بقلم : حميدي العبدالله
«لائحة الكرملين» التي ضمّت كبار المسؤولين الروس وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزيرا الدفاع والخارجية والناطق الرئاسي، وعدد كبير يصل 21 مسؤولاً، هذه اللائحة التي وضعتها الإدارة الأميركية، والتي تشكل تمهيداً لفرض عقوبات على هذه الشخصيات تعتبر سابقة في العلاقات الروسية الأميركية، بل سابقة في العلاقات بين دولتين عظميين، حتى أثناء الحرب الباردة لم تُقدم الولايات المتحدة على خطوة تماثل الخطوة التي اتخذتها إدارة ترامب بحق كبار المسؤولين في روسيا ولم يُستثنَ منهم سوى الرئيس فلاديمير بوتين الذي علق ساخراً «إنه حزين لأنّ اسمه لم يرد في قائمة الكرملين».
تستطيع الولايات المتحدة فرض عقوبات على مسؤولين في دول ليست بقوة روسيا، مثل كوبا وسورية وإيران وفنزويلا والسودان. وقد تكون هذه العقوبات ذات تداعيات محدودة على المصالح الأميركية وعلى الاستقرار في العالم، ولكن لا يمكن القول إنّ المبدأ ذاته ينطبق على العلاقات الروسية الأميركية.
روسيا دولة عظمى وذات تأثير دولي، على الأقلّ في منطقة الأوراسيا، على امتداد مئات السنين، أثناء حكم القياصرة، وأثناء الاتحاد السوفياتي، وستظلّ كذلك في العهود الحالية. قوة روسيا لا تستمدّها فقط من أنها عضو دائم في مجلس الأمن، ولا من أنّ لها حلفاء كباراً على المستوى الدولي يشاطرونها آراءها حول طبيعة النظام الدولي الذي يجب أن يسود، بل والأهمّ من ذلك أنّ روسيا دولة كبرى، بل دولة عظمى في قدراتها العسكرية التقليدية والنووية، كما أنها دولة مترامية الأطراف، وكانت لاعباً على مستوى السياسة الدولية منذ أكثر من ثلاثة قرون.
تعامل الإدارات الأميركية، ولا سيما هذه الإدارة، مع روسيا وكأنها دولة صغيرة، وتجاهلُها قدراتها وعلاقاتها الدولية يشكل ضرباً من ضروب الجنون، ولا يمكن لهذا التعامل أن يمرّ من دون تبعات وعواقب، ستطال آثارها العالم كله وليس منطقة الأوراسيا في ظلّ العولمة وتطوّر وسائل الاتصال والتواصل.
إنّ فرض عقوبات على مسؤولين كبار في دولة بحجم روسيا من شأنه أن يرفع مستوى التوتر بين دولتين عظميين لديهما قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية هائلة ويملكان تأثيراً سياسياً واسعاً في أنحاء مختلفة من العالم. وهذا يعني أنّ تداعيات التوتر لن تظلّ محصورة بين البلدين، بل سوف تمتدّ إلى مناطق أخرى من العالم، وقد تكون أوروبا واحدة من ساحات هذا التوتر الذي بلغ ذروة تجاوزت كلّ ما حدث حتى إبان الحرب الباردة، وهذا هو الجنون بعينه في عالم السياسة والعلاقات الدولية.