التاتشرية في العراق.. موت الانسان داخل الانسان!

1

الشيخ صادق الحسناوي
من منّا لايتذكر مارغريت تاتشر ؟ السيدة التي حكمت بريطانيا بقبضتها الحديدية وعنادها غير المألوف ووضعت لبنات عصر ال( نيو ليبرالية) باجراءاتها الداخلية وسياستها الخارجية سيّما تحالفها المتين مع اميريكا ايام رونالد ريغان وسعيهما المشترك لتوطيد اركان (حرب النجوم ) رغم ان الازمة المالية في بريطانيا كانت كارثية والدخل القومي يمر بعجز كبير ، تاتشر التي اعادت حزب المحافظين الى الواجهة وكانت اول امرأة تترأس الحكومة في المملكة المتحدة منحدرة من اسرة فقيرة تكسب قوتها من دكان صغير للبقالية يديره والدها لكن طموحها كان اكبر من مساحة دكان ابيها ومن احلام البائسين انذاك وبوصولها لرئاسة الوزراء عام 1979 وانتصارها في حرب فوكلاند عام 1982 لمع نجمها وازدادت بريقاً الى بريقها حتى ترأست الحكومة لثلاث دورات متتالية انتهت باستقالتها تاركة لمن بعدها ارثاً ثقيلاً تحول التخلص منه الى مشروع وطني اخذه على عاتقه زعيم حزب العمال جيرمي كوربي اذ وعد جمهوره بتصفية ارث التاتشرية وانهاء آثارها المروعة التي زحفت من الربع الاخير للقرن العشرين الى عهدنا الحالي ونحن في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين !
فما الذي اتخذته السيدة الحديدية لتحتفظ لنفسها بذكرى مقيتة لدى اكثر البريطانيين وسعيدة لاقلية قليلة منهم ؟
تملّكت تاتشر بريطانيا ولم تحكمها فقط وتبنت انهاء اقتصاد الرفاه ومظاهر الـ( الكينزية) واضعة حجر الأساس لعصر الليبرالية الجديدة بكل تداعياتها الاجتماعية والسياسية وموبقاتها الأخلاقية وللحفاظ على الدخل القومي سعت الى دعم الاقتصاد الكلي على حساب الاقتصاد الجزئي ( دخل الفرد)واتجهت نحو الخصخصة بما اوتيت من قوة وشدّة بأس فالغت الدعم الاجتماعي والصحي وقطاع السكن وأعلنت للبيع حتى مفاخر بريطانيا الصناعية كشركة رولز رايس لصناعة السيارات وشركة الاتصالات الوطنية وغيرها مما وسّع الفجوة الطبقية في مجتمع طبقي بالاصالة فارتفعت نسبة البطالة وانخفضت الأجور الى حد لايصدق وانهكت الضرائب كاهل البسطاء من الناس فيما استحوذ الراسماليون على كل شيء واشرعت الأبواب امامهم للاستثمار حتى في جسد الانسان وقوامه وإعادة تركيبه بما يتلائم ومجال استثماره عارضاً للأزياء أو راقصاً في ملهىً ليلي !!وكل ذلك من اجل توفير احتياجات الحياة اليومية ،ألم تعترف الكثير من الدارسات البريطانيات انهن اظطررن للعمل في دور البغاء من اجل توفير أجور الدراسة ؟؟؟ !!!! وصار البيض الفاسد والبندورة المتعفنة كل ماتتلقاه تاتشر يومياً من الشعب حتى أعلنت مضطرة استقالتها من رئاسة الحكومة تاركةً خلفها ارثا ثقيلاً لخلفها جون ميجور لم يفلح في تجاوزه او علاجه ومازالت بريطانيا الى اليوم تئن من ذلك الإرث القميء الذي وفر لخصومها السياسيين مناخاً طيباً للعودة الى الحياة السياسية من جديد حتى هيمن حزب العمال اخيراً على الساحة السياسية في بلاد الضباب موعداً بتصفية ارث التاتشرية وإعادة كرامة الانسان ،وربما يفسر هذا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ايضاً وإعادة بسط نفوذها على مستعمراتها السابقة خاصة في الخليج الذي زارته ماري تيريزا اكثر من 3 مرات خلال اشهر قليلة ربما كانت تهدف إعادة دوله الى بيت الطاعة في المملكة التي غابت عنها الشمس!
فهل يسير العراق على خطى تاتشر؟
تبدو ( التاتشرية ) واضحة جلية في العراق فلم تطل برأسها فقط انما افصحت عن نفسها بقوة عبر طرح العراق للخصخصة !!بعد توقف مصانعه الإنتاجية وتصحر أراضيه الزراعية وهبوط أسعار النفط وعجز الناتج القومي عن سد النفقات الداخلية واعتراف الحكومة بانغلاق أبواب الحلول امامها ماخلا حل الاستثمار والخصخصة وهي حلول جاءت في توقيت يسمح للخصوم السياسيين باستثمارها واحراق كل منجزات الحكومة الحالية في الرياح اذا ماظهر خصم سياسي يعد الشعب بإلغاء الخصخصة مبكراً وإبقاء الحال على ماهو عليه فضلاً عن الرفض الشعبي اليومي لها .
والحقيقة ان الخصخصة في العراق مع كون نسبة كبيرة من السكان تعيش تحت خط الفقر وانغلاق أبواب العيش امامها ، ستؤدي الى نتائج كارثية اجتماعيا واخلاقيا وربما سيعود عرب العراق من جديد الى وأد البنات تلافياً لعار الحياة او عار استثمار الأجساد في المراقص ودور اللهو لتوفير لقمة العيش ، او الرضا بظهور جيل راقص ملتزم بأداء الفرائض !!!! نتيجة نصيحة مستشار ماركسي يحمل قلماً برجوازياً ربما ينتظر واقعاً جديدا ينتجه الصراع بين قوى الإنتاج ووسائله !!! فخذوا العبرة من الارجنتين وابحثوا عن أسباب عودة (البيرونية ) اليها قبل أي خطوة تؤدي الى الضياع

التعليقات معطلة.