حين انطلقت شرارة الثورة في سوريا عام 2011، كانت تطلعات الشعب السوري واضحة وبسيطة؛ الحرية، الكرامة، والعدالة الاجتماعية. حمل المتظاهرون سلمية مطالبهم في وجه نظامٍ قمعيٍّ دأب على إسكات أي صوت معارض لعقود. كانت الساحات تعج بالهتافات التي أعادت الأمل إلى قلوب السوريين بحياة كريمة ومستقبل أفضل. ولكن ما بدأ كثورة شعبية سرعان ما تحول إلى صراع معقد تقاطع فيه المحلي بالإقليمي والدولي، حتى أصبحت سوريا رمزًا لـ “الثورة المسروقة بأثر دولي”.
البداية: أحلام شعبية وأفق مغلق
كانت الثورة السورية جزءًا من موجة “الربيع العربي”، حيث انتفضت الشعوب ضد أنظمة الاستبداد في عدة دول عربية. استمد السوريون شجاعتهم من زخم تلك التحركات، مطالبين بتغيير سلمي بعيدًا عن العنف. ولكن النظام السوري واجه هذه المطالب بالقمع المفرط، فتحولت المظاهرات إلى مواجهات دامية أجهضت حلم التغيير السلمي .
التدخلات الإقليمية والدولية بداية السرقة.
مع تصاعد القمع وظهور المعارضة المسلحة، تدخلت أطراف إقليمية ودولية بأجندات مختلفة. انقسم الدعم بين أطراف داعمة للنظام كإيران وروسيا، وأخرى داعمة لبعض الفصائل المعارضة كتركيا ودول الخليج. وفي خضم هذا التدافع، فقدت الثورة استقلاليتها وباتت مسرحًا لصراع القوى .
إيران وروسيا: دعمتا النظام بكل قوة، سياسيًا وعسكريًا، لضمان استمراره باعتباره حليفًا استراتيجيًا في المنطقة .
تركيا ودول الخليج: قدّمت الدعم لفصائل معارضة ذات توجهات متباينة، بعضها كان بعيدًا عن أهداف الثورة الأصلية .
الولايات المتحدة وأوروبا: ترددت مواقفها بين التصريحات الداعمة والتدخلات المحدودة، مما زاد من تعقيد المشهد .
الجماعات المسلحة: الوجه الآخر للسرقة
وسط الفوضى، ظهرت جماعات متطرفة مثل “داعش” و”جبهة النصرة”، مستغلة الفراغ الأمني لتحقيق أجنداتها الخاصة. هذه الجماعات لم تكن تمثل الثورة، بل شوهت صورتها وساهمت في تحويلها إلى حرب دموية أفقدتها بعدها الشعبي والوطني .
الثورة المغدورة: بين التدويل والتشظي
مع مرور السنوات، تحولت سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة، حيث استخدمت القوى الكبرى الأرض السورية لتصفية حساباتها. أصبح الشعب السوري، الذي خرج ينادي بالحرية، مجرد ضحية في لعبة أمم تتصارع على النفوذ .
النظام استعاد السيطرة على جزء كبير من الأراضي بدعم روسي وإيراني .
المعارضة تراجعت بعد أن تفككت وانقسمت .
الشعب السوري تحول إلى لاجئين ومهجرين، يعيشون مأساة إنسانية غير مسبوقة .
هل من أمل؟
رغم قسوة الواقع، فإن الأمل لم يمت في قلوب السوريين. يدرك كثيرون أن الخروج من هذا المستنقع يتطلب رؤية جديدة تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، وتعمل على إنهاء التدخلات الخارجية وإعادة بناء سوريا على أسس العدالة والمساواة .
الثورة السورية ليست سوى مرآة تعكس واقعًا عالميًا مأساويًا، حيث تُسرق أحلام الشعوب في وضح النهار تحت وطأة المصالح الدولية والإقليمية. إنها “الثورة المسروقة بأثر دولي”، لكنها أيضًا تذكير بأن إرادة الشعوب قد تنحني، لكنها لا تنكسر .