محمد شومان
تعتبر الأزمة مع قطر حدثاً غير متوقع في إطار العلاقات العربية، وربما غير مسبوق بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث مسار الأزمة وعمقها وتدخل عديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي يدور بينها صراع محموم على لعب أدوار جيوسياسية وتحقيق مصالح في الشرق الأوسط، لذلك قد يكون من الصعب استشراف المسارات المستقبلية لهذه الأزمة والتي طالت أكثر مما ينبغي، حيث دخلت الشهر التاسع من دون أن يظهر في الأفق تغيير حقيقي في الموقف القطري أو يتوافق الجميع على حل وسط يحقق مطالب الرباعية العربية.
من هنا فإن السؤال المطروح هو وماذا بعد؟ ماذا بعد الرفض القطري، ومحاولة كسب الوقت، وماذا بعد أن استخدمت الدول الأربع أهم ما لديها من أوراق ووسائل إقناع وضغط، وأخيراً ماذا بعد حدوث مناوشات واحتكاكات عسكرية… سبقتها وواكبتها حملات دعائية ومعارك كلامية بين قطر والدول الأربع؟ في هذا الإطار يمكن تقديم الإجابة عن سؤال ماذا بعد أو مستقبل الأزمة مع قطر من خلال ستة سيناريوات هي:
أولاً: سيناريو تجميد الأزمة والتعايش معها: في ضوء قرارات الرباعية، ومواقف الأطراف الدولية والإقليمية وأزمة الثقة بين دول التحالف الرباعي وقطر، فمن المرجح عدم إمكانية التوصل إلى حل قريب للأزمة الحالية، ما يعني استمرار الأزمة خلال العام الحالي وربما العام المقبل، حيث يمكن أن نشهد تسويات وتفاهمات محتلفة عن النمط المعمول به في تسوية أزمات قطر مع جيرانها في السنوات السابقة (عامي 2013، 2014) بعبارة أخرى هناك حاجة لحلول وتسويات خارج دائرة الخبرة القطرية وخبرة دول الخليج ومصر، قد تستغرق وقتاً أطول من المتوقع نتيجة تباعد مواقف وحسابات أطراف الأزمة، إضافة إلى حرص بعض الأطراف الإقليمية والدولية على استمرارها من دون تصعيد أو حسم نظراً لأن هذه الوضعية قد تحقق مصالحها.
ثانياً: سيناريو استجابة قطر مطالب الرباعية العربية: يفترض هذا السيناريو تعديلاً في مدركات النظام القطري ومن ثم إدخال تعديلات حقيقية في سلوكه السياسي وتحالفاته مع الجماعات الإرهابية والمتطرفة، تؤدي إلى قبول قطر بكل أو معظم مطالب الرباعية، وكذلك موافقتها على وجود آلية خليجية لمراقبة مراحل تنفيذ اتفاق المصالحة، والذي لن يخرج عن وقف دعم الدوحة للجماعات الإرهابية والمتطرفة وتسليم بعض المطلوبين للعدالة في دولهم أو السماح لهم بمغادرة قطر إلى تركيا أو إيران، مع تغيير السياسات الإعلامية لقنوات الجزيرة بحيث تتوقف عن الإساءة إلى الدول والشعوب العربية وتحترم إرادتها.
ثالثاً: سيناريو رفض قطر واستمرار التوتر والتصعيد في الأزمة: يفترض هذا السيناريو استمرار رفض قطر مطالب الرباعية العربية، واستمرار محاولاتها الديبلوماسية والدعائية لكسب الوقت وإطاله أمذ الأزمة وربما تجميدها، وفي الوقت نفسه العمل على التأثير في دوائر صناعة القرار في أوروبا والولايات المتحدة لمصلحة الضغط على دول الرباعية لتعديل موقفها، ويؤدي هذا السيناريو إلى استمرار التوتر في المنطقة وحدوث تصعيد محسوب بين أطراف الأزمة، لا يصل إلى حد الصدام المسلح، لكنه قد يأخذ الأشكال التالية:
1- ارتفاع وتيرة المعارك الإعلامية والكلامية وتبادل الاتهامات بين قطر ودول التحالف الأربع، ما يضر بالعلاقات الأخوية بين شعوب المنطقة.
2- طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي، ويلحق هذا الإجراء أضراراً بالغة بوضعية قطر ومكانتها العربية والدولية، لكنه قد يؤدي إلى حدوث انقسامات داخل البيت الخليجي، فالكويت وعمان ليس من رأيهما الذهاب بعيداً في عزلة قطر أو طردها من مجلس التعاون، خصوصاً أن هذا الإجراء قد يدفع الدوحة نحو مزيد من التورط في دعم الإرهاب وكذلك نحو مزيد من الاقتراب من إيران وتركيا.
3- نقل ملف تورط قطر في دعم الإرهاب إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار باعتبارها دولة راعية للإرهاب وبالتالي فرض عقوبات عليها من بينها تجميد الاستثمارات القطرية في الخارج، وهو اقتراح من الصعب تنفيذه لأنه يواجه مشكلات قانونية وإجرائية كثيرة، إضافة إلى صعوبة تحقيق إجماع دولي في مجلس الأمن أو تجنب استخدام الولايات المتحده أو بريطانيا أو روسيا حق الفيتو. لكن من الممكن استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة سياسات قطر كدولة داعمة للإرهاب وهو قرار لن يؤدي إلى فرض عقوبات دولية على قطر، لكنه يساعد في إضعاف صدقية السياسة القطرية في المحافل الدولية.
4- استمرار قطر في تقديم شكاوى إلى الأمم المتحدة ومنظماتها والهيئات الدولية الخاصة بتنظيم التجارة والطيران والملاحة الجوية تدعي فيها أنها تعاني من حالة حصار لا تتفق والمواثيق والقواعد الدولية.
5- محاولة الديبلوماسية القطرية إقناع واشنطن وبعض العواصم الأوروبية بأهمية تشجيع دول الرباعية للتخلي عن مطالبها والدخول في مفاوضات مباشرة مع الدوحة للتوصل إلى حل وسط للأزمة.
6- محاولة قطر استخدام ورقتي الغاز والعمالة المصرية للضغط على دول التحالف الأربع، لكن الورقتين تلحقان أضراراً اقتصادية ومعنوية كبيرة بالموقف القطري، لذلك فإن قطر قد تلجأ إلى تصعيد محدود في استخدام الورقتين.
رابعاً: سيناريو ضعف وانهيار نظام الحكم في قطر: يقوم هذا السيناريو على أساس أن استمرار ضغوط دول الرباعية العربية سيؤدي إلى ظهور مشكلات اقتصادية وسياسية داخل قطر، تشجع بعض الأطراف داخل قطر سواء من داخل الأسرة الحاكمة أو من خارجها على التحرك لتغيير النظام الحالي، وقد يتخذ هذا التغيير طابعاً سلمياً أو عنيفاً كحدوث انقلاب، وترشح الخبرة التاريخية المعاصرة لقطر على حدوث ذلك فقد تخلى الأمير حمد بن خليفة عن الحكم لابنه عام 2013، كما أن نمط الانقلابات العنيفة والدموية كان سائداً في مسار تغيير الحكم داخل قطر.
خامساً: سيناريو التصعيد العسكري بين أطراف الأزمة: من غير المرغوب اندلاع حرب عربية – عربية جديدة، ومن الممكن القول بوجود احتمالات لكن يبقى هذا السيناريو ضعيفاً.
سادساً: السيناريو الهجين: يفترض انتهاء الأزمة الحالية خلال العام المقبل 2018 وذلك من خلال أحداث وتطورات تشكل هجيناً غير متوقع من مكونات السيناريوات السابقة، فقد يحدث على سبيل المثال تغيير وتعديل في السياسة القطرية نتيجة ما تتعرض له من ضغوط داخلية وخارجية وأزمة اقتصادية ومالية تدفعها للتخلي عن تحالفاتها مع جماعة الإخوان والجماعات الإرهابية، ومن ثم تقبل بتعديل سلوكها في ضوء ما يبذل حالياً من جهود ديبلوماسية ووساطات خليجية، لكن تخلي قطر عن سلوكها قد لا يؤدي في هذا السيناريو إلى تحقيق كل مطالب الرباعية، وإنما يخلق حالة من الحلول الوسط الناتجة من مفاوضات وتنازلات متبادلة من قطر ودول التحالف الأربع، وذلك تجنباً لتجميد الأزمة وتحويلها إلى مجرد مشكلة نتيجة ظهور مشكلات دولية وإقليمية جديدة، إضافة إلى عدم ترك قطر للتورط في مزيد من التقارب مع إيران وتركيا ما يهدد الأمن في منطقة الخليج.