بقلم : حسن حردان
منذ أن أعلنت السلطة السعودية الحرب على اليمن بهدف إخضاعه ومنعه من تحقيق استقلاله الوطني السياسي والاقتصادي بعيداً عن الهيمنة الأميركية السعودية، دخلت السعودية في أزمة داخلية أخذت تتفاقم شيئاً فشيئاً مع استمرار الحرب وارتفاع تكاليفها المادية والبشرية والعجز في تحقيق أهدافها. وأصبح من الواضح بعد أكثر من سنتين أنّ الحكم السعودي لم يتمكّن من حسم الحرب التي كان يعتقد أنها ستحسم خلال أسابيع، وقد أدّى ذلك إلى إغراق السعودية في أكبر حرب استنزاف في تاريخها استنزفت احتياطاتها المالية وولدت عجزاً في الموازنة يناهز المائة مليار دولار ودين يقدّر بمائة مليار دولار أخرى، هذا طبعاً ما هو معلن، لأنّ التقديرات الحقيقية لتكاليف الحرب أكثر من ذلك بكثير إذا ما قارنّا الحرب السعودية ضدّ اليمن بالحرب الأميركية في العراق التي تجاوزت بين أعوام 2003 و2007 الثلاثة تريليونات دولار حسب الخبير الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغيليز، مع الأخذ بالاعتبار أنّ الحرب الأميركية على العراق حسمت باحتلال العراق بعد شهر من بدئها ومن ثم بدأت القوات الأميركية المحتلة تواجه المقاومة العراقية التي راحت تشنّ ضدّها حرب عصابات حتى أجبرتها في نهاية عام 2011 على الرحيل دون تحقيق الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية التي سعت إليها واشنطن.
على أنّ الإمعان في مواصلة الحرب وعدم القبول بالحلّ السياسي الذي يحترم إرادة الشعب العربي في اليمن أخذ يترك انعكاسات سلبية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في السعودية بسبب سعي السلطة إلى معالجة العجز في الموازنة وسداد فوائد الدين عبر تحميل الناس أعباء ذلك من خلال فرض رزمة من الضرائب غير المباشرة.
لكن الأمر الذي زاد من حدة الأزمة، إلى جانب الاستمرار في حرب الاستنزاف في اليمن، كان إقدام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو 500 مليار دولار في إطار عقد صفقات اقتصادية وشراء أسلحة، وكذلك الموافقة على صفقة القرن التي طرحها ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، بهدف وحيد وهو شراء تأييد ودعم ترامب لبن سلمان في الاستئثار بالحكم في السعودية وعزل ولي العهد محمد بن نايف ومن ثم اعتقال الأمراء في سياق العمل على تحقيق هدفين:
الهدف الأول: توجيه رسالة حازمة لكلّ معارضيه من أمراء آل سعود بانه سيضرب بقوة كلّ من يقف أو يعترض سيطرته على السلطة واستحواذه على كلّ مفاصل القرار في المملكة على المستويات كافة.
الهدف الثاني: العمل على مساومة الأمراء ورجال الأعمال الأغنياء المعتقلين بالحصول منهم على قسم كبير من ثرواتهم مقابل منحهم الحرية ومواصلة نشاطهم.
وكان واضحاً أنّ بن سلمان قد حصل على غطاء ودعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقيام بهذه الخطوة، بل إن هناك من قال إنّ خطوة اعتقال الأمراء قد تمّت في أعقاب زيارة طارئة وسريعة لمستشار ترامب وصهره كوشنير إلى الرياض واجتماعه مع بن سلمان على مدى ما يزيد عن أربع ساعات جرى خلالها اطلاع بن سلمان على وجود خطة يعدّها الأمراء المعارضون لاستئثاره بالسلطة للقيام بانقلاب في المملكة للإطاحة به.
غير أنّ حساب الحقل لم يتطابق مع حصاد البيدر، كما هو واضح، فاعتقال لأمراء لم يحقق الأهداف المرجوة، فعدا عن تزايد النقمة في وسط الأسرة السعودية، فإنّ بن سلمان لم يتمكّن من الحصول على مئات المليارات منهم، كما كان يتوقع، حيث تبيّن أنه لن يحصل سوى عشرة إلى عشرين مليار. هذا في حال قبل الأمراء صفقة لقاء إطلاق سراحهم وتبرئتهم من تهمة الفساد التي كان قد وجّهها لهم لتبرير اعتقالهم.
من هنا وفي ضوء استمرار غرق السعودية في حرب استنزاف من العيار الثقيل في اليمن، وعدم القدرة على توفير الأموال لتأمين النفقات الباهظة لمواصلة الحرب، وتزايد الدين والعجز في الوقت نفسه، لجأ بن سلمان إلى فرض رزمة جديدة من الضرائب شملت البنزين والسلع الاستهلاكية من خلال فرض ضريبة tva مما أثار أجواء من التذمّر في أوساط المواطنين، فيما استمرار اعتقال الأمراء الرافضين الدخول في مساومة مع بن سلمان، أدّى إلى ازدياد حالة السخط في أوساط أقارب الأمراء المعتقلين، وقيام 11 أميراً بالذهاب إلى القصر الملكي لإبلاغ احتجاج أمراء أسرة آل سعود على استمرار اعتقال الأمراء والمطالبة بإطلاق سراحهم، وهو ما ردّ عليه بن سلمان باعتقالهم بتهمة التجمهر في القصر الملكي واتهامهم بأنهم يطالبون بإعفائهم من دفع رسوم الكهرباء والمياه، في حين سارع الملك سلمان إلى إصدار أمرا بإعطاء بدل غلاء معيشة للموظفين والعسكريين لاحتواء موجة التذمّر والغضب نتيجة فرض الضرائب التي زادت من الأعباء على المواطنين.
هذه التطورات تؤشر إلى أنّ المملكة السعودية دخلت في مرحلة من التأزّم سوف تزداد حدة في الفترة المقبلة على ضوء استمرار الحرب المكلفة والتي لا أفق لها سوى هدر ثروات السعودية من ناحية، ومواصلة تدمير اليمن وتجويع شعبه من ناحية ثانية. لأنّ ولي العهد الطامع بالاستئثار بالسلطة ووراثة الحكم من أبيه الملك سلمان لا يريد وقف الحرب خوفاً من أن يحمّل المسؤولية عن الكارثة التي تسبّب بها نتيجة الفشل في تحقيق أهدافه من الحرب، وهدر ثروة السعودية، وتدمير اليمن.
انّ ما تقدّم يظهر بوضوح حجم الكوارث التي يسبّبها النظام السعودي للمواطنين في الجزيرة العربية، وللشعب العربي في اليمن، واستطراداً لقضية العرب الأولى فلسطين، وقبل ذلك لسورية وعموم الأمة العربية نتيجة تمويله ودعمه الحرب الإرهابية التكفيرية لتدمير الدول والجيوش الوطنية فيها. ويبدو من الواضح أنّ بن سلمان بسياساته المدمّرة هذه إنما يخدم مصالح أميركا وكيان العدو الصهيوني ليس إلا، فهما المستفيدان الوحيدان من استمرار الحرب في اليمن ومن حاجة ابن سلمان لدعمهما له لتمكينه من احتكار السلطة وإزاحة كلّ خصومه من الأمراء، وبالتالي الاستمرار في استخدام السعودية رأس حربة لمواصلة شنّ الحرب السياسية والاقتصادية والأمنية ضدّ قوى المقاومة وسورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.