الجامعات البريطانية وحرية التعبير

1

مصطفى زين
 
تتعرض حرية التعبير في الجامعات البريطانية لضغوط كثيرة تمارسها جماعات صهيونية أصبحت شبه معزولة في الأوساط الأكاديمية. حجتها أن المروجين للإرهاب والكراهية يستخدمون هذه الحرية لنشر أفكارهم. قال وزير «التعليم العالي» جو جونسون: «يجب أن تكون الجامعات أماكن تفتح عقولنا ولا تغلقها، ففي جامعات أميركا، والمثير للقلق في المملكة المتحدة أيضاً، شاهدنا جماعات تسعى إلى خنق أولئك الذين لا يتفقون معها». وأضاف: «يجب أن لا نسمح بحدوث ذلك، وأن يكون لدى الشباب القدرة على الصمود والاعتراض على وجهات النظر المختلفة والمثيرة للجدال، والمشاركة في مناقشات مفتوحة وصريحة وصارمة».
 
واستحدثت الحكومة هيئة تنظيمية جديدة باسم «مكتب الطلاب» من صلاحياتها معاقبة الجامعة التي لا توفر المناخ الكافي لحرية التعبير. لكن هذا المكتب الذي يبدأ عمله الفعلي في نيسان (أبريل) المقبل سيصطدم بقوانين أخرى تحد من فاعليته. منها على سبيل المثل، وضع حد لـ «خطباء الكراهية» والمتطرفين، وتبني حكومة المحافظين تعريفاً جديداً لمعاداة السامية. تعريف يصنف أي نقد لإسرائيل معادياً لليهود، من دون اجتهاد أو تأويل. وقد تبناه «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست» IHRA وفيه أن «اللاسامية يمكن أن تشمل الانتقادات الموجّهة ضد إسرائيل إذا تم توجيهها إليها بصفتها جهة يهودية»، خصوصاً إذا «تم انتقاد اليهود والقول أنهم يوالون إسرائيل أكثر مما يوالون الدول التي يقيمون فيها».
 
بين ما قاله جونسون والتعريف الجديد تناقض لا يخفى، فالوزير يدعو إلى «انفتاح العقول»، ولا بد لأي مؤرخ جاد حين يتناول هجرة اليهود من أصقاع العالم إلى فلسطين من التطرق إلى ظروف نشأة دولتهم، والمقارنة بين الاضطهاد الذي تعرضوا له في أوروبا والاضطهاد الذي يمارسونه، بمساعدة مضطهديهم، ضد الشعب الفلسطيني. كما لا بد له من تناول مسألة الدين والقومية ودورهما في تكوين الدولة – الأمة (ديموقراطية كانت أو ديكتاتورية)، خصوصاً استخدام المحرقة و «وعد الله» حجة لطرد شعب من أرض عاش فيها آلاف السنين.
 
لم يكن الراحل إدوارد سعيد لا سامياً. وقد انتقد «المستخفّين بتاريخ اللاسامية كلّه»، والذين لم يدرسوا «هذا الموضوعَ الضخمَ» («الحياة»، 5 تشرين الثاني – نوفمبر 1996). ولم يكن من منكري المحرقة. لكنه في الوقت ذاته، كان يعتبر عدم تناولها يضع حداً لحرية التفكير النقدي. أي إنه رفض اعتبار حدث تاريخي مقدساً يُمنع التفكير فيه إلا في إطار من القوانين، وفي تقليد للخطاب الرسمي المسموح به.
 
الحد من حرية التعبير في بريطانيا، جاء رداً على قرار مئات الأكاديميين مقاطعة الجامعات الإسرائيلية، احتجاجاً على موقفها غير الأخلاقي من المسألة الفلسطينية وانحيازها، من دون أي نقد، إلى الخطاب الليكودي، وتبريرها القمع والاضطهاد والقتل الذي يتعرض له الفلسطينيون يومياً. ولا نعتقد بأن القوانين ستمنع هؤلاء وغيرهم من التعبير عن آرائهم.
 
حدود حرية التعبير في بريطانيا تقف عند نقد إسرائيل التي لا حدود لها.

التعليقات معطلة.