منح الجنسية العراقية لمن هب ودب: سابقة خطيرة لم تحدث من قبل

26

 

يعد منح الجنسية لأي فرد داخل أي دولة خطوة ذات أبعاد قانونية، اجتماعية، وسياسية تتطلب دراسة متأنية وشروطًا صارمة لضمان الحفاظ على سيادة الدولة وحماية مصالح مواطنيها. لكن العراق اليوم يشهد ظاهرة خطيرة وغير مسبوقة تتمثل في منح الجنسية العراقية لأفراد بلا ضوابط واضحة أو معايير شفافة، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الهوية الوطنية وأمن البلاد.
تسييس منح الجنسية
تحولت مسألة منح الجنسية العراقية في السنوات الأخيرة إلى أداة سياسية تُستغل لأغراض حزبية وطائفية، ما أدى إلى فتح الباب أمام أفراد من جنسيات مختلفة للحصول على الهوية العراقية دون أدنى مراعاة للشروط القانونية. هذه الممارسات لا تقتصر على التجاوزات الإدارية، بل تمتد لتشمل تعريض أمن البلاد للخطر، حيث قد يُمنح أشخاص لديهم خلفيات غير واضحة أو ارتباطات مشبوهة .

منح الجنسية العراقية لإيرانيين وأفغان وباكستانيين: التفاف سياسي يهدد الإرادة الوطنية
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبية، شهد العراق منح الجنسية العراقية بأعداد كبيرة لمواطنين من جنسيات إيرانية وأفغانية وباكستانية. هذا الإجراء، الذي يفتقر إلى الشفافية والعدالة، لم يكن مجرد قرار إداري، بل يبدو أنه جزء من مشروع سياسي وطائفي يهدف إلى تغيير التوازن الديموغرافي لخدمة مصالح أحزاب محددة تسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن.
سياسة “الشعب البديل”
بعد أن فقدت الأحزاب السياسية الحاكمة ثقة الناخب العراقي، الذي أصبح محبطًا من فساد الطبقة السياسية وتدهور أوضاع البلاد، لجأت هذه الأحزاب إلى أسلوب غير مسبوق، استيراد ناخبين جدد من دول الجوار. هؤلاء الأفراد، الذين حصلوا على الجنسية العراقية بطريقة مشبوهة، مُنحوا أيضًا بطاقات انتخابية بهدف تعزيز القاعدة الانتخابية لهذه الأحزاب وضمان استمرارها في السلطة.
الأبعاد الطائفية والسياسية
لا يمكن فصل هذه الخطوة عن الأبعاد الطائفية التي تستغلها بعض القوى السياسية لتعزيز نفوذها. فبدلًا من معالجة مشكلات العراق الحقيقية، مثل الفساد، وسوء الإدارة، والتدهور الاقتصادي، اختارت هذه الأحزاب تفكيك البنية الاجتماعية عبر استبدال الناخب العراقي الأصيل بمن ترى فيهم ضمانًا لولاء انتخابي طويل الأمد.
انتهاك الهوية الوطنية
العراق، الذي عانى لعقود من الأزمات السياسية والحروب، يواجه اليوم تحديًا جديدًا يهدد نسيجه الوطني. فعملية منح الجنسية بهذه الطريقة تسهم في إضعاف الروابط الاجتماعية والثقافية بين المواطنين، وتفتح المجال لتغيير التركيبة السكانية بما يخدم أجندات خارجية تسعى للسيطرة على موارد البلاد ومستقبلها.
أبعاد قانونية مشبوهة
القانون العراقي ينظم عملية منح الجنسية ويضع شروطًا واضحة لضمان أن من يحصل عليها يستحقها فعلًا. لكن، في ظل الفساد المستشري وضعف الرقابة، بات الالتفاف على هذه القوانين أمرًا شائعًا. تقارير عديدة تشير إلى وجود شبكات فساد تتلاعب بملفات الجنسية مقابل رشاوى مالية، ما يجعل هذا الملف إحدى أخطر نقاط الضعف التي تستغلها الأطراف الفاسدة لتحقيق مكاسب شخصية.
الأمن القومي في خطر
منح الجنسية العراقية دون ضوابط يعني فتح الباب أمام تهديدات أمنية داخلية وخارجية. فالأفراد الذين يحصلون على الجنسية بهذه الطريقة قد يصبحون أدوات لتنفيذ أجندات معادية، مما يعرض الأمن القومي للخطر. الأمر لا يتعلق فقط بالجانب الأمني، بل يمتد إلى استنزاف موارد الدولة وزيادة الضغط على الخدمات العامة والبنية التحتية.
ضرورة التحرك العاجل
ما يحدث اليوم يتطلب وقفة جادة من جميع القوى الوطنية والشخصيات المؤثرة في العراق. يجب أن يكون هناك تحقيق شامل في هذا الملف لمحاسبة المتورطين في هذه الممارسات الخطيرة، وإعادة النظر في آليات منح الجنسية لضمان الالتزام بالقوانين وحماية مصالح الشعب العراقي.

ان منح الجنسية العراقية لمن هب ودب ليس مجرد إجراء إداري خاطئ، بل هو خطر وجودي يهدد العراق دولة وشعبًا. الحفاظ على الهوية الوطنية والأمن القومي يتطلب اتخاذ إجراءات حازمة لوقف هذه الظاهرة، والعمل على إصلاح النظام الإداري والقانوني المتعلق بالجنسية بما يضمن احترام سيادة الدولة وحماية مستقبلها.
التلاعب بالجنسية والانتخابات يُعد انتهاكًا صارخًا لإرادة الشعب العراقي، ومحاولة لترسيخ حكم قائم على المصالح الطائفية بدلًا من إرادة وطنية شاملة. إن العراق بحاجة إلى أصوات وطنية تدافع عن هويته وتعمل على استعادة ثقته بنفسه وبمستقبله، بعيدًا عن حسابات الأحزاب الضيقة وأجنداتها المشبوهة .

التعليقات معطلة.