عادل سعد
”نحن بحاجة إلى أن ندرب أنفسنا في عموم البلاد العربية على حراسة تضع في الحسبان أننا نعيش تحت وطأة النوافذ والأبواب المشرعة عنوة, وبإراداتنا أيضا، وبذلك لا تستقيم وظيفتنا إلا باليقظة القصوى القائمة على التحسب والانتباه، مع العلم أن الحراسة السابقة لموجوداتنا وملفات شؤوننا كانت إخفاقا متواليا, وسأكتفي هنا بتقديم محضر مختصر جدا عن عمليات السطو التي تواصلت خلال عام 2017.”
هل تستدعي الساعات الأخيرة من 2017 وقفة تأمل ما لمراجعة وظائف الحراسة التي نضطلع بها؟ الحال أن كل واحد منا لديه وظيفة من هذا النوع, قد يستطيع التنصل عنها, ولكن لا يستطيع أن ينفيها تماما من حياته إلا في حالتين, إما أن يكون مخبولا أو أنه ركب رأسه في اندياح لا حدود له لنبذ كل ما يحيط به.
نحن موظفون لمهمة الحراسة, سوى أن كنا عاملين في شؤون أخرى, أو عاطلين عن العمل, حراسات سياسية واقتصادية وثقافية وبيئية واجتماعية وحراسات بنوك أو منازل, وأصعب أنواع الحراسات هي حراسة الأوطان والضمائر.
هناك فرق جوهري بين وظيفة الحراسة ووظيفة الرقابة, لا أريد هنا أن أدخل في تفصيلات لأضع القارئ الكريم أمام صورة معقدة لذلك الفرق, بل أختصر بالقول إن الحراسة تتطلب الرقابة، لكنك عندما تكون رقيبا لا يستدعي الأمر منك أن تكون حارسا.
وبالعودة إلى الساعات الأخيرة من عام 2017 لا بد من قائمة اعترافات يحتاجها الوعي المطلوب للعام الجديد 2018, بمعنى مضاف علينا أن نسأل عن واجبات حراسة حقيقية تفتت، وأصبحت من أنقاض عام 2017؛ ولذلك فإن من الشرف أن ننتصر لنوع من وظائف الحراسة التي يتطلبها العام الجديد إنصافا لمستقبلنا, لأننا نعيش في أوطان تحتم بالضرورة القصوى أن نعيد النظر بمفهومنا لهذا الواجب بعد الخسائر الجسيمة نتيجة فهمنا القاصر لوظيفة الحراسة الحقيقية.
نحن بحاجة إلى مفهوم حراسة يتجرد من تلك السذاجة التي دفعت قرويا اضطر أن يودع أمواله في أحد البنوك وغادر قريته ليقضي كل وقته على مدار الساعة أمام هذا البنك اعتقادا منه أنه يحرس ماله الذي أودعه, وليس لنا أن نكون حراس غابات تزدحم بها الوحوش ومسورة بالأسلاك الشائكة, لأن المهمة هنا تكون مجرد تفرج عن بعد.
ولا ينبغي أن نكون حراسا ونحن مسكونون بالغفلة، ولعل النوم العميق لأن نوم الحراس ضياء للصوص.
نحن بحاجة إلى أن ندرب أنفسنا في عموم البلاد العربية على حراسة تضع في الحسبان أننا نعيش تحت وطأة النوافذ والأبواب المشرعة عنوة, وبإراداتنا أيضا، وبذلك لا تستقيم وظيفتنا إلا باليقظة القصوى القائمة على التحسب والانتباه، مع العلم أن الحراسة السابقة لموجوداتنا وملفات شؤوننا كانت إخفاقا متواليا, وسأكتفي هنا بتقديم محضر مختصر جدا عن عمليات السطو التي تواصلت خلال عام 2017.
لقد مر اللصوص بكل قباحة الصلف والتنمر والفجاجة من بين أصابعنا وتحت أنظارنا, ولم تكن زرقاء اليمامة المتبقية فينا نائمة أصلا, وهنا تكمن الفجيعة, فقد اختفت موجودات التضامن العربي بكل مفرداتها الاقتصادية والسياسية على قلتها وهشاشتها, ويكفي بالدليل الدامغ أن نحصي ما لدى جامعة الدول العربية منها، وإذا كان لا بد من سماع إدلاءات الشهود فلنا أن نطل على ما يجري ضد اليمن وليبيا ودول أخرى مرشحة للمزيد من النزيف البشري، وهكذا أيضا لا دفاع عن حراس الشأن الاقتصادي بنسختيه الوطني والقومي, هناك عجز يتوالد في القدرة الإنمائية واستفحال الموازنات التشغيلية على حساب الموازنات الاستثمارية, وهناك هدر هائل يمتد من مائدة الطعام المنزلي إلى أوسع وليمة عامة بالعديد من الأصناف, وفي النهب بقفازات الفساد وتناقص فرص النمو وبطالة تحولت إلى (سيدة الميدان الاقتصادي), وإذا أردنا التوضيح أكثر, فمن حقنا أن نسأل: كم هي الأموال التي أحرقها العرب ليقتل بعضهم بعضا؟ وكم هي المدخرات التي وضعنا عليها الحد لكي لا تنفع في (اليوم الأسود)؟ واسألوا عن النزعة الاستهلاكية المتوحشة التي باتت العنوان الاقتصادي لأغلب الدول العربية مع هامش متكرر من التجريب وليس التجربة؟
ومع كل ذلك, بركة الحراسة الحقيقية متوافرة في الحياة العربية رغم كل التضليل التي يستهدفها، ويمكنها أن تكون نواة أمل للعام الجديد 2018، البركة في الصمود السوري على المؤامرة وفي خلاصات العراق المتوافرة الآن، وصبر مصر وتوازن تحكمه الهيبة الحقيقية لبلدان عربية وإشراقات الأمل في انتفاضة القدس وما أسست من مدونات, لعل أكثرها نبراس الفلسطينيين الاثنين، إبراهيم أبو ثريا وعهد التميمي.