الحرب العالمية الثالثة التي تدور بالوكالة والاصالة على الساحه السورية تسير نحو تكوين نظام شرق اوسطي جديد تنحسر فيه الهيمنة الامريكية وتتلاشى فيه الكيانات الوظيفية للاستعمار بما فيها الكيان الصهيوني

1

 
د. عبد الحي زلوم
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والذي برهن أن انهيار الامبراطوريات الكبرى المدججة حتى بالأسلحة النووية قد أصبح أمراً واقعاً خصوصاً كما في الاتحاد السوفياتي سابقاً والولايات المتحدة لاحقاً. وهذا يكون عادةً ضمن انهيارات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية . ولقد عرف التاريخ الامريكي تباطئات وكساد اقتصادي في دورات كل 4 -7 سنوات وكل هزة اقتصادية تكون أعنف مما قبلها. ولو جمعنا تناقضات المجتمعات الامريكية العميقة كما اظهرت عملية انتخابات ترامب الاخيرة فيعتقد الكثير من الخبراء السياسيين والاقتصاديين وعلوم الاجتماع أن أفول نجم الامبراطورية الامريكية قد بدأ عده التنازلي و منطقتنا هي دليلٌ على ذلك .
ما أن بدأ الاتحاد السوفياتي بالانهيار حتى أعلنت الولايات المتحدة نظام عالمها الجديد والذي يقضي بكل بساطة أنّ الولايات المتحدة يجب ان تبقى القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب وانها ستعمل شرطية للعالم لمنع نشوء أي قوة او تجمع قوى لمنافستها وأن قواعدها العسكرية ستنتشر في كل مكان لتعظيم دور امبراطوريتها الاقتصادية العابرة للقارات .
بدأت الولايات المتحدة بروسيا فأوصلت للسلطة رجل مخمور اسمه يلتسن وتعاونت بنوك وول ستريت وفروعها مع عشرة أغلبيتهم من الصهاينة اليهود بالاستيلاء على الشركات والمرافق العامة التي كانت ملك للشعب السوفياتي عبر وسائل ملتوية بحيث اصبح 50% من الاقتصاد الروسي بأيدي هؤلاء العشرة وبحيث اصبحت الدولة عاجزة حتى عن دفع رواتب جيشها ورواتب المتقاعدين . فأصبح الاتحاد الروسي وكأنه إحدى دول العالم الثالث الافريقية . هكذا كان الحال حينما جاء بوتين .
جاء الصهاينة والمحافظون الجدد مع جورج دبليو بوش لتنفيذ اجندتهم حسب مبدأ بوش الصغير وخلاصته أن النظام الامريكي صالحٌ لكل زمان ومكان وأن على الدول كافة اما ان تكون معه أو تكون ضده وسوف تحارب الولايات المتحدة من لا يسير ضمن مخطط الهيمنة الامريكية الكاملة بالتوافق مع الامم المتحدة إن أمكن وبدونها إن لم يمكن . وتمّ تحديد ما أسموه بدول محور الشر و أكثرهم دول مسلمة كايران والعراق وسوريا وافغانستان . وسنرى ادناه الفشل الذريع في تحقيق الولايات المتحدة لاهدافها في هذه الدول .
بدءاً بأفغانستان فقد كتبت جريدة أراب- نيوز ( سعودية) بتاريخ 1/7/2010 : ” كيف يستطيع جيش غير نظامي يتكون من 30.000 – 40.000 رجل الصمود ضد القوة العالمية العظمى الوحيدة لتسع سنوات طوال ، خصوصاً عندما نضيف أن مع هذه الولايات المتحدة تحالف من أقوى جيوش العالم الأخرى؟” و قد تحول الغزو الامريكي الى أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة ولم يحقق أهدافه الرئيسية .
بالنسبة الى العراق فبعد شهور من الغزو وقف جورج دبليو بوش مبشراً أن ( المهمة قد تحققت). وبالرغم من ما يزيد عن مئة الف جندي و8 سنوات وكلفة ما يزيد عن تريليون دولار نفقات مباشرة و ضعف ذلك كلفة غير مباشرة على الاقتصاد الامريكي فقد نجحت ايران بأن تكون هي الرابح الاكبر لتصبح العراق تحت نفوذها بعكس ما كانت تريده الولايات المتحدة .
وهذه الحكاية مع حزب الله في لبنان ، اجبرت المقاومة اللبنانية الكيان الصهيوني بأن ينسحب في جُنح الظلام سنة 2000 وكان ذلك أول انسحاب في تاريخ الكيان الصهيوني دون قيد او شرط. ثمّ أوعزت الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بشن حرب تموز 2006 وبعد 33 يوم خسر الكيان الصهيوني رهانه وخرج خاسراً من المعركة والتي لم تحقق اهدافها والتي كانت الولايات المتحدة تُصر على اكمالها بالرغم من طلب الجيش الاسرائيلي وقف اطلاق النار مرات ومرات . وكان هذا انتصاراً وخلق معادلة ردع ما زالت قائمة حتى اليوم. يزداد حزب الله والمقاومة قوة ونفوذاً وردعاً للعربدة الاسرائيلية يوماً بعد يوم.
حشدت الولايات المتحدة ووكلائها في المنطقة عشرات الاف التكفيريين لتغيير النظام السوري ذلك بأنه كان حلقة وصل للامدادت الايرانية للمقاومة اللبنانية . وكان الهدف الرئيسي فك حلقة الوصل تلك بالاضافة الى تحطيم اقتصاد الدولة العربية التي لم تكن تحت جناح صندوق النقد الدولي . ولقد كانت ممارسة النظام السوري الشمولية عاملاً مساعدا في انضمام بعض السوريين الى الجماعات التي وظفها الغرب ووكلائه . الا أن سيئات النظام لا يعني احضار نظام عميل اسوء منه . والمهم ان الهجمة على سوريا من الولايات المتحدة وأعوانها لم تحقق اهدافها بل بالعكس زادت نفوذ ايران مما نتج عن ذلك امتداد تواصل بري لايران من حدود افغانستان حتى البحر الابيض المتوسط. وهذا يتناقض تماماً مع اهداف السياسة الامريكية وتمّ بالرغم عنها .
كان نتيجة الاقتتال في سوريا أن تدخل الاتحاد الروسي وحسم المعركة ضد التكفيريين بشكل عام . وكان نتيجة ذلك زيادة نفوذ روسيا في المنطقة وخلق تحالفات بين قوى اقليمية مع روسيا مثل ايران وتركيا وبطريقة تتحدى السياسة الامريكية بل والعربدة الاسرائيلية ولنعطي مثال على ذلك فلنأخذ حالة ارسال ايران طائرة مسيرة فوق الاراضي المحتلة والغارات الصهيونية على سوريا وسقوط طائرة F16 .
كتبت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الشرق الأوسط كان على شفير حرب جديدة لولا الاتصال الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وبحسب الصحيفة فإن الجنرالات الإسرائيليين أخرجوا من الأدراج الخطط التي لطالما كانت لديهم لشن هجوم على سوريا في أعقاب اسقاط الطائرة الإسرائيلية، لكن السوريين كما الايرانيين وحزب الله أدركوا أن الأمر وشيك وجعلوا الجميع على بينة من أن أي شيء من هذا القبيل لن يمر من دون ردّ.
لكن وفق الصحيفة كان الاتصال الذي أجراه بوتين بنتنياهو والذي عبّر فيه الرئيس الروسي عن غضبه خصوصاً وان القصف الاسرائيلي جاء بالقرب من تمركز القوات الروسية كان كافياً لجعل نتنياهو يتراجع عن الخطط التي وضعت على الطاولة.
وخلصت الصحيفة إلى أن أحداث يوم السبت أظهرت أمرين على نحو واضح: الأول أنه لا يمكن لإسرائيل التحرك في سوريا كما تشاء حيث ستواجه بقوة من سوريا وحلفائها من الآن فصاعداً . والأمر الثاني أن روسيا باتت اللاعب المهيمن في المنطقة على حساب التفوذ الامريكي .

التعليقات معطلة.