امتداح السنوار لسليماني: إيران.. حرامٌ على حماس وحلالٌ على غيرِها؟!

1

 
غصّت منصّات الرأي العام، ووسائل التواصل الاجتماعي بالنقد اللاذع والتحليلات والنقاشات حول ما تضمّنه تصريحٌ حديثُ العهد ، منسوب إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة يحيى السنوار ، والذي امتدح فيه قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ، واصفاً إياه بأنّه مُحِبّ لفلسطين منذ زمنٍ بعيد ، ومستعدّ لتقديم العون العسكري المباشر لإنقاذ مدينة القدس من مخططات التهويد .
 
ما إنْ لفظَ السنوار هذه الكلمات ، حتى شنّت حملة واسعة النطاق عليه ، حتى من داخل حركة حماس ذاتها ، ومن قبل أشخاص محسوبين ومناصرين لحركة حماس ، ووصل الأمر إلى إدراجه على لائحة الخارجين من الملّة ..
 
لم تكن تصريحات السنوار هي الحلقة الوحيدة في مسلسل التقارب بين الجانبين ، بل سبقها نماذج عديدة ومتنوعة تظهر حجم التقارب بين حركة حماس وإيران ، كان آخرها الزيارة التي قام بها وفد حماس إلى العاصمة الإيرانية طهران ، برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري ، ولقاءه بشخصيات إيرانية رفيعة المستوى ، والمقابلات الصحفية المتعددة التي أجرتها وسائل الإعلام معه ..
 
نعم ، ربما كانت تصريحات يحيى السنوار قد أخطأت التوقيت ، أوليست في زمانها الصحيح لكنّ السؤال المطروح الذي لم يجد أصحابه جواباً حتى اللحظة هو: لماذا حرامٌ على يحيى السنوار وحركة حماس امتداح شخصية إيرانية ، ومدّ جسور التقارب بين حماس وإيران ، بينما يحلّ لدول إقليمية كبرى في المنطقة أن تقيم أفضل العلاقات مع طهران على كافة الصّعُد ، لا سيما على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي ؟ ألم يكن هناك سبّاقون كُثر ليحيى السنوار ، في تقاربهم مع إيران ، لكنهم لم يواجهوا النقد ذاته ؟ ألم يُقْسِم وزير الدولة القطري سلطان المريخي بالله ، أنّ إيران دولة شريفة ، وأنّه من حقّ بلاده إقامة أطيب العلاقات معها في ظل الحصار المفروض على قطر من قبل أشقّائها الخليجيين ؟
 
أيّهما أشد فتكاً ، حصار قطر كدولة ، أم حصار غزة كقطاع ؟
 
ولوتتبّعنا آثار التقارب القطري الإيراني لوجدنا أنّ الأوضاع تسير على مايُرام بين البلدين ، وذلك بعد أن بلغت قيمة الصادرات الإيرانية إلى دولة قطر 140 مليون دولار خلال سبعة أشهر فقط ، وبعد أن أعلنت كبرى الشركات الإيرانية عزمها دخول السوق القطرية ، ما يبشّر بدخول العلاقات القطرية الإيرانية مرحلة الازدهار والرقيّ الواضح .
 
وليست قطر هي الدولة الإقليمية الوحيدة في المنطقة التي تقيم علاقات طيّبة مع إيران ، بل إنّ تركيا أيضاً تُعتبَر من الدول التي لها مع إيران قنوات اتصال سياسي واقتصادي ، بالإضافة إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين والذي يزيد شهرياً بنسبة 30% حسب قول وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي ، وهناك مساعٍ تركيّة لمضاعفة حجم هذا التبادل ثلاث مرات ، أضف إلى ذلك الزيارات المتبادلة التي يقوم بها مسؤولوالبلدين على مستوى رفيع ، بل إننا نزيد من الشعر بيتاً لنقول أنّ هناك تعاوناً عسكرياً واضح المعالم بين إيران وتركيا في العراق ، ضد بعض التنظيمات الكردية التي تهدد أمن البلدين الجارين
 
وقد سمعنا مؤخراً تصريحات لمسؤولين أتراك أكدوا أنّ إيران دولة إقليمية لها وجودها ولا بد من التعاون معها ، فإذا كانت تركيا وهي دولة عظمى في المنطقة ، لم تنكر الوجود الإيراني ولم تستغنِ عن الدور الإيراني ، فلماذا يُطلب من حركة حماس أن تتخلى عن إيران وأن تعاديها وأن تظهر لها الكره والبغض.
 
في حين أن حركة حماس كانت على علاقة متوترة مع طهران في فترة من الفترات ، مع دخول الحرب السورية مرحلة السلاح الثقيل ، فكان موقف حماس واضحاً رافضاً لاستمرار تدفق شلال الدم السوري ، وتقاربت مع بعض الأشقاء الخليجيين ، وحاولت الاستغناء عن طهران ، لكنّ هاتيك الدول لم تكن على قدر الظرف الحمساوي العصيب الذي تحمّل عبئاً ثقيلاً ، إثرَ اشتداد الحصار المفروض على قطاع غزة ، وتعالي الأصوات المطالبة برفعه مهما كان الثمن المترتب على حماس ، وتصنيف حركة حماس على أنها منظمة إرهابية وليست حركة مقاومة إسلامية .. وبالتالي وجدت حركة حماس نفسها مضطرة أن تحذو حذو الدول الإقليمية التي تقاربت مع طهران تقارباً ملحوظاً ، دون إنكار الدور السلبي الذي تلعبه طهران في المنطقة ، فكانت سياسة حماس بأننا نتفق مع طهران في عدد من الملفات ونختلف معها في ملفات أخرى كذلك ، حالنا هوحال كبرى الدول المساندة للمعارضة السورية المسلحة تركيا وقطر ..
 
لذلك على أحرار العالم أن يكونوا مُنصفين إلى حدّ بعيد في مطالبتهم قطع العلاقات مع إيران ، إمّا أنْ تُصَوَّب الحناجر المطالبة بذلك نحو الجميع دون تحيّز أومراوغة ، وإمّا أن نترك حركة حماس تصنع علاقاتها مع من تريد ، بما يناسب مصلحتها الشخصية ، كأيّةِ دولةٍ من هذه الدول ..
 
عبد السلام فايز

التعليقات معطلة.