديد من اهل الرأي ان مايجري يظهر و كأنه لاعلاقة به بمسألة الإستفتاء و انما امر كأنه مبيّت من قبل الإعلان عن انتهاء داعش و تهيّواً لما اصطلح عليه مرحلة (ما بعد داعش) رغم استمرار مكامن خطر الإرهاب و الإعلان عن نشوء منظمات ارهابية جديدة كـ (اصحاب الرايات البيضاء) و ظهور مجاميع داعشية و غيرها بين حين و آخر.

حتى صار شعب كردستان يواجه حصاراً يشمل قطع رواتب العمال والموظفين، و الهبوط بالحياة العائلية للفرد في كوردستان، الأمر الذي صار يستهدف الفرد الكردستاني، بعد ان ترافق قطع الرواتب، ومنع وصول الميزانية منذ 2014، بقرار اغلاق المنافذ الحدودية لكردستان، بالتنسيق مع ايران وتركيا، الذي يحرم السوق من اكثر المواد الغذائية، ويمنع وصول الادوية الكافية للمذاخر والمستشفيات، اضافة الى انقطاع الوقود في هذا البرد القارس و شل حركة النقل الداخلي، و توقف تصدير المنتجات البسيطة، في استهداف واضح لحياة الانسان الكادح و البسيط وليس لرجال السلطة في كوردستان ولا الاغنياء و القطط السمان و عوائل المتنفذين، في اقليم يأوي و يطعم ملايين النازحين العراقيين من مختلف الإنتماءات.

في سعي يبتعد عن الحل السلمي و التفاوض و المحادثات و يسعى لتصعيد الضغوط و الحصار على كردستان العراق مهدداً بتحطيم روح الأخوة العربية ـ الكردية بتصعيده الشوفينية و التعصب القومي و ايصاله الاوضاع بالتالي الى الخروج على الدستور، و الى استخدام العنف لمواجهة الانفجار الشعبي بسبب الفقر بفوضاه الخاطئة . . لإنعدام تقاليد المعارضة و لضعف اهتمام حكومات الإقليم برعاية المعارضة السلمية و تنظيمها بل و لجوء اطراف منها الى اسكاتها بالاكراه، رغم التجربة الرائدة التي عاشها الإقليم و بنى بها البيت الكردستاني بقواه المتنوعة الذي كان مثالاً سعى الجميع للدعوة للاقتداء به . . في سعي يبتعد عن العمل فعليا على حل المشاكل هناك، بل يتركها .

ناسين ان العنف لايحل المشاكل بل يفاقمها، و كذلك الحال في مواجهة المطالبة بالحقوق و الاحتجاج بالعنف، و ان الاحتجاج و الرفض قد ينتشرا انتشار النار بالهشيم ان كانت المعاناة و الإرادة لحلها تتواصلان كما يُخبر التأريخ، و يُخبر عن القضية و الحركات الكردية و كيفية تحدياتها للظلم و الحديد و النار بشواهد كثيرة آخرها استخدام الدكتاتورية لسلاح الابادة الجماعية الكيمياوي الذي رغم آلاف الضحايا، فإنه زاد اشتعال الانتفاضة الكردستانية في العراق و اكسبها ابعاداً عالمية لم تعرفها في السابق، و ادىّ الى تهرئ الدكتاتورية و بالتالي الى سقوطها.

و فيما ينتظر كثيرون من الحكومة الإتحادية في بغداد موقفاً حريصاً على شعب كردستان بإعتباره جزءاً من الشعب العراقي و لكونها الحاكمة الفعلية لدولة فدرالية نشأت اثر سقوط الدكتاتورية التي ناضل لإسقاطها الشعب العراقي بكل مكوّناته و الوان طيفه و قدّم جحافل الشهداء دونها . . نشأت بدعم القوى العالمية و ليست بفعل حزب بعينه او بفعل اشخاص و عوائل بعينها . .

و ينتظرون موقفاً عملياً من بغداد كتنفيذ وعد رئيس الوزراء الإتحادي حيدر العبادي بصرف رواتب الاقليم او الاعلان عن موقف بنّاء مما يجري، و ليس الاعلان عن حل عسكري لمايجري و ارسال قوات عسكرية او امنية اتحادية لاخماد الاحتجاجات الجارية ، كما يجري الحديث في اوساط الحكومة الاتحادية، في اوضاع شديدة التوتر يمكن اثارة انواع الصراعات فيها سواء كانت قومية ، ايرانية ـ عراقية ـ تركية، طائفية، مصلحية و عشائرية. حتى صار البحث عن حلول للطرق السلمية يجري مع الدول الكبرى و ليس بين بغداد و اربيل و السليمانية.

و حتى وصل الحال بسبب تعنت اطراف النزاع و لااباليتهم بما يواجهه الشعب الفقير الجائع،

الى الانفجار الشعبي العفوي رغم مساهمة احزاب كردستانية فيه، و محاولة استغلال عفويته من اصابع خارجية و اخرى كردستانية تحاول الدخول عليه بنية تسخيره لخططها . . و وصل الى النداءات لطرف خارجي ثالث يساعد على التوصل للحوار بين الاقليم و بغداد باعتباره الحل الانجع للمشاكل، و يدور الحديث عن دور مرتقب للامم المتحدة في ذلك، بعد ان ابتعدت حتى دول الجوار و الدول الداخلة في الصراع الإيراني ـ الأميركي عن مساعدة شعب كردستان.

و فيما ينبه كثيرون حكومة السيد العبادي بأن التباطئ المتزايد لقبول التفاوض يضرّ حكومته و ان الزمن ليس لصالحه و ليس لصالح حزبه ولا لصالح تحسين صورة في التهيئة للانتخابات . . فبعد ان تحسّن موقعه دولياً اثر الانتصارات على داعش، تشهد الإرادة الدولية تحوّلاً لصالح الإقليم الباحث عن التفاوض السلمي، و تشهد ابتعاداً عن الاجراءات القاسية للسيد العبادي بحق شعب كردستان الذي لاتقبل له المذلة و الضياع لمواقفه على الساحة : مواقفه البطولية بوجه داعش و مواقفه الإنسانية في احتضان ملايين النازحين . . كما تشير وكالات الانباء الدولية المتنوعة، اضافة الى تواصل الدعم الدولي لقوات البيشمركة.

و يحذّر مراقبون مستقلون من حالات الغرور التي قد يصاب بها المنتصر اثر اعلانه انتصاره على (دولة داعش) التي سقطت بقوات عراقية ارضية بكل مكوّناتها، مطعّمة بانواع الخبراء من عشرات دول التحالف الدولي المؤيد الذي مسك السماء و مسك الضربات الستراتيجية الأساسية و احكم الحصار دولياً بوجه داعش . . الغرور الذي يتسبب بهيمنة العقلية العسكرية على الحكمة و الصبر في حل خلافات تنشأ بين مكونات شعب واحد، شعب بوحدته يستطيع تحقيق المسرة و الرفاه لأبنائه بكل مكوناته و نحن على اعتاب عام جديد !

التعليقات معطلة.