” الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو نموذج واضح لهذه الطبقة من الاقتصاديين الذين سيطروا بأدواتهم على مقدرات أكبر دول العالم، وحقق من خلال وعوده لمواطنيه بإعادة المصانع الاميركية للعمل، خطوات واسعة نحو ترسيخ مفاهيم اليمين الرأسمالي، متوعدا الصين قبيل قدومه بتغيير في المعادلة الاقتصادية،”
يشهد العالم في الآونة الأخيرة ارتدادة عنيفة عن عولمة الاقتصاد، مما يفرغ الاتفاقيات الدولية التي وقعت على مدار عقود طويلة لترسيخ مفاهيم العولمة الاقتصادية من مضمونها،وأضحت اتفاقيات مثل اتفاقية الجات، تنفيذها يقع على عاتق الدول الصغرى حول العالم، فيما تدافع الدول الكبرى بشكل فج عن مصالحها الاقتصادية وصناعاتها في كافة بقاع العالم، فتوالي هذه الدول اتهام بعضها البعض بممارسة الحمائية الاقتصادية في كافة القطاعات الاقتصادية، وأهمها الصناعة، خاصة مع هذا الركود الاقتصادي العالمي الذي يضرب أركان المعمورة، والذي ينذر بمزيد من الهزات، إذا استمر الحال على ما هو عليه، خاصة في وجود هذا الشره الرأسمالي من الدول الكبرى، والاستسلام الاستهلاكي من الدول الصغيرة، مما سيكون له إنعكاس سلبي ليس على الاقتصاد فقط، لكنه يؤثر وسيزيد تأثيره على حالة الأمن والسلام العالميين.
فارتفاع أسعار السلع غير المبرر، الناتج عن جشع رأسمالي متغول، يضاعف من قيمة المنتج الحقيقية، عبر الحديث عن ابحاث تسعى وراء التقنية، أو تكلفة نقل عالية، فمثلا نجد أن منتجا ما تشكل المواد الخام التي تدخل في تصنيعه، وحساب تكلفة الأيدي العاملة، أقل من نصف سعره المنصف، فيما يرتفع سعره التجاري أضعافا، متذرعا بأبحاث علمية تسعى إلى التقنية، وتكاليف نقل تتخطى المعقول، فيؤثر هذا الارتفاع غير المبرر في قيمة السلع على حالة البيع والشراء، مما يزيد من حالة الركود، الذي يؤثر بدوره على توفير فرص عمل حقيقية حول العالم، مما ينعكس على القوة الشرائية العالمية فتدور الدائرة نحو مزيد من الركود وهلم جرة.
وتأتي الحمائية الاقتصادية، والارتفاع غير المبرر في تكاليف السلع، خاصة مع حالة الارتداد إلى قواعد اقتصادية عتيقة تبحث عن توفير فرص عمل في الدول الكبرى، بدل من البحث عن الايدي العاملة الرخيصة كما كان في العقدين الماضيين، على رأس الأسباب التي ستجعل الدول الصغرى أكثر عرضة إلى هزات اقتصادية تؤثر على الجانب الاجتماعي والسياسي، فتخلق المزيد من بؤر الصراعات الملتهبة حول العالم، فهي دائرة حتمية تحركها الرأسمالية الجشعة، دون رقيب أو حسيب، خاصة وأن قادة تلك المنظومة هم من يملكون أدوات اختيار القادة حول العالم، وأصبح لمصالحهم الجزء الأكبر، في أساسيات الصراع.
فمثلا الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو نموذج واضح لهذه الطبقة من الاقتصاديين الذين سيطروا بأدواتهم على مقدرات أكبر دول العالم، وحقق من خلال وعوده لمواطنيه بإعادة المصانع الأميركية للعمل، خطوات واسعة نحو ترسيخ مفاهيم اليمين الرأسمالي، متوعدا الصين قبيل قدومه بتغيير في المعادلة الاقتصادية، متخذا العديد من الإجراءات التي تدعم التوجه الرأسمالي في أشد صوره تطرفا ، لدرجة جعلته يتوعد أقرب حلفائه من الأوروبيين باتخاذ إجراءات انتقامية ضد التكتل الأوروبي، بزعم أن سياسة الاتحاد الاوروبي التجارية مع أميركا “غير منصفة إطلاقا” .
ولعل هذا الخطاب الترامبي يتكئ على اتفاقيات وقعتها واشنطن مع حلفائها الاوروبيين، يريد الفكر الجديد التخلص منها متعللا بالصعوبات التي تواجه أميركا من أجل إدخال بضائعها الى دول التكتل الاوروبي، وهو ما يتوافق مع برنامج ترامب الانتخابي القائم على الشعارات الحمائية والدعوات لحماية العمال والمؤسسات الاميركية، باستمرار دولا أخرى من بينها الصين بممارسات تجارية غير عادلة (على حد الوصف الاميركي) مع أنها الشريك التجاري الأساسي لبلاده، وما يتبع تلك التصريحات من فرض أميركي رسوما حمائية على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة من الصين وايضا الغسالات الكبيرة المصنّعة في الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتايلاند وفيتنام، وتهديده لالمانيا بفرض رسوم جمركية للحد من عدم التوازن في الفائض التجاري بين البلدين.
إن استمرار تلك الخطوات الجشعة من حيث الحمائية الاقتصادية أو التكلفة غير المنصفة للسلع، ستؤثر بشكل أساسي على الحركة التجارية العالمية وتدفعها لمزيد من الركود المصحوب بارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، مما سيؤثر بشكل كبير على الأمن والاستقرار العالمي، فيما يحتاج العالم لنظرة منصفة في أسعار المنتجات، والتوازن ما بين عولمة الاقتصاد، وحماية الاقتصاديات الوطنية للدول الصغرى والكبرى على حدا سواء، ومحاولة إيجاد بدائل اقتصادية تخفض من تكاليف منظومة النقل، وتسعى لتوفير فرص عمل حقيقية في كافة بقاع المعمورة، مما يؤدي إلى زيادة حقيقية في القوة الشرائية تدفع الاقتصادي العالمي للتعافي بعيدا عن الركود، مما سيعزز مزيدا من المكاسب الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، فالنمو الاقتصادي ورفاهية الشعوب هما أهم عوامل الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين، ودونهما فالعالم مهدد بتداعيات لم تعد المعمورة قادرة على الصمود في وجهها.
إبراهيم بدوي