مقالات

أصداف: بورصة لندن والحرب

 
 
وليد الزبيدي
 
السبب الذي دفع بأصحاب رؤوس الأموال لاختيار لندن لتصبح البورصة البديلة لبورصة باريس بعد الثورة الفرنسية، قناعتهم أنها محصنة بالمياه الواسعة المحيطة بها، أي أنها بلاد في منأى عن الحروب والدمار، ذات السبب تم اعتماده لاختيار البديل عن بورصة لندن بسوق مال عالمية أخرى في مرحلة لاحقة.
أصبحت البورصة البديلة لسوق باريس للذهب مدينة لندن واخذت هذه السوق بالنمو والتوسع طيلة القرن التاسع عشر، ولم يدر بخلد الكثيرين من الدارسين وأصحاب رؤوس الأموال ، أن هذه السوق ستتعرض للخطر، وكما قلنا، أن لندن محصنة بالموانع المائية أولا، وأن هذه الإمبراطورية تمتلك اسطولا بحريا ضخما وقويا، وهذا يمنحها قوة كبيرة للدفاع بل وفي المبادءة للهجوم ليس في أوروبا وحسب وإنما في مختلف ارجاء المعمورة، يضاف إلى ذلك ان بريطانيا قد اصبحت أوضاعها أكثر استقرارا بعد الثورة الإنجليزية في العام 1688، واتجهت أوضاعها السياسية للاستقرار ما انعكس إيجابيا على الأوضاع الاقتصادية والتجارية الداخلية والخارجية.
ما عزز الثقة بالاقتصاد البريطاني غزواتها لدول العالم خاصة التي تمتلك ثروات ومعادن ثمينة، وكان هدف الاستعمار البريطاني في تلك القرون السيطرة على ثروات الدول واستغلالها لصالح الشركات البريطانية، كما أن الحروب التي خاضتها تصب جميعها في هذا الهدف، وبتضافر العامل الأمني والقوة الاقتصادية وتاريخ بريطانيا العريق في السوق التجارية فقد اصبح خيار لندن لسوق الذهب العالمي نهائيا وبلا منافس.
لكن المفاجأة التي لم يحسب لها الجميع أي حساب، تمثلت في اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914 ، ولم يكن المتغير الرئيسي اندلاع تلك الحرب التي اطلقوا عليها في تلك الفترة “الحرب العظمى ” بل أن المفاجيء في كل ذلك دخول سلاح الطيران ميدان المعارك وبذلك لم تعد لندن آمنة كما اعتقد الجميع في الأمس.
اول الهاربين من المواجهة الحاصلة بين اطراف الحرب العالمية الاولى (1914 ـ 1918) كان اصحاب رؤوس الأموال الذين حملوا ممتلكاتهم من الذهب لتصبح بورصة لندن خاوية، وفي هذه المرة كانت وجهة هؤلاء صوب نيويورك ، حيث تبعد الولايات المتحدة عن المواجهات العسكرية الشديدة، كما أن لنيويورك تاريخها في سوق المال الذي انتعش خلال القرن التاسع عشر.
لقد تسببت الثورة الفرنسية بانتقال سوق الذهب من باريس إلى لندن، وبسبب دخول سلاح الطيران والقصف العنيف انتقلت بورصة لندن إلى نيويورك بعد الحرب العالمية الأولى، ولازم الخوف الكثير من اصحاب رؤوس الأموال من احتمال حصول حرب مدمرة طيلة حقبة الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن تلك الحرب لم تحصل ، فهل هناك قوة أخرى تهدد سوق نيويورك المالي؟