لأول مرة… أعداء العرب يتقاتلون

15

 

فرصة نادرة لإعادة تموضع عربي حقيقي

لأول مرة منذ عقود طويلة، تقف الشعوب والدول العربية خارج مرمى النيران المباشرة، في مشهد صراعي غير مسبوق: أعداء العرب التقليديون – إيران وإسرائيل – يتقاتلون فيما بينهم، في مواجهة عسكرية واستخبارية مفتوحة بدأت تطال العمق الأمني والسياسي للطرفين، بينما العرب يراقبون المشهد من موقع المراقب وليس الضحية.
هذا التحوّل ليس تفصيلاً عابراً في مسار الأحداث الإقليمية. بل هو علامة فارقة، يجب الوقوف عندها بجدية، واعتبارها فرصة استراتيجية نادرة لإعادة تموضع العرب في معادلة الشرق الأوسط الجديد، وفق شروط أكثر عدالة، وبموقف مستقل ومتوازن.

أولاً: لحظة تفكك المعادلة القديمة
منذ العام 1979، وبعد انتصار الثورة الإيرانية، ترسخت معادلة إقليمية صامتة، ارتكزت على تفاهم غير معلن بين واشنطن، طهران، وتل أبيب. تقوم هذه المعادلة على أن تُمنح إيران دورًا وظيفيًا في المنطقة:
احتواء الشعوب العربية وتفكيك دولها عبر وكلاء طائفيين.
ضبط الصراع مع إسرائيل ضمن حدود محسوبة لا تمسّ جوهر النظامين في طهران وتل أبيب.
لكن هذه المعادلة بدأت تتصدع، ثم تتهاوى مع تصاعد المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، بدءًا من سوريا والعراق ولبنان، وصولًا إلى ضربات إسرائيلية تطال قلب طهران ومنشآتها الاستراتيجية وقيادات الحرس الثوري.
في المقابل، ردّت إيران أكثر من مرة، وحققت بعض الخسائر على الجانب الإسرائيلي، لكن التفوق الجوي والاستخباري الإسرائيلي بات مكشوفًا على مستوى العالم، وأحدث خللًا واضحًا في ميزان الردع.

ثانيًا: صراع يُنهك الطرفين… ويحرّر العرب
الصراع الحالي لا يُشبه الاشتباكات السابقة التي كانت تجري في الظلال. بل هو حرب مفتوحة بمستوى منخفض، تتجه تدريجيًا نحو تصعيد أوسع، وأهداف أكثر وضوحًا:
إسرائيل لم تعد تستهدف منشآت محددة، بل تسعى بوضوح إلى إسقاط النظام الإيراني نفسه، عبر ضرب قيادات الحرس والباسيج وتدمير أدوات القمع الداخلي، تمهيدًا لانتفاضة شعبية داخل إيران.
إيران من جهتها، تسعى للرد بطريقة تحفظ ماء الوجه، لكنها تعاني من فقدان المبادرة وتراجع القدرة على الردع بعد استنزاف أذرعها في سوريا والعراق ولبنان.
وسط هذا التآكل المزدوج، يجد العرب أنفسهم لأول مرة خارج دائرة الاتهام والضغط. إنه وضعٌ استثنائي، ينهي احتكار “عدوين” للمنطقة، كانا يختصمان فقط على من يفرض هيمنته على العرب.

ثالثًا: ما الذي يجب أن يفعله العرب؟
في لحظة كهذه، الحياد ليس خيارًا، والانتظار خسارة مؤكدة. المطلوب عربيًا ليس الانخراط في الصراع، بل استثماره لصالح بناء موقف موحد وإستراتيجية تحررية، وفق مسارات واضحة:
1. بناء موقف عربي موحّد ومستقل
على الدول العربية الفاعلة (مصر، السعودية، العراق، الخليج، الأردن، المغرب) أن تعلن رفضها الصريح للهيمنة من أي طرف، سواء كانت إيرانية طائفية أو إسرائيلية أمنية.
هذا الموقف يجب أن يُترجم بخطاب سياسي جديد يتجاوز الاصطفافات القديمة.
2. استثمار الانشغال الإيراني الإسرائيلي
بينما ينشغل الطرفان بضرب بعضهما، يمكن استعادة زمام المبادرة في ملفات استراتيجية:
إعادة بناء الدولة العراقية بعيدًا عن الوصاية الإيرانية.
دعم حياد لبنان وتحييد سلاح الميليشيا.
تعزيز الاستقرار في سوريا بترتيب عربي لا بصفقات دولية واقليمية .
دفع تسوية عادلة في اليمن تُقصي المشروع الإيراني.
3. صياغة تحالف عربي مستقل
المطلوب تحالف عربي لا يتكئ على واشنطن ولا على موسكو ولا على تل أبيب ولا طهران.
تحالف قاعدته الشراكة بين الشعوب، الأمن الإقليمي، والتنمية المستقلة .

رابعًا: مَن لا يتحرك في لحظة الفرصة… سيتحرّك تحت ضغط الهزيمة
الحرب التي نشهدها اليوم لن تعود بالأمور إلى ما كانت عليه. سواء انتهت بسقوط النظام الإيراني، أو بتفكيك أذرعه الإقليمية، أو بتفاهم دولي جديد على حساب العرب، فإن المعادلة القديمة لن تعود .
ولذلك، على الدول العربية أن تغادر موقع رد الفعل والانتظار، وأن تتحول إلى طرف فاعل يصوغ المستقبل، لا مجرد متلقٍ لتداعياته.

الفرصة التي لم يُخطط لها العرب… لكنها قد تكون خلاصهم
ليس من عادة التاريخ أن يمنح خصومه فرصًا على طبق من ذهب. لكن ما يحصل الآن بين إيران وإسرائيل هو استثناء نادر، صراعٌ بين قوتين طالما مزّقتا الخارطة العربية، والآن تتكسر قوتهما الواحدة على الأخرى.
فهل يدرك العرب أن هذه لحظة إعادة التأسيس؟ هل ينتقلون من هامش المعادلة… إلى صميم القرار؟
الفرصة أمامهم. والتاريخ لا يرحم المترددين.

التعليقات معطلة.