منذ عودته إلى البيت الأبيض، لم يُخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نواياه تجاه إيران. لكنّ اللافت في خطاباته الأخيرة أنه لم يتحدث عن إعادة التفاوض، أو حتى عن العودة إلى سياسة “الضغط الأقصى”، بل طرح هدفًا صريحًا لم يطرحه أي رئيس أميركي قبله: “أريد استسلام إيران”.
هذه العبارة لم تكن زلّة لسان، بل تمثّل روح السياسة الجديدة التي تنتهجها واشنطن اليوم في ظل إدارة ترامب الثانية. فالمسألة لم تعد تخص الملف النووي فقط، بل باتت ترتبط بوجود النظام نفسه، بمؤسساته، بفكره، وبشبكة نفوذه في الإقليم.
من الاتفاق إلى الإذعان: ما بعد مرحلة النووي
في ولايته السابقة، كان ترامب يضغط لفرض اتفاق “أقوى” من اتفاق أوباما، ويهدف إلى تقييد المشروع الإيراني إقليميًا. أما اليوم، فالمعادلة تغيرت بالكامل. لم يعد البيت الأبيض يتحدث عن تقليص تخصيب اليورانيوم أو تقليص أذرع إيران العسكرية، بل أصبح يسعى إلى تحطيم الإرادة السياسية والعقائدية للنظام الإيراني، وتفكيك أدواته الأمنية والإعلامية التي حافظت على بقائه منذ 1979.
من هذا المنطلق، أصبح سقف المطالب الأميركية يتجاوز النووي والصواريخ والنفوذ، ليبلغ حد الاستسلام غير المشروط.
نتنياهو يشعل المسرح… وترامب يرفع السقف من موقع الحسم
التحليل الميداني للمواجهة الدائرة يكشف أن العامل الحاسم في رفع نبرة ترامب لم يكن فقط متعلّقًا برؤية داخلية، بل جاء نتيجة مباشرة لما فعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأرض.
في الأيام الماضية، نفّذت إسرائيل سلسلة من الضربات الدقيقة والمؤثرة داخل العمق الإيراني، طالت مراكز استخباراتية، ومصافي غاز، ومحطات إعلام رسمي. هذه الضربات لم تُقابل بردّ مؤثر، بل كشفت هشاشة داخلية غير مسبوقة في منظومة النظام الإيراني.
هنا، رأى ترامب أن اللحظة قد حانت لفرض الحل النهائي. فالضربات الإسرائيلية الناجحة منحت الولايات المتحدة ذريعة استراتيجية وأرضية صلبة لرفع سقف المطالب إلى أقصى مدى. لم تعد واشنطن ترى النظام الإيراني طرفًا يمكن احتواؤه، بل كيانًا يجب تفكيكه بالكامل.
لقد انتقل ترامب من سياسة الضغط المتدرج إلى مشروع الإخضاع الكامل، مستفيدًا من الانكشاف الأمني الإيراني، ومتكئًا على أداء عسكري إسرائيلي أعاد رسم ميزان القوى في الإقليم .
تحالف المهام: تل أبيب تضرب وواشنطن تقرر
ما يجري اليوم ليس تنسيقًا عاديًا بين إسرائيل والولايات المتحدة، بل تقاسم أدوار استراتيجيًا عالي المستوى. تل أبيب تنفّذ العمليات الحساسة، وتضرب مفاصل النظام، وتفكك أدواته، فيما تتولى واشنطن الحسم السياسي والضغط الدولي والدبلوماسي، وصولًا إلى خنق النظام من كل الجهات.
ترامب يرى في هذا التناغم فرصة تاريخية لصناعة الشرق الأوسط الجديد، خالٍ من “النظام الإيراني الثوري”، ومرتبط بالكامل بالمنظومة الأميركية–الإسرائيلية.
لا مفاوضات… بل نهاية نظام
إيران الآن لا تواجه ضغوطًا معتادة، بل إستراتيجية إسقاط حقيقية ومتكاملة. ترامب، ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، لا يطرح الشروط، بل يرسم سيناريو النهاية. وإسرائيل بدورها تمهّد الأرض، وتنتزع من النظام الإيراني كل وسائله الدفاعية، الأمنية والنفسية.
لقد انتهى زمن التفاوض. الخطاب الأميركي لم يعد “لنُصحّح سلوك النظام”، بل: “أسقطوا النظام… أو سنسقطه بأنفسنا”.